IMLebanon

استياء في بعبدا من موقف الراعي

لماذا بطريرك الموارنة مار بشارة بطرس الراعي دعا إلى قيام الانتخابات بناء على القانون الساري؟ سؤال انكبت عليه أوساط مسيحيّة، وغاصت في أبعاده ومعانيه، لتسأل غبطته، ألم تقل وثيقة بكركي الوطنيّة المنشورة بتاريخ 9 شباط من سنة 2014 والتي قمت بإعلانها شخصيًّا بضرورة إيجاد قانون تتأمّن فيه شروط المناصفة الفعليّة بين المسيحيين والمسلمين، فلماذا وأنت ضغطت بقوّة وشدّة في الآونة الأخيرة من أجل انتخاب رئيس يمثّل الوجدان المسيحيّ بأكثريته المطلقة، لا تضغط من أجل إنتاج قانون يؤمن المناصفة الفعليّة وتتزاوج فيه الميثاقيّة والنسبيّة؟

سؤال تلك الأوساط لغبطته ناتج من مجموعة معطيات ومعلومات برزت في الآونة الأخيرة، تدلّ على ضغط بدأ يمارَس خارجيًّا لقيام الانتخابات وفقًا لأي قانون وبخاصّة لقانون الستين، وتقول تلك المعلومات بأن اتصالات أجريت بالصرح البطريركيّ على مدى أسبوعين كاملين فضلاً عن زيارة لعدد من السفراء غير معلنة، ألحت على البطريرك لكي يضغط باتجاه قيام الانتخابات وفقاً لما هو سائد، وقد جاء الإلحاح وفقًا لمقاييس التهديد بإمكانية بلوغ البلاد نحو تفلّت أمنيّ لن تكون وطأته هذه المرة خفيفة، والأرض اللبنانيّة تلتهب بسلسلة ملفات أمنية سريعة الاشتعال كالمخيمات الفلسطينية، ومخيمات اللاجئين السوريين، مع ازدياد المخاوف من وجود خلايا إرهابية نائمة في عكار وسواها… تفاعل البطريرك مع تلك العناوين، وهو المتراجع في الأصل عن وثيقة بكركي الشهيرة، فكانت دعوته لقيام الانتخابات على أساس القانون الحالي أي قانون الستين، وهو قد اعترض عليه غير مرّة كما ظهر في أحاديثه.

ليس التراجع محصوراً في بكركي والتي فهمت كخلاصة لمجموعة اتصالاتها بأنّ قانون الستين لا يزال حيًّا في أذهان من بيدهم الاستقرار الأمنيّ والسياسيّ في لبنان، وقد غدا بفعل الحالة التراكميّة السياسيّة التي بلغها لبنان عنوانًا صداميًّا يتخطّى الواقع اللبنانيّ ليصير جزءاً منه بفعل استهلاك معسكرين للواقع الانتخابيّ. بل قد بدأ يكتنف من راكموا مشاريعهم الانتخابيّة وأشارت الأوساط المسيحيّة بأن بكركي متفقة مع دار الفتوى ومفتي الجمهوريّة اللبنانيّة الشيخ عبد اللطيف دريان الرافض للقانون التأهيليّ على ضرورة قيام الانتخابات وفقاً للقانون الستين، وقد استغربت تلك الأوساط أن تكون بكركي قد خرجت من معظم المشاريع المؤمنّة لشروط الميثاقية والنسبيّة لتعود إلى هذا القانون عينًا وهو إن عاد فيعيد معه طبقة عاثت في البلد فساداً. وقد اتضح بفعل التدقيق والتسريب بأن السعوديّة بصورة خاصّة ضغطت على دار الفتوى كما ضغطت من خلال شخصيّة مسيحيّة مقرّبة منها وقريبة في الوقت نفسه من بكركي من أجل إجراء الانتخابات النيابية وفقًا لقانون الستين.

هذا التراجع بفعل هذا الخطاب استحوذ على مراقبة شديدة من مصادر سياسيّة تتميّز بدقّة المعلومات، لتقرأ بأنّ كلام البطريرك الأخير مثّل وعاء انسكبت فيه الرؤى الموحاة والموحية والعامدة على تجويف العهد من جوهر تكوينه ونشوئه، ولقد فاجأ موقف بكركي  بحسب تلك المصادر التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة، لتبدو في هذا السياق وكأنها تسير خارج الإجماع المسيحيّ بمعاييره الراسخة المنطلق من جوف الوجدان المسيحيّ كوجدان ناطق يمثّله رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، والمفاجأة تمثّلت بصورة خاصّة على محيّا النائب أمل أبو زيد وقد كان يمثّل رئيس الجمهوريّة في قداس الأحد، وخرج من القداس دون أيّ تعليق يذكر. هذا الموقف وبحسب تلك المصادر، استدعى من القوات اللبنانيّة أن توفد من يسأل البطريرك عن سرّ هذه العظة، واستدعى من التيار الوطنيّ الحرّ بدءاً من المسؤولين فيه وصولاً إلى نخبه وكادراته إلى توجيه اللوم الشديد المباشر وغير المباشر عبر وسائل التواصل الإجتماعيّ أو عبر الوسائل الإعلاميّة، ورأت بموقف البطريرك منطلقًا سيّئًا في تكوين الصورة وبثّها، فطبيعة العظة قد تحمل بشائر قطيعة واضحة بين بكركي والرابية وقد تتوسّع لتصل بين بكركي وبعبدا.

وبعيد صدور المواقف، حاول البطريرك تصحيح ما قال بتصريح قال فيه بأنه ضدّ الفراغ والتمديد ويصلّي من أجل أن يلهم الله المسؤولين ليصدروا قانوناً جديداً، فاعتبرت المصادر المواكبة بأنّه كان على البطريرك أن يقف امام هذا المشهد، وهو العارف بأنّ البلد منذ انتخاب الرئيس مأخوذ إلى قانون الستين كمادة أساسيّة في المقايضة بينه وبين التمديد خوفاً من الفراغ، ويصرّح بأنّ بكركي لن تقبل بقانون لن يحقّق المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، لن تقبل بقانون لا تزاوج فيه بين الميثاقيّة والنسبيّة، لن تقبل بقانون يبقي المسيحيين رهينة للآخرين لا قرار لهم ولا خيار. وتقول تلك المصادر البطريرك الراعي أن حين كان مطراناً على جبيل كيف انّ نائب رئيس المجلس النيابيّ سابقاً اجتمع فيه منذ سنة 2009 وبحضور شهود، وراحوا يقرأون في الواقع المسيحيّ، ويشيرون إلى ضرورة تحريره من كنف استهلاك الآخرين له، وتكشف المعلومات بأنّ الأسباب الموجبة التي وردت في مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ خرجت من هذا اللقاء عينًا وكان البطريرك داعمًا لهذا الموقف، وقد أصدرت بكركي مذكّرتها الوطنيّة سنة 2014 أي بعد خمس سنوات على هذا اللقاء، بناء على جوهره وبناء على الأسباب الموجبة من المنطلقة من هذا الجوهر والتي شكّلت مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ بمضمونه الانتخابيّ المتوازن، وتقول تلك المعلومات بأنّ المشروع الانتخابي الذي توافقت عليه الأحزاب المسيحيّة الأربعة كان عصارة هذه الرؤية، فلماذا لم يذكّر البطريرك به او بمشروع اللقاء الأرثوذكسيّ أو بمضمون مذكّرة بكركي الوطنيّة ليبنى على الشيء المقتضى؟

وتشير المعلومات بأن رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون لن يبقى صامتاً وصابراً، بل حتماً وقبل انتهاء المدّة القانونيّة ستكون لديه مبادرة حاسمة وسيكون بها حازمًا. رئيس الجمهوريّة لن يتخلّى عن النسبيّة البتّة، كما أنّ همّه ترسيخ الميثاقيّة إلى جانب النسبيّة، وهو في الجوهر متفق مع حزب الله وأمينه العام على هذه الرؤية المنجيّة للبلد. وتقول المعلومات بأن التلاقي حصل في زيارة الوفد الرفيع المستوى للقصر برئاسة الشيخ نعيم قاسم، كما أنّ رئيس التيار سيكون له موقف في النهاية مؤيّد لهذه الرؤية تكون المقدّمة لكشف ما سيطرحه الرئيس.

هل سيحسم الموقف في النهاية؟ المصادر تميل بأن وضع البلد لا يحتمل عكس ذلك، وسطوع العهد يستكمل بقانون واضح المعالم والآفاق بناء على وعد الرئيس، وهو الكفيل بوضع حدّ لمهزلتيّ التمديد أو الستين….