IMLebanon

قانون الانتخاب وهواجس «التحجيم والتذويب»

أمّا وقد اتّفق الجميع على أنّ أولوية الحكومة ستكون إقرار قانون انتخاب جديد وإجراء الانتخابات النيابية على أساسها، فلم يعُد هناك من مجال لإجراء الانتخابات على أساس «قانون الستّين» النافذ، ولا للدخول في تمديد جديد لمجلس النوّاب.

ولذلك سيتركّز النقاش في قابل الأيام على ماهيّة قانون الانتخاب العتيد، في ظلّ تجاذبٍ بين محبّذي الاستمرار في القانون الأكثري ومحبّذي القانون النسبي الذي اعتبره الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته الاخيرة «ممراً إلزامياً للعبور الى الدولة».

الفريق المؤيد للنظام الانتخابي النسبي الذي يؤمّن عدالة التمثيل النيابي وشموليته يتصدّره رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«التيار الوطني الحر» وحزب الله وحركة «أمل» وبقية قوى 8 آذار. أمّا الفريق المؤيد للنظام الأكثري، فيضمّ تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، مع انّهم يتمسكون بالقانون المختلط بين الاكثري والنسبي الذي كانوا قد اقترحوه.

علماً انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري كان قد اقترح في الموازاة قانوناً مختلطا يناصِف بين الاكثري والنسبي (اي انتخاب 64 نائباً على اساس الاكثري و 64 آخرين على اساس النسبي).

لا يمكن التكهن من الآن بالصيغة التي سيرسو عليها قانون الانتخاب العتيد في حال صفَت النيات وأُمكن التوصل اليه. ولكن المؤشرات السائدة تدلّ الى وجود صعوبات كبيرة قد تَحول دون اقرار قانون انتخاب يعتمد النسبية الكاملة، وهي ناجمة من هواجس ومخاوف من النسبية بدأت قيادات وقوى سياسية تعبّر عنها، وترى فيها «تحجيماً» لها أو «تذويباً»، ويتصدّرها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط مشفوعاً بموقف «المستقبل» و«القوات» المتمسّكين بشراكتهما معه في «المختلط»، بحيث أنّ هذا «الثلاثي» قد يضغط في اتجاه أن يذهب الجميع الى قانون مختلط جديد على قاعدة اعتماد النسبية على جرعات مختلطة او تأهيلية وليس جرعة واحدة.

على انّ جنبلاط المنهمك بتغريداته «التويترية» المتضمّنة رسائل مشفّرة في مختلف الاتجاهات يعبّر فيها عن «الضيق» الانتخابي الذي يَعتريه، يتفهّم اصدقاؤه هواجسَه، ولكنّهم يرون أن ليس في اليد حيلة ولا إمكانية لعودة الاستثناء الذي كان معمولاً به في قوانين سابقة، والقاعدة بالنسبة إليهم هي دفنُ «الستين» والذهاب الى قانون جديد، وأمّا الاستثناء لديهم فهو محاولة تطمين الزعيم الدرزي، يسألون كيف؟ لكنْ لا جواب عندهم.

ومِن هنا تبدو المهمّة صعبة، وأمامها يعلو صمت جنبلاط المسموع في كلّ الصالونات والمجالس حتى يكاد يقول «لن نقبل بإلغائنا».

صمت جنبلاط قالَ «لا» صريحةً لأيّ قانون أو صيغة أو تقسيمات انتخابية من شأنها المسّ بوضعيته وبحجمِه الانتخابي. وقد قال هذا الكلام لجميع الرؤساء والأحزاب وكلّ من جالسَه، مردّداً: «يريدون تحجيمي، وقد قلنا مرةً امام الكبار أنّ «الصغار بيروحوا دعوسة». ولكن يبدو أنّ هناك من يريد ان يطبّق هذا القول فعلا».

لم يكن همّ جنبلاط الحقائب الوزارية نوعاً وكمّاً، وقد قبلَ، ولو على مضض بكلّ ما عُرض عليه. ويقال إنّ هذا ليس منّةً منه أو عن اقتناع، لأنّ حربه الحقيقية ليست على الجبهة الحكومية، بل على الجبهة الوجودية، أي على ساحة قانون الانتخاب، والنسبية هي السيف الذي يراه مسلطاً عليه. وبالتأكيد أنّ جنبلاط لن يسمح بذلك.

وعلى ما يَنقل عنه أحد الوزراء فإنّ المسألة لديه لا تقتصر فقط على عدد مقاعد نيابية بالحجم الحالي، أقلّ أو أكثر، بل هي بالنسبة اليه معركة وجودية وسيَخوضها حتى النهاية، ومن هنا رفضُه النسبية.

فقانون الستين الحالي النافذ قد يأخذ من جنبلاط ولا يعطيه، خصوصاً بعد بروز الثنائية «القواتية» – «العونية» التي يمكن ان تأخذ منه في عاليه والشوف. ومع ذلك يرى أنّ هذا القانون هو أهونُ الشرّين من النسبية التي من شأنها ان تأخذ منه مسيحيّيه ودروزَه، أو تحيي «حالات درزية أُخرى لا لون لها ولا طعم ولا رائحة».

وفي القراءة الجنبلاطية أنّه بموجب القانون النسبي يمدّ الثنائي الشيعي أرجلَه، بمعنى إن اعتُمد لبنان دائرة واحدة هو رابح، وإن اعتُمد دوائر موسّعة فهو رابح أيضاً، وإنْ خسر في الجنوب يمكن ان يعوّض في البقاع، والحال نفسها تنطبق على السُنّة وعلى تيار «المستقبل» تحديداً، فإنْ خسرَ السُنّة في بيروت يمكن ان يعوّضوا في الشمال والبقاع الغربي. فمن أين يعوّض الدروز ولهم ثمانية نواب؟ مِن فلسطين، أم مِن السويداء، أم مِن الجولان؟

وفي هذا السياق واضحٌ أنّ حال الدروز قد لا تختلف عن حال الأقليات المسيحية الأُخرى، فبالنسبية يَربح الكبار من المسلمين والمسيحيين، أمّا الصغار فيَذوبون. ولذلك يردّد مؤيّدو جنبلاط «أنّ قانون الستين هو افضل الموجود وإن وُجِد ما يعادله فنحن معه، لكن إن وجِد ما يَقلب الوقائع رأساً على عقب ويبعثر الطوائف ويخلّ بالتوازنات فهو لا يمكن القبول به على الإطلاق».

هذا الكلام ابلغَه جنبلاط الى الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، ويقال إنه وجد تفهّماً لهواجسه، لكنّ السؤال هو كيف يمكن ترجمة هذا التفهّم؟ هذا السؤال قد تجيب عنه الايام المقبلة، فالمرحلة من الآن وحتى التوصّل الى قانون انتخاب هي مرحلة مربِكة لجنبلاط وتجعله مستنفراً يومياً ويده طبعاً على «الزناد السياسي».

على أنّ موقف عون متقدّم لجهة الموافقة على النسبة الكاملة على مستوى لبنان دائرة واحدة أو دوائر موسّعة وحتى على مستوى التأهيل من القضاء على اساس الاكثري والانتخاب في المحافظة على اساس النسبي، ويلتقي عون هنا مع بري ويتكاملان مع حزب الله في هذا الموقف.

لكنّ السؤال يبقى حول الموقف الحقيقي لتيار «المستقبل» والقوات اللبنانية» المتمسّكين حتى الآن بالقانون المختلط مع الحزب التقدمي الاشتراكي، علماً انّ هذا المختلط فسّرَه مؤيّدو النسبية على أنه «توزيعة عجيبة غريبة» بمعنى أنه يفصّل المقاعد والدوائر على قياس هذا «الثلاثي» بما يؤمّن لهم أكثرية موصوفة قد تزيد عن 70 نائباً، وهو أمرٌ قد لا يَلقى قبولاً لدى «الفريق الآخر».