IMLebanon

تأجيل البت بالملفات الخلافية الكثيرة قد يراكم فوقها مشكلات أكبر

    الجيش يحتاج جواً سياسياً هادئاً غير ضاغط لتنفيذ مهامه بنجاح

    ليس من الحكمة أن يجعل السياسيون من التجاذبات الحاصلة عامل تأثير معنوياً على الجيش الذي يقاتل عدواً شرساً يطال خطره كل الأطراف

بينما بدأ الجيش عملياً حربه لتحرير باقي جرود السلسلة الشرقية من تنظيم «داعش» الارهابي، تدخل السياسات اللبنانية الضيقة سواء عن قصد ام عن غير قصد، عامل إرباك وضغط ومحاولات لتوجيه البوصلة باتجاهات معينة لتخدم هذه السياسات الضيقة، فيما المطلوب من كل السياسيين و«المحللين» الصمت المطبق حيال معركة وطنية بمثل هذا الحجم قد تكلف الجيش من خسائر بشرية، ليس من المفيد ولا من المصلحة الوطنية استثمارها سياسياً من هذا الفريق السياسي ضد فريق آخر، بل من الواجب ترك الجيش يتصرف بهدوئه وحكمته وخبرته العريقة وإحترافه الدولي وفق ما يرى فيه مصلحة للبلاد والعباد وللجيش نفسه.

قد تنعكس الخلافات السياسية حول ملفات معينة على وضع البلد او على حال الحكومة نتيجة التجاذبات الحاصلة، لكن ليس من الحكمة ان يجعلها السياسيون عامل تأثير معنوياً ونفسياً على وحدات الجيش التي تقاتل عدواً شرساً يطال خطره كل الاطراف من دون تمييز، بل من المفترض ان يُقاتل الجيش في اجواء سياسية هادئة ومستقرة لا تترك اي انعكاس على عناصره في الميدان، ووسط إجماع وطني على دوره لا تدخل فيه المزايدات السياسية، خاصة ان العسكريين يشعرون انهم ظُلموا في قانون سلسلة الرتب والرواتب، ومع ذلك لم يتصرفوا تصرفاً واحداً اعتراضياً يبعدهم عن تنفيذ واجباتهم الميدانية والامنية بدقة وتفانٍ.

… وهكذا، يبدو السياسيون في وادٍ والجيش وجمهوره في وادٍ آخر، خاصة ان الخلافات السياسية تطال شؤوناً لا علاقة مباشرة للجيش بها، فلا الخلاف على زيارة بعض الوزراء الى سوريا يعني الجيش، ولا صفقه بواخر توليد الكهرباء، ولا ملف النازحين ولا التعيينات الادارية… وسواها من مواد خلافية بين السياسيين، ما يعني الجيش هو توافر البيئة السياسية الهادئة الملائمة لينفذ مهامه المطلوبة بدقة وراحة ونجاح بعيداً عن الضجيج السياسي، فلا يرسم له طرف حدود تحركه ولا كيفية خوضه المعركة ولا مع من ينسق ولا كيف يتصرف في شؤونه الداخلية. وهنا، يُقر بعض الوزراء التقنيين ان المشكلات السياسية القائمة تؤثر بلا شك على عمل الحكومة وعلى وضع البلد ومؤسساته بصورة عامة، والسجالات الحاصلة تترك ندوباً على الوضع العام وعلى الجمهور نتيجة الشحن والتحريض، والجيش في النهاية هو ابن بيئته الشعبية وقد يتأثر بعض افراده نفسياً أحياناً بالجو العام وإن كان ذلك لا يؤثر على أدائه على الارض.

ويقول احد هؤلاء الوزراء : ان الخلافات حول بعض المشاريع او البنود المطروحة امام الحكومة تكون غالباً على امور إجرائية أو تقنية او فنية او مالية أو ادارية او قانونية او حتى امنية، ومن السهل ايجاد الحلول لها لو جرى التعامل معها بمهنية وتقنية من دون خلفيات سياسية، لكن الخلاف السياسي وتبادل الاتهامات ينعكس على العامل التقني والمهني والفني والقانوني والأمني فتؤجل الكثير من المواضيع التي تهم مصلحة الدولة والناس.

ويضيف الوزير: نفهم حصول خلاف على قضايا ذات ابعاد سياسية – استراتيجية او تتعلق بإدارة الدولة على المستوى الاكبر والاعلى، لكن لا نفهم كيف تتحول امور تقنية واجرائية الى تعطيل أو تأجيل لمشاريع حياتية؟ ويرى انه بات من الواجب حسم الكثير من الامور داخل مجلس الوزراء حتى لا يتحول الشلل او التأخير او التسويف سياسة عامة للحكومة ما يجعلها غير منتجة فعلياً الا في بعض النواحي القليلة.

ثمة مخارج مؤقتة كثيرة يمكن ان تُعتمد لتلافي الاحراج او الانقسام في مجلس الوزراء إلا انها تشكل حلولاً مؤقتة لا نهائية، لكن ثمة من يرى انه لا بد من التوقف ملياً عند بعض الامور التي تتعلق بمصلحة المواطن والاقتصاد وعدم تأجيل البت بها، وفي الوقت نفسه عدم التسرع والارتجال في الحلول والمعالجات الظرفية المؤقتة، لكن استمرار تأجيل البت ببعض الملفات الخلافية قد يُراكم فوقها مشكلات اكبر يصبح من المتعذر حلّها لاحقاً. فما ينطبق مثلا على ملف صفقة بواخر الكهرباء ينطبق على ملف النازحين، والملفان بحاجة الى معالجة سريعة بلا تأجيل او تسويف لارتباطهما العضوي بمصلحة البلاد والدولة.

وترى المصادر الوازرية ان بعض المشكلات تبدو تقنية او إجرائية لكن لها بالحقيقة خلفيات سياسية وقد تكون كبيرة وعميقة كملف النازحين، الذي لم يعد محصوراً فقط بيد لبنان، بل بيد المجتمع الدولي وحصراً بيد الامم المتحدة ومنظماتها المعتمدة، وما يؤخر اتخاذ القرار الحكومي الجذري حول الملف هو عدم حسم الامم المتحدة قرارها بشأن مشكلة النازحين، لكن هناك من يعتقد انه يمكن تخفيف تأثيرات هذا الملف السلبية على لبنان عبر اجراءات غير المعتمدة حالياً، والقائمة على طلب المعونات المالية من الدول المانحة لتلبية احتياجات لبنان والنازحين، وهي المعونات التي باتت شحيحة وقد تنخفض اكثر في القريب العاجل حسبما تبلغ رئيس الجمهورية مؤخرا من المفوضية العليا للاجئين.

يبقى ملفا الامن والاقتصاد من اهم الملفات التي تواجهها الحكومة، ويحتاجان منها الى مقاربات دقيقة غير قائمة على الحسابات السياسية الانتخابية وغير الانتخابية، بل مقاربات تقنية يعمل عليها بعض الوزراء التقنيين لكن الحسابات السياسية الضيقة لازالت تقيدهم.