IMLebanon

فشل وهم التسونامي الحزبي: 60 بالمئة للعائلات

زال الغبار في بيروت وزحلة. القوى المسيحية تريد أن تعرف: كيف تستثمر درس الأحد الفائت في الآحاد اللاحقة؟ بل في الإنتخابات النيابية… عندما يشاء القدَر الإفراج عنها!

الدرس الأول هو من بيروت حيث الأحزاب المسيحية، من 14 و8 آذار انضوت في لائحة الرئيس سعد الحريري «الشاملة» لتضمن الفوز أولاً والمناصفة الطائفية ثانياً. ويأخذ كوادر من «المستقبل» على رفاقهم المسيحيين في 14 آذار عدم دينامية قياداتهم على الأرض، على غرار ما فعل الحريري.

كاد هذا الإهمال المسيحي لدى البعض، وفقاً للحريري نفسه، أن يهدِّد بخرق اللائحة واختلال المناصفة. ولو حصل ذلك، لكان «المستقبل» قد حمَّل بعض المسيحيين أنفسهم مسؤولية عن حصول ذلك.

لكنّ الأمور شاءت أن تمرّ «على خير» لـ«لائحة البيارتة». ويمكن القول إنّ ذلك جرى صدفة. ولو كانت اللوائح المنافسة مدرَّبة وتحظى بدعم أكبر، ولو قام بعض الناخبين السنّة بـ«خردقة» اللائحة الحريرية، لوقع المحظور في مسألة المناصفة. وزاد في التردّي انقسام «التيار الوطني الحر» في الأشرفية.

إذاً في بيروت، مرَّت أمور الأحزاب المسيحية على خير «بالصدفة». وهذا ما يستدعي المراجعة. والفضل يعود إلى «الغطاء القوي» الذي منحه الحريري للائحة على المستوى السنّي. فماذا لو مرَّ هذا الغطاء، في بيروت أو أيّ مكان آخر، في الانتخابات البلدية أو النيابية، ببعض التعب أو التراجع في لحظة معيّنة؟

وأما الدرس الثاني الذي لا بدّ للأحزاب المسيحية أن تتوقف عنده فهو في زحلة. فالمعادلة هناك كانت مختلفة عن معادلة بيروت.

فعلى رغم أنّ جعجع وقف مع الحريري في «لائحة البيارتة»، فإنّ الحريري ترك في زحلة لنحو 2000 مقترع سنّي حرّية التصويت.

لكنّ الناخب السنّي إجمالاً لن تستهويه الأحزاب المسيحية ضدّ العائلات والخدمات ما لم يتلقَّ تعليمات واضحة من «المستقبل» بالتصويت سياسياً لـ«القوات». والسنّة الذين صوّتوا للائحة الأحزاب أو لـ«القوات» فعلوا ذلك بمبادرة منهم.

والقصة تعود إلى الحسابات المتعلقة بالترشيحات المتضاربة في ملف رئاسة الجمهورية: الحريري تبنّى ترشيح فرنجية للرئاسة. وردَّ جعجع بترشيح عون. والنتيجة: بقيت علاقة الحريري وعون واضحة وثابتة، وكذلك علاقة جعجع بفرنجية. لكنّ العلاقة بين الحريري وجعجع وسائر 14 آذار جديرة بالإيضاح.

لكنّ «حزب الله»، في المقابل، لم يعاقب عون على تحالفه مع «القوات» في ملف الرئاسة، وهو زوَّد مناصريه بلائحة تتجاوز كلّ اللوائح وتشرذمها، لكنه حرص على ضمّ العونيين المرشحين على لائحة الأحزاب. ولذلك، توزّعت أصوات المقترعين الشيعة في زحلة، الـ4000 تقريباً، بين اللوائح واستفاد منها «التيار».

وهكذا، حصل مرشحو «القوات» على دعم جزء من الناخبين السنّة، لكنهم لم يحصلوا على دعم الغالبية الساحقة من الناخبين الشيعة. فـ»التيار» لم يخسر دعم «الحزب» الذي كان يرغب في أن يحقّق، في شكل غير مباشر، نقطة لمصلحته في زحلة التي يمتلك فيها حزبا «القوات» والكتائب كتلة نيابية وازنة في انتخابات 2009. وهذه الكتلة هي التي خلقت الغالبية لـ14 آذار في المجلس الحالي.

ولو استطاع «الحزب» أن يوصل مَن يريد في بلدية زحلة، لكان ذلك إنذاراً مبكراً لـ 14 آذار في الانتخابات النيابية المقبلة عند إجرائها. وقد تُصبح 8 آذار أكثر استعداداً للإفراج عن الانتخابات النيابية إذا استنتجت بعد الانتهاء من معركة البلديات، بعد 3 أسابيع، أنها ستفوز بالغالبية في البرلمان العتيد.

ولكن، على صعيد موقع الأحزاب المسيحية يجدر التوقف عند الآتي:

حصلت لائحة الأحزاب في زحلة على نحو 10500 صوت، ولائحة السيدة ميريام سكاف على نحو 8800 صوت، ولائحة النائب نقولا فتوش على نحو 7000 صوت. وفي قراءة مجرّدة للأرقام، يمكن الاستنتاج أنّ القوى الخصمة للأحزاب في المدينة جمعت ما يقارب 15800 صوت، أي قرابة 60% من المقترعين الزحليين، مقابل نحو 40% للأحزاب.

وافتراضاً أنّ هناك قرابة الخمسة آلاف شيعي وسنّي (من أصل 6 آلاف مقترع) أعطوا سكاف وفتوش أصواتهم، فهذا يعني أنّ 10800 ناخب مسيحي أعطوا أصواتهم للائحتين المنافستين للأحزاب. وافتراضاً أنّ هناك ألف صوت سنّي وشيعي صبَّ في مصلحة لائحة الأحزاب، فهذا يعني أنّ اللائحة حصلت على أصوات 9500 مسيحي.

والترجمة لذلك، في شكلٍ حسابي، أنّ 10800 مسيحي اقترع لسكاف وفتوش مقابل 9500 للأحزاب، أي أنّ الدفّة ما زالت تميل، مسيحياً، لغير مصلحة الأحزاب التي راهنت على أن تحظى بدعم يقارب الـ70% أو 80%، بل 86% لعون وجعجع وحدهما، من دون الكتائب.

وعلى الأحزاب أن تدرس أنّ تحالف عون- جعجع لم يحقق «التسونامي المسيحي» المطلوب، بل أعطى نتائج عكسية أحياناً، إذ عمد خصومُ الرجلين (الحريري وبري و»حزب الله» وجنبلاط) إلى إفهامهما بأنّ هذا التحالف لن يفيدهما سياسياً، وأنّ قوتهما رهن بالحلفاء في 8 و14 وجنبلاط أيضاً. وربما يتقاطَع الثنائي السنّي- الشيعي، في شكلٍ غير معلن وربما غير مقصود، على مواجهة الثنائي المسيحي في بعض الأماكن.

أراد «حزب الله» الإفادة من الانقسام في انتخابات زحلة البلدية ليحقِّق المكاسب، ولعلّه يستطيع شرذمة اللوائح الثلاث كي يصل الفائزون منها كلها في آن واحد، وتتعطّل البلدية. وتجنّباً لاحتمال حلّ البلدية، عندئذٍ، وتسليمها إلى القائمقام، سيكون «الحزب» هو الراعي لضمان تسيير البلدية. وهكذا يكون قد ثأر في زحلة من «القوات» و»المستقبل» في آن معاً، وعوّض خسائر السنوات السابقة.

لكنّ حسابات «الحزب» لم تتحقّق. وكان وجود لائحة فتوش مفيداً لشرذمة خصوم الأحزاب المسيحية.

إذاً، بصدفة وجود لائحتين منافستين في زحلة، لا لائحة واحدة، نجت الأحزاب من القطوع. ويُفترض أن تكون قد عرفت من جولة زحلة كم هي قادرة على مواجهة القوى المحلّية والعائلات التقليدية التي تتمتع بوزن تاريخي داخل البيئة المسيحية.

وهذا الواقع يُفترض أن يكون ماثلاً في حسابات «القوات» و«التيار»، علماً أنّ التماسك الإستثنائي للأحزاب المسيحية في بيروت (تحت غطاء الحريري) وفي زحلة (تحت ضغط اللوائح المنافسة) سينقلب تشرذماً وتصارعاً في العديد من المدن والبلدات والقرى، حيث الأحزاب ستضطر، منفردة أو مجتمعة، إلى عقد معاهدات التحالف أو عدم الاعتداء مع القوى المحلية النافذة وذات التأثير الحاسم أحياناً.

في بيروت، هناك مَن أوحى لبعض القوى الحزبية بامتلاكها طاقات غير موجودة على أرض الواقع، فانخدعت. وهناك مَن حاول أن يزحْلِق بعضها الآخر في زحلة. وهذا الدرس، في الجولة الأولى من معركة البلديات، كيف ستتلقّفه القوى المسيحية جميعاً، وهي تستعد لمعارك وتواجه مشاريع الانتخاب على طاولة ساحة النجمة؟

الدرس الأساسي على الصعيد المسيحي، مرّة أخرى، هو التيقُّن مجدداً بأنّ الثنائيات ليست الحلّ في تحقيق الانتصارات الاستراتيجية. فهل ظهرت مفاعيل الـ86% في زحلة، أم ظهرت الحاجة إلى تضامن الجميع، أحزاباً وعائلات وقوى سياسية، وتفاهمها تحت سقف التواضع السياسي، حفاظاً على المسيحيين وتمثيلهم؟

إنها الجولة الأولى، وكانت نتائجها مؤثِّرة جداً في التوازنات. لكنّ الجولات الآتية، من بلدية ونيابية، تقتضي القراءة والاستنتاج سريعاً والتبصُّر والتواضع، خصوصاً في البيئة المسيحية الزاخرة بالتنوّع الحزبي والسياسي والعائلي. والوقت عاملٌ قاتِل في هذه المسألة. ومصلحة المسيحيين تقتضي المراجعة حيث يجب، والتراجع حيث يجب.