IMLebanon

انتخابات «العونيين»: «طبول المعركة» أقوى من «رايات التوفيق»

يقترب العونيون من استحقاقهم الداخلي المنتظر منذ أكثر من عشر سنوات، بخطوات واثقة، تزيدهم إيماناً بأنّ طريقهم لن تكون مقفلة هذه المرة، كالمرات السابقة. الأحداث والتطورات المتسارعة تمنحهم الأدلة والإثباتات أنّ ما كان افتراضياً ويحدث في علم الغيب، أو يجري فقط في مخيلاتهم، صار وقائع ملموسة، لا تراجع عنها.

بالأمس عاد جنرالهم وأكد أمامهم أنّ تأجيل الانتخابات غير مطروح أبداً. ما يعني أنّ موعد العشرين من أيلول صار مثبتاً بالوجه الشرعي والحزبي. والعمل سيكون على هذا الأساس.

هكذا يتمّ تزييت الماكينات الانتخابية، أو بالأحرى يصار الى تركيبها، لأنها المرة الأولى التي يجيّر فيها العونيون طاقتهم الانتخابية وخبراتهم في هذا المجال لمصلحة معركة داخلية تُخاض بين أبناء الصف الواحد.

الجولات الانتخابية لكل من جبران باسيل وألان عون انطلقت منذ فترة. لا داعي لانتظار فتح باب الترشح، لأن الصورة باتت واضحة وجلية للجميع. والجهد بات يتركز على القيادات الوسطية وما دونها، مع أنّ كلاً من المرشَّحَين يعرف نقاط قوته ونقاط ضعفه، ويتحرك على هذا الأساس.

إذاً سيصار للعونيين ما كانوا يطمحون اليه منذ نشأتهم تياراً متفلتاً من الضوابط التنظيمية. ستفتح صناديق الاقتراع ليقول هؤلاء كلمتهم. لطالما حلموا في يقظتهم بهذا اليوم، وشكلوا حلقات نقاش لا تنتهي حول ديموقراطيتهم وكيفية ترجمتها في الممارسة الحزبية.

تخيلوا تفاصيل هذا «المهرجان» في الكثير من جوانبه الاحتفالية ليفاخروا أمام منتقديهم بأنّهم يعرفون قيمة النعمة التنظيمية التي بين أيديهم، وأنهم يستحقون أن يكونوا نموذجاً يحتذى بين الرفاق، لا بل مركز استقطاب الأجيال الجديدة.

لكنهم لم يتصوروا طبعاً أن يكون «الموعد المنتظر» تحدياً قاسياً، قد يضعهم بنتيجته أمام مفترق صعب، بسبب حدّة الانقسام بين معسكري المنافسة، حيث اختار الجنرال أن يكون قائداً لأحدهما، ومنحازاً لمرشحه، بعدما كان يُنتظر منه أن يكون على الحياد.

كل ما يتسرب من داخل قاعات الرابية، يشي بأنّ الجنرال قرر التشمير عن ساعديه ليخوض المعركة بيديه، وقد لا يتوانى هذا الفريق عن استخدام كل الأوراق المتاحة كي يحمل باسيل الى القمة، ولو بنسبة 50.1%. المهم تحقيق الهدف، واليوم وليس غداً.

وبناءً عليه تتخذ المعركة طابعاً انقسامياً يخشى العونيون تداعياته على المستقبل. ولهذا ثمة محاولة أخيرة لتجنب الكأس المرة الناجمة عن فتح «صناديق الخصومة»، من خلال صياغة مشروع توافق أو «توفيقي» كما يحلو للجنرال تسميته. مع العلم أنّ الاعتقاد سائد أنّ توجيه المعركة باتجاه خيار باسيل، كما يتردد، سيؤدي الى تقوية حيثية ألان عون نظراً الى أنّ العونيين، كحالة نضالية غير تقليدية نشأت على «الأفكار الثوروية»، يصعب تسييرهم وفق منطق الإملاءات.

وبالفعل عقد لقاء بين جبران باسيل وابراهيم كنعان يتمحور حول هذا المسعى. وقد قطع الرجلان، بعد جهد مكثف، شوطاً كبيراً من المشاورات والمفاوضات في محاولة للوصول الى خط التقاء وسطي يجمع الفريقين ضمن سلّة واحدة تكون قيادة الغد.

أما مقوّمات هذا «المشروع التوفيقي» فتقوم على الأسس الآتية:

– التفاهم على صيغة وسطية تتصل بآلية عمل المجلس السياسي والهيئة السياسية، أي قيادة الحزب، يتمّ ترجمتها في النظام الداخلي.

– التشارك في صياغة معالم الهيكلية الحزبية على مستوى رئاسة الحزب ونائبَيه.

– التسليم بمبدأ النظام الرئاسي للحزب، أي الحفاظ على الصلاحيات التي نصّ عليها النظام الداخلي بعد إعادة تعديله.

طبعاً، لم يأت هذا الطرح من العبث ولا من الفراغ، لا بل ينمّ من حاجة «التيار الوطني الحرّ» الى تجنب أضرار المعركة، التي بدت عميقة ومن شأن شظاياها أن تطال بنية التيار ومستقبله. إذ إن تأخير الانتخابات لأكثر من عشر سنوات لم يكن ذا فائدة على التيار لا بل جعله بمثابة مبتدئ أمام هذا الاختبار الصعب كونه لم يعتد الوقوف أمام صناديق الاقتراع على «قميصه».

بالفعل، فقد تبيّن أنّه اذا استمر التنافس بهذه الحدة، فإنّ الخشية قد تكون متعددة الجوانب:

– هناك خوف حقيقي على تجربة «التيار» في ديموقراطيته، لأنّ المس بهذه «الأيقونة» من شأنه أن يشوّه كل مستقبل التنظيم، أو ما يتبقى منه. فإذا صحّت التسريبات التي تتحدث عن تدخلات وضغوط يتعرض لها الناشطون، أو حتى تلميحات قد تتحول مع الوقت الى كلام أوضح، فهذا يعني أن الصورة النضالية التي نشأ العونيون عليها وناضلوا دفاعاً عن أفكارها ومبادئها، قد تنكسر في لحظة من هذا النوع.

– إن التجاذب الحاد الحاصل بين القواعد البرتقالية، والذي قد يأخذ منحى صدامياً شخصياً أو مناطقياً، إذا لم يضبط، سيؤدي حكماً مع الوقت الى إضعاف التنظيم وتراجع قدرته على التأثير على محيطه.

– لا شكّ بأنّ المرحلة المقبلة هي مرحلة انتقالية تعبرها المنطقة بأسرها، وهي بالتالي لحظة خيارات دقيقة، ولهذا قد تؤدي الانتخابات اذا ما استمرت كما تُخاض راهناً، الى انكفاء الهموم السياسية لدى نواب ووزراء «التيار» وحتى قياداته البارزة، لمصلحة هموم الاستحقاق الداخلي ورواسبه وانعاكاساته على منظومة العلاقات الداخلية.

– محاولة بعض الأطراف السياسية استثمار الانقسام الداخلي الذي قد يحدثه الاستحقاق اذا ما استمر من دون سقوف أو معايير ضابطة وضامنة لسلامته، لتزيد من حدة الفرز العمودي وتصب الزيت على النار بغية إضعاف الحزب في انطلاقته.

ولهذا هناك قناعة راسخة بأنّ الخيار التوفيقي هو الخيار المربح بالنسبة لـ «التيار» كحالة تنظيمية، من دون أن يعني ذلك أنّ حظوظه هي الطاغية على ما عداها، لأن سيناريو المعركة هو الذي لا يزال راجحاً والأكثر واقعية، ما دامت تفاصيل المشاورات بين باسيل وكنعان اللذين التقيا في جبيل، لا تزال عالقة، وبمقدور الشيطان أن يفعل فعله.

إذاً، القناة الحوارية تحتاج الى تطوير ومتابعة كونها لا تزال في بدايتها، ودون الهدف المرجو، مع أنّ أحداً لا يشكك في أهمية هذا المشروع ليكون بمثابة مرحلة انتقالية تحضّر «العونيين» لعهد ما بعد عون على أساس صيغة واحدة يكون الكلّ فيها شركاء على طاولة القرار، ما ينعكس مناخاً إيجابياً على القواعد.

كما لا يختلف اثنان حول وجود متضررين من هذا التقارب يستفيدون من الأجواء المتشنجة كونها تترك لهم هامشاً للعب وقدرة على التأثير. ولهذا قد يسعون الى عرقلة هذه المساعي. وبذلك تصبح نسب المعركة متفوقة على نسب التوافق ومعالم التسوية تبدو غير ممكنة.

على هذا الأساس يواصل الفريقان تحضيراتهما الميدانية من خلال اللقاءات المناطقية التي لن توفر قضاء، بينما يتركز المجهود على القضاء ـ الخزان، وهو المتن الشمالي الذي شهد سلسلة جلسات، ومن المتوقع أن يعقد ألان عون لقاء موسعاً خلال هذا الأسبوع في ساحل المتن. كما يتردد أنّ ماكينة باسيل اتخذت لها مكتباً في هذا القضاء أيضاً بينما اختار فريق ألان عون منطقة بعبدا لتكون مقراً لماكينته.