IMLebanon

الإنتخابات: مواقف إعلامية وتحضيرات عمَلية

عملياً، أدارت كلّ القوى والأحزاب السياسية منذ اسابيع عدة ماكيناتها الانتخابية وباشرت تحضير وتجهيز قدراتها وتصوّراتها للوائح الانتخابية. وهذا يؤشر إلى نقطتين أساسيتين:

الأولى، أنّ الانتخابات قائمة في موعدها المقرّر في أيار المقبل ما يستوجب الشروع في التحضيرات المطلوبة بدءاً من الآن.

والثانية، أنَّ هذه الانتخابات حاصلة مبدئياً وفق القانون المعمول به حالياً على رغم ارتفاع حماوة السجالات الإعلامية حول ضرورة إقرار قانون جديد.

إعلامياً، كلّ القوى والأحزاب تطالب باعتماد قانون جديد وترفض خوض الانتخابات وفق القانون المعمول به حالياً، بما فيها الحزب التقدمي الاشتراكي الذي قال إنه لا يتمسك بالقانون الساري حالياً بمقدار ما يتمسك بالاقتراع وفق النظام الأكثري طارحاً إدراج عاليه والشوف ضمن دائرة انتخابية واحدة.

وبغض النظر عن مدى «صدقية» هذه القوى وصراحتها في رفضها قانون الستين، فإنّ صعوبة التفاهم على قانون جديد تجعل القانون المعمول به حالياً نافذاً ولا بديل عنه، فالثنائي الشيعي لا يرضى سوى بالنظام القائم على النسبية الكاملة بديلاً عن القانون الحالي.

صحيح أنّ هذا الطرح هو الاكثر تماسكاً وتطوّراً وهو يعكس درجة عالية من صحة التمثيل، خصوصاً أنه يعتمد المعيار الواحد في التخاطب مع مختلف المناطق وطوائف الشرائح الاجتماعية، إلّا أنّ الحسابات الانتخابية وفق الظروف الحالية ستمنح هذا الفريق المُمسك بشارعه جيداً مع القوى المتحالفة معه الغالبية داخل مجلس النواب، ما سيؤدّي الى زوال أرجحيّة نفوذ تيار «المستقبل» مع مَن تبقّى من حلفائه في المجلس النيابي بعد التراجع الذي شهده مع تشكيل الحكومة الحالية، وقبل ذلك مع خسارة ميدانية إثر أحداث السابع من أيار 2007 وما تبعها من تسوية الدوحة، وهو ما يجعل «المستقبل» اضافة الى النائب وليد جنبلاط يرفضان في المطلق الذهاب الى النسبية الكاملة.

وفي المقابل، فإنّ قيادة تيار «المستقبل» التي تدرك جيداً حجم المصاعب التي تعانيها والثغرات التي تشهدها قاعدتها الانتخابية تفضل الذهاب الى القانون المختلط، لكنّ هذه الصيغة التي تعاني من عدم توازن في المعيار الواجب اعتماده، يرفضها الفريق الشيعي.

وخلال المفاوضات التي سبقت الاتفاق على التسوية الرئاسية والتي ارتكزت على وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية والرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، لمّح تيار «المستقبل» إلى أنه يفضل الإبقاء على «الستين» في ظلّ التضارب الحاصل في مشاريع القوانين الانتخابية، وأنه يفضل أيضاً تأجيل الإنتخابات سنة اضافية لكي يتسنّى للعهد الجديد والحكومة الأولى التي ستنبثق عنه ترتيب أوضاع البلاد وإعطاؤها الوقت الكافي لتثبيت نفسها.

ومع إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق منذ ايام استحالة التفاهم على قانون جديد قبل انقضاء المدة المتبقّية والفاصلة عن دعوة الهيئات الناخبة، فهمت الأوساط السياسية أنّ كلام المشنوق وإن كان يخفي كثيراً من الحقيقة، لكنه يهدف الى الضغط إعلامياً لتكريس الانتخابات المقبلة نهائياً وفق القانون الحالي، خصوصاً أنّ كلامه ترافق مع إعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنه لن يسير بقانون انتخابي يعارضه جنبلاط. وبما أنّ موقف جنبلاط الانتخابي معلنٌ ومعروف، فإنّ كلام جعجع فُسّر بأنه موافقة ضمنية للسير في القانون الحالي.

وفي السياق نفسه، جاءت التقديرات بأنّ الثنائي الحزبي المسيحي الذي سيخوض تجربته الانتخابية الثانية بعد الاستحقاق البلدي لم يعد لديه الخطاب الانتخابي السابق نفسه بسبب تغيّر خريطة التحالفات وسقوط انقسام «8 و14 آذار». وأنّ هدفه بات يتلخّص الآن بالإمساك بالساحة المسيحية كاملة ووراثة القوى الأخرى، وهو ما يتعارض مع ما تفرزه النسبية ليلتقي مع النظام الأكثري.

لكن مع كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق، بدا رئيس الجمهورية ملزماً بخوض هجوم مضاد، أوّلاً خشية أن يبدو كمَن استسلم امام واقع موجود ما يؤثر سلباً على الالتزامات التي كان قد ساقها في خطاب القسم، وثانياً للإبلاغ الى الجميع أنّ خياره هو النسبية الكاملة، وثالثاً لإعادة الكرة الى مؤيّدي القانون الحالي وجعلهم يحملون كلّ تبعات الإبقاء عليه.

ووفق ما تقدّم، فإنّ الجدل الذي سيرتفع اكثر خلال الايام المقبلة حول قانون جديد للانتخابات لا يبدو أنه يحمل بذوراً جدّية لولادة قانون جديد إلّا إذا وافق «المستقبل» ومعه «الاشتراكي» على اعتماد النسبية، وهو ما يبدو صعباً جداً لكي لا نقول مستحيلاً. ومعه سيستخدم بعض الأفرقاء هجومهم على القانون الحالي في إطار الدعاية الانتخابية وغسل اليد من «قانون الستين»، خصوصاً أنه بات مرفوضاً على المستوى الشعبي، فيما لن ينزعج «المستقبل» امام شارعه من حمل تبعات السير في القانون الحالي كونه متفهّماً لخلفياته السياسية، فيما سيكون الفريق الشيعي أقلّ تشدّداً مع تيار «المستقبل» في انتظار التسوية السياسية النهائية في سوريا، والجهود القائمة لبدء حوار سعودي ـ إيراني يساعد التسوية ويمنع الاحتكار التركي وهو يحسب أنّ الوقت يعمل لمصلحته.

وفيما يبدو جنبلاط مستعداً للبحث في وضع بعض المقاعد المسيحية مع الثنائي المسيحي ولكن بعد أن تهدأ العاصفة الإعلامية، يسعى تيار «المستقبل» لإيجاد تفاهم واضح مع الثنائي المسيحي، بحيث يتمّ التفاهم على خريطة المقاعد ما سيجنّبه التكاليف الباهظة للمعارك الانتخابية.

وهو يضع في الأولوية التفاهم مع «التيار الوطني الحر» انسجاماً مع مبدأ التفاهم مع رئيس الجمهورية، وفي درجة ثانية مع «القوات اللبنانية» مع ترك هامش له في زغرتا حيث ستكون الاصوات المحسوبة عليه لمصلحة لائحة النائب سليمان فرنجية.

وعلى رغم ذلك، من المتوقع أن تخفي التفاهمات والتحالفات الانتخابية مفاجآت كثيرة، مثل دائرة كسروان التي ستكون مثيرة، ودائرة بيروت الأولى التي لا تزال غامضة، ودائرة زحلة التي يغلب عليها الواقع المعقّد، ودائرة الكورة والتي ستكون تحالفاتها معبّرة.