IMLebanon

«تهجير» المقاعد: النسبية هي الحل

قبل كل انتخابات، ترتفع الأصوات المطالبة بنقل مقاعد من دائرة إلى أخرى. هذا الطرح يحمل أبعاداً خطيرة، لناحية التعامل مع المناطق البعيدة عن جبل لبنان كـ«أحرف ناقصة»، يحتاج نواب «الأقليات» فيها إلى شهادة حسن سلوك طائفي. مُبررات نقل المقاعد تُسقطها أرقام الناخبين في الدوائر، التي تُلحِق ظلماً بالناخبين، مسلمين ومسيحيين. أما الحل لهذه المعضلة، فبسيط: النسبية في لبنان دائرة واحدة

عنوان «تصحيح تمثيل المسيحيين» كان أساس مشاريع القوانين التي طالب بها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. من أجل تحقيق هذا الهدف، جرى التعامل مع الناخبين المسيحيين من كلّ المذاهب على أساس أنهم طائفة واحدة. لم يفهم أحد المعيار الذي أدّى إلى اعتبار هذه الجماعة من المواطنين «ضعيفة» إلى درجة تستدعي التعامل مع أبنائها باعتبارهم «كتلة واحدة».

بندٌ آخر اعتُبر «مصيرياً» لـ«طمأنة الناخب المسيحي»، وهو نقل خمسة مقاعد (المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون، المقعد الماروني من البقاع الشمالي إلى جبيل، المقعد الماروني من البقاع الغربي إلى المتن الشمالي، ومقعدي الإنجيليين والأقليات من بيروت الثالثة إلى بيروت الأولى)، ليكون أحد الشروط غير القابلة للتراجع عنها، قبل الموافقة على أي قانون جديد. تبنّت القوات اللبنانية هذا الطرح، فيما لم يصدر موقف رسمي عن التيار الوطني الحر في خصوصه.

للقوات اللبنانية مُبررات كثيرة تُقدّمها للمطالبة بنقل المقاعد من دائرة إلى أخرى. لدى الحديث عن نقل المقعد الماروني في طرابلس، تقول مصادر القوات إنّ «عدد المقترعين الموارنة لا يتعدّى الـ200 (المسجلون على لوائح الشطب هم 5247 ناخباً)، وأنّه منذ عام 1992 حتى عام 2009 كان يُستورد مرشحون موارنة من خارج طرابلس». قد يبدو الأمر منطقياً، إذا ما قورن المعدل العام للناخبين المسيحيين في لبنان (20693 ناخباً لكل نائب) بعدد الناخبين المسيحيين في طرابلس (22453)، فيتبين أنّ لكلّ 11226 ناخباً مسيحياً في طرابلس مُرشحاً واحداً، في حين أنّ أكثر من 16 ألف ناخب مسيحي في بنت جبيل وأكثر من 15 ألف ناخب مسيحي في المنية ــ الضنية غير ممثلين، و29 ألف ناخب مسيحي في دائرة الزهراني ممثلون بنائب واحد. ولكن، لا يعني ذلك نقل المقعد الماروني إلى البترون (كما تُطالب القوات لضمان فوزها بمقعد نيابي) حيث هناك تقارب بين المعدل المسيحي العام ومُعدل الناخبين المسيحيين (27492 ناخباً مسيحياً في البترون لكل مقعد). وإضافة مقعد إلى دائرة البترون يعني أنّ «حصة» كل نائب في القضاء ستصبح 18328 ناخباً مسيحياً، وهي أقل من أصغر نسبة تمثيل لأي نائب في لبنان.

الحجّة الثانية التي تُقدّمها القوات اللبنانية هي «استعادة الفعالية المسيحية من خلال تعزيز التمثيل وتحرير المقاعد، بعد أن كان هدف القوانين الانتخابية في زمن الوصاية السورية إضعاف التمثيل المسيحي من ضمن استهداف مبرمج للأحزاب القوية». من هنا، تأتي مطالبة القوات بنقل مقعد البقاع الغربي إلى المتن الشمالي (مجموع الناخبين المسيحيين في المتن 165880، أي هناك نائب لكل 20735 ناخباً)، على أساس أنّ 109270 ناخباً مسلماً يتحكمون في مصير 31321 ناخباً مسيحياً في البقاع الغربي وراشيا (في الدائرة مقعدان مسيحيان)، فيما يغيب عن بال القوات أنّه في عكار 203557 ناخباً مسلماً، مقابل 73089 ناخباً مسيحياً. طبعاً، ليس المطلوب أن تُكمل في سياسة الحرب الأهلية عبر تهجير المسيحيين من الأطراف وتجميعهم في جبل لبنان، ولكن إذا كانت القوات فعلاً صادقة في شعارها، فلماذا لم تشمل عكار في مُخططها؟ مقعد آخر تخلّت القوات عن طلب نقله، هو المقعد الماروني في البقاع الشمالي، بعد أن بنت جزءاً من معركتها ضدّ النائب إميل رحمة عبر معايرته بأنه نائب بأصوات حزب الله وحركة أمل، رغم أنه كان مرشّح العماد ميشال عون في تلك المنطقة. في البداية، طالبت بنقل المقعد إلى بشرّي، ثُمّ إلى جبيل، حيث تطمح إلى التمثل سياسياً وإنهاء «لجوء» مناصريها إلى عند النائب السابق فارس سعيد. تراجعت، حالياً، عن مطلبها، وأعلنت أمس ترشيح أنطوان حبشي للمقعد الماروني في البقاع الشمالي. لا بل إنّها بدأت عملية مسح للذاكرة، عبر الادّعاء أنها «ولا مرّة طالبنا بنقل مقعد بعلبك ــ الهرمل، لأنه تاريخياً هناك ونحن لدينا خزان بَشَريّ في تلك المنطقة». وتوضح المصادر أنّ المقاعد الأربعة التي تُطالب بنقلها هي «المقعدان المارونيان في طرابلس والبقاع الغربي، والمقعد الانجيلي ومقعد الأقليات في بيروت الثالثة».

تقول مصادر القوات إنّه «بعد اتفاق الطائف، أضيف عدد من المقاعد للمسلمين والمسيحيين». هي أكثر من الأربعة التي تُطالب القوات بنقلها، لأنه «في بعض الدوائر لدينا مصلحة في بقائها. النقل يطال الدوائر حيث لا تمثيل فعلياً للمسيحيين». وإذا كانت القوى الطائفية الأخرى ترى أنّ «لديها مقاعد بحاجة إلى نقل، فلا مشكلة لدينا في ذلك». ليست القوات اللبنانية «دخيلة» على اللغة التقسيمية والطائفية في ما خصّ قانون الانتخابات، إلا أنّ مصادرها تُصرّ على أنها «لا تتكلم طائفياً، فبالنتيجة هذا هو النظام». تشترط القوات الموافقة على نقل المقاعد الأربعة حتى تسير بالقانون الجديد، ولكن هذا الطرح يلقى معارضة من قبل الرئيس نبيه بري وتيار المستقبل. السبب مفهوم لدى «المستقبل»، لأنّ هذه المقاعد تقع في دوائر نفوذه، ولكن برّي «لديه عقدة المارونية السياسية»، يقول القواتيون.

قد يكون مفهوماً «طلب إعادة المقعد الإنجيلي من بيروت الثالثة إلى الأولى، ومقعد طرابلس»، يقول مدير مركز بيروت للأبحاث والمعلومات عبدو سعد. ولكن نقل المقاعد «إشكالية كبيرة، ستدفع كل الطوائف عندئذ إلى طلب تبديل المقاعد بين الدوائر. والنتيجة ستكون عدم الاتفاق على نقل أي مقعد». يتحدّث سعد عن «تفاوت هائل» في المعدلات العامة في ما خصّ عدد الناخبين للمقعد الواحد في الدوائر. مثلاً كلّ 48824 ناخباً في بنت جبيل ينتخبون نائباً (ومثلهم تقريباً في النبطية)، بينما كلّ 18544 ناخباً في دائرة بيروت الاولى ينتخبون نائباً. هذا التفاوت الهائل يعني «مخالفة الدستور». وبدل البحث عن نقل مقعد من هنا ومقعد من هناك، يمكن تصحيح الخطأ، مع إبقاء كل المقاعد حيث هي. والحل واضح: قانون انتخاب يحترم الدستور، قائم على النسبية ويعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة.