IMLebanon

محاربة الإرهاب مسؤولية مشتركة

ليس الإرهاب كالحرب التقليدية، فلا يمكن الأسلحة المعقدة ولا الرؤوس النووية أن تهزمه. وبناء على ذلك، فإن الهجمات الإرهابية هي نوع جديد من الحرب التي تُشهر لزعزعة الاستقرار والإضرار بالأمن والسلم في العالم.

غير أن بعض الدول دأبت على استخدام هذا اللفظ «الإرهاب» لوصم كثير من الأعمال المعادية لها، بل ولتبرير شن حروب ضد دول لا خطر منها، ولا تشكل أي تهديد حقيقي لها، لتحقيق أهداف غير معلنة، ولا تتفق مع المبادئ الإنسانية السائدة، وتَتَنَافَى مع القوانين الدولية، فيقال بدلاً من ذكر الحقيقة، إن الحرب شُنت لمكافحة الإرهاب.

إن مما يسجله المختصون المنصفون أن جرائم كثيرة ترتكب اليوم بحجة محاربة الإرهاب، بحيث تتحوّل هذه المحاربة للإرهاب في أحايين كثيرة، إلى المشاركة فيه. وفي ذلك منتــهى الخـــطورة على الأمن والسلم الدوليين. وهناك أمثلة عديدة لهذا التوظيف السلبي لمفهوم الحرب على الإرهاب، لا يسمح حيّز المقال لسردها، الأمر الذي تكون له تداعيات خطيرة تدفع نحو انتشار ظاهرة الإرهاب على نطاق واسع.

والإرهاب، سواء كان محلياً أم إقليمياً أم عابراً للقارات، يجب الحكم عليه بناءً على طبيعة الأفراد والجماعات التي ترتكب جرائمَه. فالإرهاب لا دين له، ولا ينتمي إلى القوميات والأعراق المختلفة، لأنه جريمة في كل الأحوال، تقع تحت طائلة القانون. فالجماعات الإرهابية، مهما تكن انتماءاتها وأهدافها والجهات الداعمة لها، جماعات إجرامية يتوجَّب أن تُواجَه بما يتناسب مع إجرامها.

وحتى لا يتولّد عن الإرهاب الذي تمارسه الجماعات الإرهابية، إرهابٌ مضاد، فإن الضرورة القصوى تقتضي أن تتم المواجهة والتصدّي للإرهاب في نطاق القوانين، مما يستدعي تحديد مفهوم محاربة الإرهاب الذي أُطلق بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

وينبغي أن يكون واضحاً أن من جملة الأسباب التي تغذي الإرهاب، أن يقع تجاهل ما يصطلح عليه في الأدبيات السياسية، بإرهاب الدولة. إذ أن ثمة بعض الدول تمارس الإرهاب رسمياً، سواء ضد شعوبها، أو ضد شعوب أخرى منتهكة بذلك قواعد القانون الدولي. وهذا النوع من الإرهاب لا يقل خطورةً على السلام العالمي من الإرهاب التقليدي، لأنه من جهة، يخلق البؤر التي تفرز الإرهاب، ومن جهة ثانية، يبرر الدواعي لارتكاب العمليات الإرهابية تحت حجة واهية، هي الدفاع عن النفس أمام إرهاب الدولة.

وفي ظل هذا الوضع المتأزم، فإن من أوجب ما ينبغي اللجوء إليه واعتماده من الوسائل لمواجهة الإرهاب بكل أشكاله، الحرص على احترام القوانين الدولية في الممارسات التي تقوم بها الدول المستهدفة بالإرهاب. فهذا الالتزام بالقوانين وبحقوق الإنـــسان من شأنه أن يساعد، إلى حد بعيد، في كبح جماح الجماعات الإرهابية، بقدر ما يقلل من أخطار الجرائم التي ترتكبها. فإذا انتفت الأسباب التي تشجع على الإرهاب وتحفز إليه، وربما تبرّره، أمكن التوصّل إلى الوسائل الفاعلة لمواجهة هذه الظاهرة والقضاء عليها من جذورها.

لقد تأسس منذ سنتين التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وكان الهدف منه، ولا يزال، هو التصدّي للتنظيم الإرهابي الذي يعرف بـ «داعش» ويُسمّي نفسه الدولة الإسلامية افتراءً وتدليساً. ولم يفلح هذا التحالف في تحقيق أهدافه كما هو المأمول، لأنه تَرَاخَى وتَرَاجَعَ حتى عجز عن دحر «داعش». ولعل السبب في فشل التحالف الدولي يرجع إلى عدم الوضوح في تحديد الهدف المباشر، وإلى تداخلات معقدة في المواقف والسياسات الدولية والإقليمية، مما يولّد الشكوك في صدقية الدور الذي يفترض أن يقوم به هذا التحالف الدولي، لدرجة أن الرأي العام العالمي لا يعرف حتى الآن، لماذا لا يزال تنظيم «داعش» يتمدّد في كل من العراق وسورية وليبيا وشبه جزيرة سيناء المصرية، وفي بلدان أخرى من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولماذا يتم استهداف المدنيين بالقصف والتهجير والمدن بالتفجير والتدمير؟

وفي ضوء المعطيات الحالية، فإن التحالف الحقيقي والفاعل والمقتدر لمحاربة الإرهاب لم يتأسَّس بعدُ، مما يتطلب صدور قرار من مجلس الأمن بتأسيس تحالف بديل، يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، حتى يكون له النفوذ الواسع والتفويض الكامل لممارسة المهمة المنوطة به، ومن أجل أن تنخرط الدول التي تعمل لمحاربة الإرهاب، في عمل جماعي يكتسب الصفة الدولية والشرعية القانونية.

إن محاربة المظالم والاعتداءات على حقوق الإنسان والانتهاكات للقوانين الدولية، لا يمكن بأية حال، أن تنفصل عن التصدّي للإرهاب، فهذه هي الوسيلة الأكثر أهميةً والأشد تأثيراً للوصول إلى هذا الهدف الذي ينبغي أن يكون موضعَ توافق دولي لا يُنازع فيه.

كما أن مواجهة الفكر الضال الذي يغذي الإرهاب ويجنّد الإرهابيين، وتفكيكَه ودحضَه بحقائق الدين ومنطق العقل، ضرورةٌ ملحة تعزّز الجهود الأمنية والعسكرية وتتكامل معها.

إن الإرهاب مرض خبيث وداء وبيل لا يمكن القضاء عليه إلاّ بصدق النوايا ومضاء العزيمة وتكامل الجهود، بعيداً من التوجّهات التي تشوّه الحقائق، وتهدف إلى مقاصد غير نبيلة، وإلى تنفيذ مخططات مشبوهة ظاهرُها الرحمة وباطنُها من قبلها العذاب. فمحاربة الإرهاب مسؤولية مشتركة وليست مقصورة على دولة دون أخرى.