IMLebanon

مناظرة دون مستوى  أميركا والرئاسة

معركة الرئاسة الأميركية تبدو كالعادة محور حسابات ورهانات في المنطقة والعالم. بين الحسابات ما يغري قوى اقليمية ودولية بمغامرات سياسية أو عسكرية لتسجيل هدف كان صعباً قبل ان يصبح الرئيس باراك أوباما بطة عرجاء، وفرض أمر واقع على الادارة الجديدة. وبين الرهانات ما يدفع كثيرين الى تجميد سياسات وأحداث وصفقات في انتظار بيع الأوراق واللعب مع الادارة الجديدة. لكن المعركة الحالية ليست كالعادة، كما أظهرت المناظرة الأولى بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون والمرشح الجمهوري دونالد ترامب. فهي، حسب النيويورك تايمس مناظرة بشعة عدائية بلا رحمة تصادم فيها المرشحان حول أمور شخصية، وتراشقا بالوحل في مشاهد سوريالية. وهي افتقرت الى أفكار جديدة وبرامج محددة للسياسات الداخلية والخارجية، وبدا المرشحان دون مستوى التحديات الأميركية والدولية.

ذلك ان المناظرات الرئاسية في أميركا صناعة كاملة. إذ يتدرّب كل مرشح عليها بمساعدة جيش من الخبراء. هيلاري كلينتون تدرّبت على مواجهة شخصين: ترامب الانفعالي المجنون المغرور الذي يصعب التكهّن بردّ فعله. وترامب المنضبط على الرغم منه نزولاً على نصائح مستشاريه. وهو لعب الدورين معاً بحيث أربكها ودفعها الى التراشق بالوحل معه بما جعل تكرار الأكاذيب ونبش القضايا والفضائح الشخصية يأخذ معظم الوقت المحدّد. أكبر فكرة كررها تبدو مضحكة ومخزية: مطالبة اليابان والسعودية وأوروبا وبقية القوى التي تدافع عنها أميركا عسكرياً في اطار الأمن القومي والمصالح الحيوية بدفع ثمن الحماية، كأن أميركا قوة عظمى للايجار. وأذكى تعبير ردّدته كلينتون هو ان ترامب استعدّ للهجوم عليّ وأنا استعدّيت للرئاسة.

في ثلاثينات القرن الماضي زار عضو المحكمة العليا الأميركية أوليفر وندل هولمز زميله السابق في هارفارد فرانكلين روزفلت الذي صار رئيساً. وعندما سئل عن انطباعاته عن الرئيس الذي لم يكن مميزاً كطالب أجاب بالقول: انه مثقف من الدرجة الثانية ومزاجي عاطفي من الدرجة الأولى. وما كشفته المناظرة ان ترامب ليس مثقفاً حتى من الدرجة العاشرة، لكنه مزاجي عاطفي من الدرجة الأولى. أما هيلاري كلينتون فانها مثقفة من الدرجة الأولى، لكنها ليست مزاجية عاطفية حتى من الدرجة الثالثة.

والانطباع السائد ان كلينتون ربحت لكن ترامب لم يخسر. وهذا ما اختصره المعلق روجر كوهين بعنوان نصر بلا اختراق. إذ رأى ان هيلاري أعطت كل المتوقع منها، لكن الناخبين المترددين يريدون غير المتوقع وغير المرسوم في سيناريو ويبحثون عن اتصال انساني لا سياسي.

والمسألة في النهاية ان كلينتون تمثل الستاتيكو وترامب يمثل التغيير، وان كان أسوأ الأنواع. والناخبون يريدون التغيير. والتصويت سيكون ضد المرشح الآخر أكثر منه مع المرشح المختار.