IMLebanon

دي ميستورا وحلب  في لعبة الكبار

الطريق الى جنيف يمرّ في حلب، سواء كانت أيام الجحيم فيها وسيلة لتسهيل التسوية السياسية أو لوضع المزيد من الحواجز أمامها. والطريق من جنيف الى دمشق يمرّ في واشنطن وموسكو وطهران وأنقرة والرياض والدوحة، بصرف النظر عن رؤى هذه العواصم للتسوية والبديل منها. لكن عقدة العقد، حيث الوصل والفصل بين هذه الطرق، متحركة بأكثر مما هي ثابتة. فلا إحراق حلب هو العامل الوحيد الذي قاد محادثات جنيف – ٣ الى الموت السريري. ولا وقف القصف التدميري الرهيب في حلب يضمن البحث الجدّي في التسوية، وان أحيا المحادثات.

ولم يكن أمام الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا سوى الذهاب الى النبع في موسكو. فهو يعرف بالخبرة الديبلوماسية ما أعادت تأكيده الوقائع: ادارة اللعبة ليست في يده، ولا حتى في يد الأمم المتحدة والأمين العام بان كي – مون الذي اختاره كموفد خاص بعد استقالة كوفي أنان ثم الأخضر الابراهيمي. لا في تنظيم الهدنة، ولا في ترتيب التسوية. وهو يدرك، في الاستعانة بأهل الحلّ والربط، أن التحادث في جنيف مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري يحتاج إكماله الى التحادث في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد التواصل الهاتفي بينهما.

وليس أكثر من الألغاز الروسية والأميركية في اللعبة سوى الألغام المحلية والاقليمية على طريق ادارتها. لكن الواضح، برغم الألغاز والألغام، هو أن القدرة والعجز وجهان لعملة واحدة في سياسات الكبار. فالروس والأميركيون قادرون، اذا أرادوا، على فرض وقف الأعمال العدائية حتى على أطراف لا تلائمها الهدنة. وهم عاجزون، اذا أرادوا، عن منع أي طرف من خرق الهدنة وحتى من معاودة كل الأعمال العدائية لتوظيفها في توجيه ضربة الى طرف يتصلب في موقفه ويتصور أنه يستطيع تحديد جدول الأعمال في محادثات جنيف.

وفي البدء كان اصطدام دي ميستورا بما يشبه قصة حصرم في حلب. ففي بدايات مهمته قبل سنتين حاول التركيز على الصورة الصغيرة ضمن سياسة من تحت الى فوق، على عكس أنان والابراهيمي. اذ قضى مدة طويلة في العمل على اقتراح عنوانه تجميد القتال في حلب، فلم يمكّنه أحد من النجاح. وحين عاد الى التركيز على الصورة الكبيرة من فوق الى تحت، فان القتال في حلب تحرك بأوسع من إبقاء داعش والنصرة خارج الهدنة.

والسؤال، اذا صمدت الطبعة الثانية من الهدنة، هو: كيف تصمد والى متى وما هي وظيفتها في محادثات التسوية السياسية؟ ومهما يكن الجواب، فإن اللعبة ليست في جنيف وأوراق دي ميستورا والردود عليها، إلا في الشكل.