IMLebanon

مخاوف دبلوماسيّة من تمدّد مشروع التقسيم والتفتيت نحو لبنان

عام مر ولبنان بلا رئيس للجمهورية وبلا أي مؤشرات تدل على امكانية انهاء الشغور الرئاسي المتمادية في قصر بعبدا، خصوصا إن أزمة الرئاسة في لبنان وبحسب مصادر دبلوماسية بارزة في بيروت تكاد تصبح أزمة وحكم ونظام في وطن محكوم بشتى التدخلات الدولية والإقليمية المتفقة حتى الآن على تحييد لبنان عن دائرة صراعات المنطقة المشتعلة بشتى الحروب الدموية والعبثية والهمجية بسبب تنامي قوة التنظيمات التكفيرية الأصولية الإرهابية في كل أرجاء المنطقة. مضيفة بأنه في حمأة بروز مخططات التقسيم والتفتيت في المنطقة، هناك مخاوف جدية عند الكثير من المعنيين والمراقبين من تمدد التقسيم والتفتيت الجاري بقوة الحديد والنار والمجازر في أكثر من دولة عربية إلى ربوع لبنان الذي لديه أرض طائفية ومذهبية خصبة لإستدراج سيناريوهات التقسيم والتفتيت إلى الساحة اللبنانية الهشة بأمنها واستقرارها وسلمها الأهلي.

المصادر أشارت الى أن التدخلات الدولية والإقليمية في الشأن اللبناني مع ما يعتريها من خلافات ونزاعات عميقة وجذرية في سوريا والعراق والبحرين واليمن وليبيا ومصر وغيرها من البلدان العربية، هي تدخلات تحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية كما أنها تدخلات تبقي الأبواب مفتوحة أمام احتمالات ذهاب لبنان في الوقت المناسب دوليا واقليميا إما نحو مؤتمر تأسيسي يعيد تكوين السلطة ضمن التركيبة الفدرالية أو غيرها من التركيبات التي تؤدي غاية تمدد وتوسع مشروع التقسيم والتفتيت الجاري في المنطقة نحو لبنان الذي أثبت بتركيبته ونظامه وصيغته الحالية بعدم القدرة على حكم نفسه بنفسه من دون وصاية خارجية تقوض وتستبيح حريته وسيادته واستقلاله.

وفي معرض ذلك، تعلق قوى مسيحية بارزة في 8 آذار على هذه الهواجس الدبلوماسية إزاء لبنان، « بأن وطن الأرز يقف اليوم أمام خطر وجودي يستهدف اسقاط الشراكة الوطنية الإسلامية ـ المسيحية لمصلحة ارساء منطق الهيمنة الأحادية على «الطريقة الداعشية» التي لا مكان في قاموس سطوتها وبطشها لأي تعددية طائفية ومذهبية، وما ينطبق على داعش ينسحب وينطبق بطبيعة الحال على بقية التنظيمات التكفيرية التي تتبنى عقائد تنظيم القاعدة التكفيري والإرهابي، بحيث أنه لولا وجود المقاومة في لبنان مع ما تملك من قدرات وطاقات وامكانات عسكرية وقتالية واستخباراتية عالية لكان اليوم هناك اجراءات واسعة من لبنان خاضعة لسلطة «داعش» أو «جبهة النصرة» شأنها في ذلك شأن العديد من المناطق الواسعة في العراق وسوريا التي تخضع لسيطرة هذين التنظيمين الإرهابيين التكفيريين أو غيرهما من التنظيمات المنتمية إلى مدرسة ذلك الفكر التكفيري الإرهابي الهدام».

ولفتت الى أن خطر الوجود الذي يتهدد لبنان معالمه واضحة الأبعاد من خلال الحراك الممنهج للمجموعات الإرهابية التكفيرية في القتل والفتك والتنكيل والتهجير والتطهير تجاه شعوب المنطقة وهويتهم وعاداتهم وثقافاتهم وتقاليدهم الذي يصب عن سابق تصور وتصميم وتخطيط وتوجيه محكم من قبل أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية، في خدمة اسرائيل المستفيدة الأولى من مشروع ضرب وإضعاف الدول العربية وتفتيتها وتقسيمها إلى دويلات متناحرة طائفيا ومذهبيا وإثنيا، مع التأكيد بأن الدولة اللبنانية هي هدف رئيسي من ضمن أهداف المؤامرة الإسرائيلية – التكفيرية التي تضرب كل المنطقة.

وتتابع المصادر عينها بأن التمدد الإرهابي التكفيري باتجاه أكثر من منطقة لبنانية كعرسال وطرابلس وعكار وصيدا والمخيمات الفلسطينية لا سيما مخيم «عين الحلوة» سببه الرئيسي بحسب التقارير الأمنية المتابعة لهذا التمدد المشبوه للتنظيمات الإرهابية التكفيرية كـ «القاعدة» و«جبهة النصرة» و«تنظيم داعش» الذي كان هناك من ينكره حتى من قبل بعض كبار المسؤولين في الدولة اللبنانية في بداية أحداث الأزمة السورية، هو تمدد كان هدفه منذ اللحظة الأولى ولغاية الآن اسقاط الحدود اللبنانية والحاق الساحة اللبنانية بما يجري من تطورات وأحداث أمنية وعسكرية جارية في المحيط والجوار لا سيما في سوريا والعراق وذلك تمهيدا لتغيير وجهة لبنان ونظامه السياسي المبني على الديمقراطية والحرية واحترام التعددية والتنوع خصوصا على صعيد حق المسيحيين في أن يكون لهم دور فاعل و أساسي في القيادة والسلطة ضمن تركيبة النظام اللبناني مثلهم مثل المسلمين. ومما لا شك فيها أن مؤامرة افراغ الشرق من المسيحيين تستهدف أيضا ضرب الصيغة اللبنانية والدور المسيحي اللبناني المميز فيها على صعيد الشراكة الحقيقة والفعلية مع المسلمين في كل المجالات وذلك على خلاف ما هو سائد بالنسبة لسائر المسيحيين في الدول العربية الذين بقي دورهم هامشياً ضمن تركيبة الدولة العربية بحيث أن هؤلاء المسيحيين العرب لم تساعدهم ظروفهم التاريخية والسياسية والديموغرافية والجغرافية في لعب أيّ دور سياسي، بل كانوا دوماً مجرّد رعايا درجة ثانية لهم واجبات من دون أي حقوق فعلية في الحكم والسلطة وبناء على ذلك فقد اختلفَت طريقة معاملتهم مع اختلاف طبيعة السلطة القائمة ضمن تركيبة الأنظمة العربية المستبدة.

وبحسب المصادر إن المجتمع الدولي إيزاء أبعاد هذه المؤامرة وأهدافها التي تستهدف المسيحيين في الشرق عموما وفي لبنان خصوصا يقف موقف المتفرج أحيانا وموقف المتآمر ضمن إطار لعبة الأمم الجهنمية، والمجتمع الدولي في كلا الحالتين فهو لا يسأل عن المسيحيين ولا عن موقع رئاسة الجمهورية ولا عن اي شيء آخر في لبنان، بل أن هذا المجتمع الدولي الذي تهيمن عليه بالدرجة الأولى القوة الأميركية لا يهمه من كل ما يجري سوى حماية أمن اسرائيلي وتحقيق مصالحها في منطقة الشرق الأوسط فوق كل الإعتبارات الأخرى. وبحسب المصادر فأن مواجهة هذه المؤامرة على ارض الواقع لا يمكن ان يكون إلا من خلال التصدي المباشر لما يجري وذلك على طريقة حزب الله الذي يحارب على كل الجبهات ويحقق الانتصارات المتتالية على المشروع الصهيوني والمشروع التكفيري، ودون ذلك لا يوجد أي حماية فعلية جدية للبنان السيادة والحرية والإستقلال والتعدد والتنوع والعيش الوطني المشترك، وكل من ينتظر في هذا المجال الأميركيين والفرنسيين والمجتمع الدولي وجامعة الدول العربية لإنقاذ لبنان من التحديات الداهمة التي تهدد وجوده وبقاءه واستمراره سوف تثبت له الوقائع بأن انتظاره سيطول وبأن رهانه مجرد أوهام ضمن لعبة الأمم التي تتحكم بها فقط لغة القوة والمصالح وليس اي شيء آخر.