IMLebanon

مشروع الموازنة : تعقيدات في التوقيت والمضمون

تلقّى مجلس النواب مشروع موازنة العام ٢٠١٧ في ١٢ نيسان الماضي أي بعد أسبوعين على إقراره في مجلس الوزراء. وإذا كانت دراسة المشروع من قبل اللجنة النيابية ستتمّ في الأيام المقبلة، إلا أن التطورات السياسية لا تُنبئ بالخير وقد يُصبح هذا المشروع غير ملائم لما تبقّى من العام ٢٠١٧.

شهر مرّ على إقرار مشروع موازنة العام ٢٠١٧ من قبل مجلس الوزراء، شهر تعطّل خلالها مجلس النواب ومعه مجلس الوزراء بحكم التشنجات السياسية.

هذا الأمر يأتي ليزيد من التعقيدات التقنية الموجودة أصلًا في مشروع الموازنة وعلى رأسها سلسلة الرتب والرواتب وإمكانية تمويلها من الضرائب، إضافة إلى خطة الكهرباء «الإنقاذية» التي وافق عليها مجلس الوزراء والتي لم تدخل في المشروع الذي أقرّه مجلس الوزراء.

مُشكلة توقيت

بحسب المادّة ٨٣ من الدستور اللبناني، تُقدّم الحكومة لمجلس النواب كل سنة في بدء عقد تشرين الأول عن السنة المقبلة مشروع موازنة. وهنا تظهر المُشكلة إذ أن مشروع الموازنة قيد الدرس حاليًا هو مشروع العام ٢٠١٧، وبالتالي فإن الحكومة مدعوّة منذ الأن إلى البدء في تحضير مشروع موازنة العام ٢٠١٨ بناءً على حاجات الوزارات، وموقع لبنان في الدورة الإقتصادية والخطة الإقتصادية للحكومة.

هذا الأمر يطرح السؤال عن مدّى فعّالية موازنة العام ٢٠١٧ بإعتبارها الآداة الأولى التي تمتلكها الحكومة لتنفيذ خطتّها الإقتصادية مع التصويت على مشروع موازنة العام ٢٠١٧ في الشهر الخامس من العام نفسه.

فالحكومة لن تستطيع تنفيذ الإجراءات التي وضعتها في هذا المشروع بحكم أن الآلية الإدارية للمناقصات وغيرها من الشؤون الإدارية هي آلية تتطلّب وقتا طويلا، وبالتالي، فإن قسما فقط من هذه الإجراءات سيتمّ تنفيذه. مما يعني أن الأهداف المالية والإقتصادية التي وضعتها لن يتمّ الإلتزام بها وهذا سيزيد من العجز في الموازنة.

مُشكلة سياسية

المُشكلة الأخرى التي يواجهها مشروع الموازنة هي مُشكلة سياسية بإمتياز إذ من المعروف أن الطبقة السياسية تربط القرارات الإقتصادية بالوضع السياسي. وهذا ما عبّر عنه أحد نواب الأمة بالقول « لن تقر السلسلة ولا الموازنة قبل قانون الانتخاب».

هذا الأمر يعني، ونظرا للتعقيدات في المشهد السياسي وإلى إستحقاق ١٥ أيّار المُقبل، أن طريق إقرار مشروع الموازنة هو طريق طويل وغير مُعبّد. وبالتالي، وفي أحسن الأحوال، لن يكون التصويت على الموازنة في مجلس النواب قبل حزيران ٢٠١٧ أي الشهر السادس من العام.

أيضا، ومع قرب صدور لائحة العقوبات الأميركية على حزب الله، من المُتوقّع أن تفرض هذه اللائحة تعقيدات إضافية على المشهد السياسي اللبناني من ناحية أن السبب الأساسي الكامن وراء هذه العقوبات هو محط إنقسام سياسي عامودي في لبنان. وهذا يؤدّي، مع ربط القرارات الإقتصادية بالواقع السياسي، إلى تأخير في إقرار هذه الموازنة من قبل مجلس النواب.

مُشكلة تقنية

المُشكلة التقنية هي مُشكلة قديمة وتنصّ على إقرار سلسلة الرتب والرواتب وسبل تمويلها. فهذا التمويل كما طُرح في الصيغة الأولى للموازنة يعتمد على ضرائب تطال الإستهلاك والإستثمار وتُثير حفيظة الهيئات الإقتصادية والمُجتمع المدني الذي تظاهر بكثافة في أذار الماضي. إذا كيف للحكومة تمويل السلسلة؟

هناك أربعة سيناريوهات:

أولًا – عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب وهذا الأمر سيفرض إضطرابات إجتماعية لا يُمكن للسلطة السياسية تحمّلها على أبواب الإنتخابات النيابية.

ثانيًا – إقرار السلسلة وتمويلها من الضرائب وهذا الأمر سيضع أيضًا السلطة في مواجهة المُجتمع المدني.

ثالثًا – إقرار السلسلة وعدم إقرار تمويل لها مما يعني رفع الدين العام بقيمة ١.٦ مليار دولار أميركي إضافة إلى الزيادة المُـوقعة والبالغة ٦ مليار دولار أميركي.

رابعاً – إقرار السلسلة مع إصلاحات إقتصادية وإدارية وقانونية مما يعني محاربة الفساد وهنا يُطّرح السؤال عن مدى إستعداد القوى السياسية إلى الدخول في هذا المسار.

لكن مُشكلة سلسلة الرتب والرواتب والضرائب لتمويلها ليست المُشكلة التقنية الوحيدة، فهناك مُشكلة تمويل خطة الكهرباء الإنقاذية لصيف ٢٠١٧ التي أقرّتها الحكومة في جلستها بتاريخ ٢٨ أذار ٢٠١٧. هذه الخطّة التي من المُتوقّع أن تبلغ كلفتها ما يفوق المليار دولار أميركي سنويًا، بحاجة إلى تأمين مصادر تمويل لها بحكم أن رفع تعرفة الكهرباء وحدها لن تُغطّي الكلفة.

تعقيدات كثيرة ولكن

على الرغم من المشاكل والتعقيدات المطروحة أعلاه، نرى أن هناك أهمية كبرى في إقرار الموازنة. هذه الأهمية تنبع من منطلق أن نصف الدين العام البالغ ٧٥ مليار دولار أميركي تراكم في الفترة التي لم يكن فيها موازنات (٢٠٠٥-٢٠١٦)! وبالتالي، من الضروري إقرار الموازنة ووقف الإعتمادات الإستثنائية (المادّة ٨٥ من الدستور اللبناني) والتي بإعتقادنا هي السبب الأساسي لتراكم هذا الدين الهائل.

أيضًا يأتي إقرار الموازنة كعنصر أساسي في المحاسبة العامّة خصوصًا بحث هذه الموازنة وقطع الحساب أمام الرأي العام مما يفرض إنتظام وتقيّد أكبر بالقوانين المرعية الإجراء من قبل الحكومة. هذا الأمر وحده كفيل بلجم الكثير من الهدر الذي يحصل في الإدارات العامة والوزارات والمؤسسات التابعة للدولة.

وإذا كان مشروع موازنة العام ٢٠١٧ بعيدًا كل البعد عن المعايير العالمية لما يُسمّى بـ «موازنة عامّة» وإحتوائها على السياسة الإقتصادية للحكومة اللبنانية، إلا أن إقرار الموازنة سيُعاود فرض نمط عمل مُعيّن على المستوى الحكومي وعلى مستوى مجلس النواب، نمط فقدناه منذ العام ٢٠٠٤.

دروس للمُستقبل

يبقى القول إنه، وبحسب الدستور، يتوجّب على وزارة المال البدء قريبًا التشاور مع باقي الوزارات والمؤسسات بهدف وضع مسودّة مشروع موازنة للعام ٢٠١٨. لذا من المنطقي القول أنه يتوجّب علينا التعلم من الماضي والبدء في وضع خطّة إقتصادية لتحفيز النمو الإقتصادي وإحترام المواعيد الدستورية مما يُشكل الخطوة الأولى نحو إعادة الثقة بمؤسسات الدولة من قبل المواطن والأسواق.