IMLebanon

تجاوز «قطوع» قانون الانتخاب على «الطريقة اللبنانية»

في بلد رازح تحت وطأة مشكلة مستعصية مستفحلة مزمنة كمشكلة منظومة العنف الموازية للمنظومة الشرعية،

بل في بلد يرزح المواطن فيه تحت رحمة مزاج صاحب المولّد الكهربائي، ويحضر فيه التيار «الكهربائي» الشرعي بما قلّ ودلّ.

في بلد كالذي هو وطننا، ينبغي التحسّب كلّما تصاعد الحديث عن «اصلاحات» وتحديث سياسي!

ليس لأنه ينبغي استطابة الجمود، او الاستكانة للاستعصاءات، كبيرها وصغيرها، استعصاء السلاح او استعصاء تأمين الكهرباء «الوطنية» على مدار الساعة مثلا، بل لأنّ هذه الاستعصاءات من جهة، وطبيعة الجماعات الأهلية المتعددة التي يتشكل منها نسيج مجتمعنا من ناحية ثانية، انما يفضّل التصبّر عليها بسلسلة من التسويات الجزئية، بدلاً من تسويات شاملة وافية لن تأتي، ولا رافعات اجتماعية لحملها وايصالها حتى اشعار آخر.

واقعية تتعامل بايجابية مع محدودية ما يمكن فعله اذاً، انما بشرط: ان لا يجري وصف هذه التسويات الجزئية كما لو كانت فتوحات اصلاحية، ان لا يجري الدفع بالمجاملات الطيبة المطلوبة، والمناخات الايجابية – التي لا بد من تشجيعها والمضي فيها – الى حيث المكابرات والمبالغات التي لا تخدم كثيراً لا قضية فهم الواقع، ولا قضية تغييره نحو الأحسن.

هكذا الأمر خصوصاً حين تستحضر هالة الاصلاح، في ما يتعلق بالقانون الانتخابي.

هنا ايضاً، اذا كان المعني بالاصلاح تسوية جزئية تجعل الاستحقاق العتيد يحوز على مروحة من التوافقات السانحة باجرائه دون مشكلات، فهذا بحد ذاته أمر جيد. واذا كان المعني بالاصلاح نقلة نوعية من حال الى حال، كما لو ان الانتخابات قبل الآن لم تكن ذات طابع تمثيلي – كل انتخابات غير مزورة لها حيثية تمثيلية تزيد او تنقص-، وكما لو انها من الآن فصاعداً مشبعة بالدسم التمثيلي لا تشوبه شائبة جدية، فهذا من الصعب تسويغه، ان بالمعايير او بالوقائع.

ما هو مطروح اليوم من مزج بين نظامي التصويت الاكثري والنسبي يقاس اذاً على هذا الاساس: نحن أمام محاولة للخروج بـ»تحسين» للقاعدة التي اسمها قانون الستين. يجري ادخال فكرة النسبية الى الحياة الانتخابية اللبنانية – بعد ان سادت قناعة بأن النسبية «أفضل بالمطلق» -، انما مطوّعة لنظام التصويت الاكثري، ولـ»حقوق الطوائف»، الواقعية منها والمشتهاة، والمتداخلة مع بعضها البعض حكماً.

وبالشكل الحالي للقانون: النتيجة لن تكون مختلفة الى حد كبير عن الانتخابات بحسب قانون الستين، طالما ان المدى المحدود المعطى للنسبية سيعطي عمليا نتائج تحاكي التصويت الاكثري.

اكثر من ذلك: الانتخابات الماضية، كانت الوحيدة تقريبا في تاريخ البلد التي خيضت على اساس منازلة سياسية منهجية في معظم الدوائر بين ائتلافين، كسب احدهما السباق وتشكل كأكثرية لم تصمد طويلاً امام تغلبية السلاح ووطأة تناقضاتها الداخلية.

وبعد الانتخابات الماضية، وانفراط عقد اكثريتها، وصولاً الى فترة الشغور والكيفية التي جرى تأمين التوافق على اعادة تشكيل السلطة التنفيذية بعدها، بعد كل هذا لم يعد تشكيل اكثرية برلمانية هو هدف الاستحقاق، ولا نتيجة له.

صار الهدف «قطاعياً» ومحدوداً، بشكل واضح. وبصرف النظر عن القانون: ان يؤكد كل مرجع، مكانته وحجمها، ضمن طائفته وجمهورها، بالدرجة الأولى، وان تشعر كل طائفة بأنها تنجح في التطابق مع الصورة التي تشكلها عن نفسها وحجمها ومكانتها بين الطوائف. لا يعني هذا ان الانتخابات محسومة سلفاً: اياً كان القانون، ورغم اننا نتجه لصيغة تنحو لان تكون «مريحة للجميع»، فمن الخطأ، في معظم الدوائر، التعامل مع الاستحقاق، على أنه محسوم سلفاً. اكثر من ذلك: من الخطأ التعامل مع الاستعصاءات المزمنة، من موضوع الكهرباء الى موضوع سلاح «حزب الله»، على انها ستكون بلا أثر في الانتخابات المقبلة، رغم اتسام الاستحقاق بمناخ «مراجعة» كل طائفة لخياراتها عبر صناديق الاقتراع، الى حد كبير.

في الانتخابات الماضية، كانت المواجهة بين شعاري «اعادة تكوين السلطة» (حزب الله) و»العبور الى الدولة» (١٤ آذار). العبور، بالمعنى الاستقلالي المتفائل لم يحصل، لكن خسارة التحالف الذي يقوده الحزب للانتخابات بقيت رغم كل التفاف على نتائجها لاحقاً هي اهم انتكاسة سياسية مني بها «حزب الله» منذ ظهوره.

اليوم ظرف تغيّر. سنوات كثيرة مرّت. وجوه شاخت. فئات شبابية تجد اكثر فاكثر صعوبة في تأمين قاعدة مناسبة لتداول الأجيال ضمن الحلبة السياسية. لكن في الوقت نفسه: الاستعصاءات، من موضوع سلاح حزب الله الى الكهرباء، ما زالت شامخة. التسويات الجزئية تلطفها، وتجعل العيش في موازاتها قابلة للتجدد ولو كان من دون ضمانات صلبة. قضية قانون الانتخاب، والتفاؤل بصدد تجاوز «قطوعه» تندرج في هذا «السياق العام«.