IMLebanon

وأخيراً… مشروع أشرف ريفي

شكلت المحاكم الاستثنائية في لبنان ولا تزال محورَ جدل مستمرّ، يتجدّد مع كلّ حكم تصدره، وكان آخرها الحكم الصادر في ملف ميشال سماحة الذي أعاد الى الواجهة موضوع إلغاء المحكمة العسكرية المفترَض أن تكون استثنائية – تنتهي مهمتها بانتهاء المرحلة الاستثنائية التي وُجدت لأجلها. أما أن تصبح المحاكم الإستثنائية جزءاً من النظام القضائي، ففي ذلك تكريس للإنتهاكات الحقوقية.

المآخذ الكثيرة حول آلية عمل المحاكم الاستثنائية في لبنان، ولا سيما منها المحكمة العسكرية والمجلس العدلي. والانتقادات الكثيرة في شأن استمرار دورها وتعاظمه في نظامه الجزائي القضائي وخرقها مبادئ المحاكمات المنصفة والاستقلالية والنزاهة كانت كافية للاتجاه نحو المطالبة بإلغاء المحاكم الإستثنائية، أو اقلّه تحسين وضعها بما يتناسب كلياً مع تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان.

أما الحلم بإعادة النظر في هذه المحاكم في نظامنا القضائي وإرساء مفهوم المحاكم المتخصصة بدلاً منها والسعي لمواكبة الركب الدَولي للعدالة المنشودة وشرعة حقوق الإنسان، فقد اصبح واقعاً برسم التنفيذ من خلال مشروع القانون الذي قدّمه وزير العدل اللواء اشرف ريفي مع مجموعة من القضاة المتخصّصين، والذي أعلن ريفي عن بدء التحضير له قبل صدور القرار ـ الفضيحة عن المحكمة العسكرية في قضية سماحة ـ المملوك، ليعود بعد صدور هذا القرار الى تفعيل وتسريع عمل اللجنة المختصة التي شكلها والتي عقدت اجتماعات ماراتونية لانجاز المشروع، بحيث يحقق نقلة نوعية نحو اعتماد المعايير الدولية في التعاطي مع جرائم الارهاب والجرائم الكبرى.

مَن يقرأ المشروع للمرة الاولى، يظنّ أنه منبثق عن سلطة قضائية في احدى دول الغرب النموذجية في احقاق العدالة والمحافظة على حقوق الانسان. فالجديد الذي اتى به هذا المشروع هو: إنشاء اجهزة قضائية متخصصة بقضايا الارهاب بعد تعريف دقيق للجريمة الارهابية، تتكوّن هذه الاجهزة من قضاة مدرّبين ومؤهّلين لتولي هذه المهمة، متبعين المعايير الدولية للعدالة، ويكون التقاضي امام هذه الأجهزة المتخصصة على درجات عدة.

يمكن تلخيص هيكلية الأجهزة المتخصصة في الجرائم الارهابية والجرائم الكبرى على الشكل الآتي:

1- نيابة عامة متخصصة بقضايا الإرهاب والجرائم الكبرى تنشأ لدى النيابة العامة لمحكمة التمييز تكون خاضعة لسلطة النائب العام التمييزي وتُعتبر جزءاً لا يتجزّأ من النيابة العامة التمييزية. وتتألف هذه الدائرة من ستة محامين عامين من الدرجة الثامنة وما فوق.

2- دائرة تحقيق متخصصة بقضايا الإرهاب والجرائم الكبرى يكون مقرّها بيروت، يمتد إختصاصها الى كلّ الأراضي اللبنانية ويرأس هذه الدائرة قاضي تحقيق أول يعاونه ستة قضاة تحقيق.

3- هيئة إتهامية يكون مقرّها في بيروت متخصِّصة بقضايا الإرهاب والجرائم الكبرى وتتألف من رئيس ومستشارين دورها مرجع استئنافي لقرارات قاضي التحقيق.

4- محكمة جنايات متخصصة في قضايا الإرهاب والجرائم الكبرى تتألف من رئيس وأربعة مستشارين، ويشمل إختصاصها الإقليم اللبناني برمته مركزها في بيروت، تنظر هذه المحكمة في كلّ الجرائم التي تدخل ضمن إختصاصها وفي تلك المتلازمة معها بمعزل عن صفة الملاحقين أو المحالين أمامها. ولها أن تغيِّر في الوصف القانوني للأفعال موضوع قرار الاتهام.

5 ـ محكمة عليا مؤلَفة من هيئتين متخصصة في قضايا الإرهاب والجرائم الكبرى ويشمل إختصاصها الإقليم اللبناني برمته. تنظر الهيئة الأولى في طلبات نقض القرارات الصادرة عن الهيئة الإتهامية الناظرة في قضايا الإرهاب والجرائم الكبرى. وتنظر الثانية في طلبات نقض الأحكام الصادرة عن محكمة الجنايات الناظرة في قضايا الإرهاب والجرائم الكبرى، وطلبات إعادة المحاكمة في دعاوى الإرهاب والجرائم الكبرى.

اما الاحكام القانونية الواجبة التطبيق أمام الأجهزة القضائية المتخصصة بقضايا الإرهاب والجرائم الكبرى فهي تلك المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية، كما قدم المشروع احصاء لجريمتي تبييض الأموال والإتجار بالأشخاص، وأناط امر النظر بها الى أجهزة قضائية متخصصة تعمل على منح أقصى درجات الضمان للماثلين أمامها.

واخيراً يمكن القول إنّ عضوية لبنان المؤسسة والفاعلة في منظمة الأمم المتحدة، والتزامه مواثيقها ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتعهّده صراحةً بتجسيد هذه المبادئ في كلّ الحقول والمجالات تحتّم على السلطات المختصة السعي الى وضع هذا المشروع حيز التنفيذ، علّ لبنان ينتزع مكانة ما بين دول القانون التي تعنى بمكافحة الارهاب ومحاكمة الارهابيين بشكل يراعي المعايير الدوليّة للمحاكمة المنصفة. يبقى أن تنشأ دولة المؤسسات واستقلالية السلطة القضائية لكي يلقى هذا المشروع المناخ الملائم لتنفيذه وتطبيقه.

كان ريفي في أوج حماسته للمشروع، لكنّ الاهم من كلّ ذلك أن يسلك المشروع طريقه الى مجلس الوزراء ومجلس النواب، لكي ينتقل لبنان الى رحاب القضاء ذات المعايير المطبقة في الدول المتقدّمة.