IMLebanon

قانون الإنتخاب في مهبّ شيطان «التفاصيل»

يَقترب موعد اجتماع اللجنة النيابية المصغّرة المكلّفة درس قانون الإنتخاب المقرّر مطلع شهر كانون الأول المقبل، ومن المتوقع أن يتّخذ الحوار بين الأفرقاء السياسيين طابعاً قاسياً، لأنّ كل فريق سيأتي إلى هذه الاجتماعات محمّلاً بالقانون الذي يؤمّن له أكبر حصة نيابية عبر قانون انتخابي معيّن.

فـ«التيار الوطني الحر» آتٍ مع قانون الـ 15 دائرة على أساس النسبيّة، و«حزب الله» و«حركة أمل» يدعوان إلى إقرار قانون انتخاب يعتمد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية، ويتمايزان عن عون.

من جهة ثانية، يصِرّ الحزب التقدمي الاشتراكي على رفض النسبية المطلقة ويميل إلى القانون الأكثري وإن رضيَ أخيراً بالقانون المختلط الذي يَجمع بين الأكثري والنسبية.

وليس بعيداً من «الاشتراكي» يرفض تيار «المستقبل» «النسبية المترافقة مع تقسيم طائفي الأمر الذي يجعلها مُجحفة بحق فئات معينة، ويفضّل القانون المختلط. ولا تبدو «القوات اللبنانية» متحمّسة للنسبية، محمّلة هواجس تَحمي الميثاقية وتؤمّن حقوق المسيحيين بالتمثيل الصحيح، وتؤيّد القانون الذي يخلط ما بين النسبية والأكثري.

أما «الكتائب» فلا تقف موقفاً عقائدياً من قانون انتخابي معيّن، بل هي مستعدة لنقاش أيّ قانون يؤمّن عدالة التمثيل للجميع. فيما يرى تيار «المردة» الحلّ في النظام النسبي، كذلك الحزب القومي السوري الاجتماعي وحزب البعث والحزب الشيوعي.

بشائر إيجابية تلوح في أفق الأفرقاء السياسيين عشية الاجتماعات المنتظرة للجنة النيابية المصغّرة تشير إلى اقتناع الجميع بأن لا وجود لـ»القانون الانتخابي الأمثل أو الكامل». ولا يمكن لأيّ قانون أن يؤدي كلّ الأغراض والأهداف كلّياً، فالسياسة هي فنّ الممكن، والحياة السياسية يجب أن تتّسِم بالتطور والتجدّد لتُحاكي حاجات المجتمع والبلد. بالتالي، كلّ قانون إنتخابي هو خيار من بين مجموعة خيارات.

إنطلاقاً من هذه الاقتناعات ستتركّز النقاشات على فكرة النظام الانتخابي المختلط ما بين الأكثري والنسبي، وهو الأفضل نظراً إلى ظروف لبنان المعقدة، فهو نظام يُحاكي كل الطروحات والهواجس والهموم للأفرقاء اللبنانيّين، كما أنّه نظام يأخذ في الاعتبار التجارب العالمية في تطوير الأنظمة الانتخابيّة وخبرة الدول التي دخلت في الديموقراطية في الخمسين عاماً الماضية.

وهذه التجارب هي بمعظمها خليط من إيجابيات النظامين الأكثري والنسبي. لقد باتَ الجميع يعرف أنّ هذا الطرح يستجيب مطالب كثيرين، والأهمّ أنه يُحاكي طموحات الناس والأجيال الصاعدة من قانون الانتخاب.

ومن المتوقع أن تغوص اللجنة النيابية العتيدة في تفاصيل القانون المختلط، إلّا أنّ «شيطان» الاختلافات يكمن في التفاصيل. لكن لا بدّ من الاعتراف بأنّ مضمون تفاصيل النظام المختلط يؤمِّن قسطاً كبيراً من التمثيل الأكثري في دوائر صغرى، ويُحقّق عملياً هدفين:

ـ أولاً، يؤمّن استمرار تمثيل المناطق اللبنانية وتمثيل المواطن في منطقته ومن خلالها، وهذا أمر مهم جداً. أما النظام النسبي المُطلق الذي يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة فلا يُراعي هذا الأمر، إذ ماذا لو لم ينجح إبن عكار مثلاً في إيصال صوته عن طريق ممثّل له في المجلس؟

فالمناطق مهمة بالنسبة الى الحياة السياسية في العالم كله، إذ إنّ الناس يعيشون في مكان ما وعلى الدولة الإلتفات لهذا المكان وليس فقط للتيارات السياسية.

ـ أمّا الأمر الثاني، فإنه يستجيب لهواجس بعض الزعامات الطائفية ومخاوفها عن طريق استمرار تمثيلها في مناطقها وعدم تغييبها، بالإضافة إلى إمكانية التداول في ما بينها، وهذا الأمر ينطبق على كلّ المناطق.

عمل اللجنة النيابية يجب أن يُركّز على تطوير فكرة هذا القانون من خلال تفصيله على قياس الحالة اللبنانية، مثل تحديد المقاعد التي ستجرى الانتخابات في شأنها على أساس النظام النسبي وأيّ مقاعد ستنتخب وفق النظام الأكثري. يجب أن يكون قانوناً متكاملاً يمكن الأخذ به كما هو أو تعديل بعض مواده وتطويرها.

كذلك يجب أن يتضمّن المشروع من حيث الآليّات عدداً كبيراً من الإصلاحات في ما يخصّ المال الانتخابي وتنظيم الدعاية الانتخابية وإدارة عملية الانتخابات. ويبقى الهدف هو في التوصّل إلى توافق كامل على قانون انتخابي يُحاكي هواجس الخائفين ويتجاوب مع طموحات الطامحين.