IMLebanon

ملف النازحين… «الحيط الواطي» مشكلة لبنان!

الجنازة حامية في لبنان، ولكن، ليس في «الدول المانحة». وحتى الآن، استنتج الوفد المشارك في مؤتمرَي اللاجئين في نيويورك أنّ الجميع «يُنظِّرون» على لبنان، وأنه بات متروكاً وحيداً لمصيره، في مواجهة أخطر الملفات الكيانية، وفي مرحلة ترنّح الكيانات في الشرق الأوسط.

هناك 3 أنواع من التعاطي العربي والدولي مع لبنان في ملف النزوح:

1- الأمم المتحدة التي تتلطّى وراء شعارات حقوق الإنسان لتطرح بوضوح على لبنان والدول الأخرى المضيفة خيار التطبيع والتوطين لنحو 5 ملايين سوري (حصة لبنان 1.8 مليون)، ومعهم الفلسطينيون في بلدان الشتات (حصة لبنان 600 ألف). والأمم المتحدة توعز إلى النازحين السوريين الذين يرغبون في العودة إلى مناطق آمنة في سوريا بألّا يفعلوا، لأنهم لن يكونوا قادرين على التمييز بين المناطق الآمنة والمناطق الخطِرة.

2- الدول الغربية التي تستخدم الأمم المتحدة لابتزاز لبنان: لن نساعدكم إذا لم تستوعبوا النازحين في مجتمعكم وتقيموا سوراً منيعاً يمنع هؤلاء من الهجرة إلى أوروبا. والجديد هو بروز حراك اعتراضي عنيف داخل المجتمعات الغربية (الولايات المتحدة وأوروبا) ضد النازحين، وبدء الضغط المباشر وغير المباشر لـ«طرد» أعداد هائلة منهم إلى دول الشرق الأوسط، «بطُرق مهذّبة»، وسيكون لبنان في مقدمها. فالمجتمعات الغربية الغنية والقوية، لا تجرؤ الأمم المتحدة على ابتزازها بشعارات حقوق الإنسان.

3- العرب، وأغنياؤهم خصوصاً، الذين يكتفون بوعود الدعم المالي وتشجيع لبنان على استيعاب «الأشقاء» النازحين من سوريا، من منطلق الأخوَّة العربية. لكنّ نسبة النازحين السوريين في الدول العربية الغنية تقارب الـ%0. وهكذا يبدو أنّ منطق الأخوَّة العربية ينطبق على لبنان والأردن دون سواهما، فيما هناك رفض عربي قاطع لأيّ فكرة تقضي بتوزيع النازحين على «الأشقاء» بالعدالة، أي وفقاً لقدرات كلٍّ منهم الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية.

فنسبة النازحين السوريين في لبنان، مقابل سكانه اللبنانيين، فاقت الثلث، فيما هي تقارب الـ%0 في غالبية الدول العربية الغنية. كما أنّ مساحة لبنان الصغيرة تقابلها مساحات شاسعة في دول عربية أخرى. وتتمتع هذه الدول بطاقات اقتصادية هائلة، فيما ينوء لبنان تحت الأزمات الخانقة.

وفي مقابل التركيبة الطائفية والمذهبية الشديدة الحساسية في لبنان، هناك نسبة مقبولة من الاستقرار الطائفي والمذهبي في هذه الدول العربية الغنية، بل إنّ هناك تجانساً مذهبياً بين هؤلاء النازحين وغالبية المواطنين في هذه الدول، ولا يَخشى الحُكّام فيها أن يؤدي وجود النازحين فيها إلى أيّ تهديد لهم، إلّا في ما يتعلق بـ»داعش» والتنظيمات الرديفة.

لكنّ مشكلة لبنان تكمن في أنه لا يجرؤ على رفع صوته، لا في وجه الأمم المتحدة ولا المجتمعات الغربية ولا أثرياء العرب، مطالباً بالعدالة في توزيع النازحين، لأنّ سلطته المركزية أو لأنّ فئاتٍ فيه «حَيْطْها واطي» أمام واحدة أو أكثر من هذه الجهات: الغالبية لا تزعِّل الأثرياء العرب ولا الغربيين.

عندما تتصرّف الفئات اللبنانية بما يكرِّس تبعيّة لبنان للخارج، فإنها عملياً تجعل من لبنان رهينة له. وعندئذٍ، سيكون متعذِّراً على اللبنانيين أن يرفضوا الخيارات التي تُفرَض عليهم، والتي تتناقض ومصالحهم أو تهدِّد كيانهم.

من هذا المنطلق، يبدو الوفد اللبناني المشارك في اجتماعات نيوريورك أمام الحائط المسدود. والطروحات التي تتقدّم بها الحكومة اللبنانية لبرمجة المعالجات في ملف النازحين لن تتجاوز جدران الأروقة في نيويورك، لأنّ القوى المعنية ليست في وارد الإصغاء إلى لبنان لسببين:

– الحرب السورية مستمرة بلا أفق، ومعها تدفُّقُ النازحين، وهذه القوى منغمسة فيها تماماً، والأولوية لديها هي للحرب ومستلزماتها وتوازنات المعركة لا للنازحين.

– ليست هذه القوى مضطرة إلى ممارسة الجهد وليست لديها الرغبة في إراحة لبنان، ما دام هدفها الأساسي هو إبعاد خطر النزوح والنازحين عنها وعن مجتمعاتها.

إنّ الخطأ الأساسي الذي ارتكبه لبنان في ملف النازحين يكمن في أنه اعتبره ملفاً عادياً يمكن علاجه بالحصول على حفنة من الدولارات من المجتمع الدولي. لذلك، تلهّى بطلب المساعدات بدل الذهاب مباشرة إلى صلب المشكلة، أي التدفّق المستمر.

وثمة مَن يعتقد أنّ السياسيين والمسؤولين اللبنانيين الذين تعاطوا مع الملف منذ البداية، من هذه الزاوية، هم إما جهلَة وإما متآمرون يجب محاسبتهم وطنياً… والأرجح أنّ كثيرين منهم مسرورون بمرور المساعدات الموعودة «من جارور مكتبهم». ولذلك، تغاضى هؤلاء تماماً في مرحلة سابقة عن المخاطر الوطنية للملف، واكتفوا بطلب المساعدات من «الأجاويد» العرب والأجانب.

واليوم، دفعت نقاشات القوى السياسية، ولاسيما في مؤتمر الرابطة المارونية عن النازحين، إلى ديناميةِ مواجهةٍ واقعية مع المخاطر التي يقود إليها ملف النزوح. لكنّ تشخيص الأسباب وطرق المعالجة بقيا موضع خلاف وطني حادّ.

والدليل هو ما تعلنه الفئات السياسية والطائفية والمذهبية، كلّ في بيئته، وما أظهره المؤتمر من تنافر بين الوزراء المعنيين في التعاطي مع الملف، ولاسيما وزيرا الخارجية جبران باسيل والشؤون الاجتماعية رشيد درباس، فيما كان وزير العمل سجعان قزي يطلق من خارج المؤتمر برنامجاً تنفيذياً لعودة النازحين إلى سوريا، ممنهَجاً لسنتين.

المعالجة الفعلية لملف النازحين تبدأ بوقف الحرب السورية، وهذا الشرط لن يكون متوافراً حتى إشعار آخر. وفي الانتظار، من مصلحة لبنان وقف التدفق بأيّ شكل من الأشكال، والعمل في اتجاه إعادة ما أمكن إلى مناطق آمنة في سوريا، والضغط لتوزيع النازحين في شكل عادل على الدول العربية، ولاسيما الغنية منها في الخليج العربي. وهذا الأمر ليس مستحيل التحقيق إذا تضامن اللبنانيون حوله بعيداً عن الخبث المعهود.

وإلّا… فسيستمر بعض أثرياء العرب بـ«التنظير» لدعم الشعب السوري «شفهياً»، ما دام النازحون السوريون في حدود الـ0% عندهم، وما داموا مرتاحين إلى أنّ الدبَّ يعبث بالأشياء «خارج كَرْمِهم». وسيبقى شعارهم قول المتنبي: «لا خيلَ عندكَ تُهديها ولا مالُ… فليُسعِدِ النطقُ إن لم تُسعِدِ الحالُ».