IMLebanon

ضباب السياسات الدولية يدفع لولادة حكومية

الميزة الغالبة على رجال إدارة دونالد ترامب حتى اللحظة هي المزجُ بين رجال الأعمال الأثرياء وجنرالات الحرب الأقوياء. وإذا أضَفنا إلى ذلك التواضعَ في الخبرة السياسية حتّى لدى رأس الإدارة، أي الرئيس الأميركي المقبل، فإنّ النتيجة تُلزِمنا التوقّفَ والتفكير مليّاً ووضعَ كثيرٍ من علامات الاستفهام.

خلال اليومين الماضيَين، هبّت عاصفة من الانتقادات حول خطوة ترامب بالتحدّث مباشرةً مع رئيسة تايوان، ناقضاً بذلك سلوكاً أميركياً قائماً منذ العام 1979 لتجنّبِ إثارة الصين مجاناً.

صحيح أنّ الترابط الاقتصادي الاميركي – الصيني أصبح عميقاً وأنّ للصين استثمارات هائلة في أسواق الولايات المتحدة الاميركية، ولكنّها في الوقت نفسه تجد نفسَها ملزَمةً حماية الاقتصاد الأميركي لكي لا يؤدّي عكس ذلك إلى انهيار الاقتصاد الصيني أيضاً.

لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الجبهات المفتوحة في الشرق الأوسط ملتهبة وصعبة ومعقّدة وأنّ الصين ليست بعيدة عنها ولو أنّها ما تزال تُحاذر التورّط أكثر في لهيبها.

وقد تكون خطوة التواصل مع رئيسة تايوان نموذجاً مبكراً لخطوات أخرى من هذا النوع في أمكنة أخرى من العالم قد تُعتبر أكثر حساسية. لذلك يتمسّك الوسط السياسي الإسرائيلي أكثر فأكثر بتشبيه ترامب بالصاروخ غير الموجّه والقابل للانفجار في أيّ مكان.

وما زاد من قلق النخبِ الاميركية تعيينُ الجنرال جيمس ماتيس أو «الكلب المسعور» وزيراً للدفاع، وهو الخبير في ساحات القتال في الشرق الأوسط بعدما قاد مجموعات قتالية من الجيش الاميركي في الكويت والعراق وأفغانستان، والشائع عنه قوله في إحدى المرّات «من الممتع القتلُ في بعض الأحيان».

ماتيس الذي تَخاصَم مع إدارة الرئيس باراك أوباما لأنّه كان يرفض الاتفاق حول الملف النووي معها، لديه أفكارُه في طريقة الحدّ من النفوذ الايراني في العراق وسوريا ولبنان، ولا شكّ في أنّ الاتفاق النووي أصبح حقيقةً قائمة يَصعب تبديدها، لكنّ السعي لتحجيم نفوذ ايران غرب حدودها وصولاً الى شاطئ البحر الابيض المتوسط مسألة أخرى.

إضافةً إلى أنّ ماتيس يتقاطع مع ترامب حول مسألتين في الشرق الاوسط، الأولى تعزيز دور مصر وفق نظامها وتركيبتها العسكرية الحاكمة الحاليّة والسعي لتعميم نموذج الحكم فيها على بلدان أخرى. والثانية إنجاز تسوية إسرائيلية – فلسطينية على قاعدة الدولتين.

وإذا كانت أولوية واشنطن السعيَ لضربِ «داعش» وإنهائها، إلّا أنّ هناك من هو مقتنع بأنّ بقاء هذا التنظيم ولكن تحت الأرض في الشرق الأوسط بعد اقتلاع مخالبه في بقية أنحاء العالم، يبقى يصبّ في مصلحة السياسة الاميركية.

ذلك أنّ الهدف الحيوي الاوّل لواشنطن كان وما يزال وسيبقى السيطرة والتحكّم بثروات العالم. وبذلك تصبح الحرب المعلنة على التنظيمات الإرهابية الذريعةَ المثالية للإمساك بثروات الشرق الأوسط.

ومع إدارة يتقاسَمها رجال الأعمال وجنرالات الحرب تصبح السياسة الاميركية أكثرَ وضوحاً في هذا الاتّجاه، إضافةً إلى أنّ ترامب رَجل أعمال كبير ولديه مصالح وشركات في الشرق الأوسط.

في المقابل، في أوروبا اتّجاهٌ جديد يتنامى سريعاً انسجاماً مع الموجة العالمية القائمة وعلى أساس القومية قبل أيّ اعتبار آخر. ومن خلال سلسلة الاستحقاقات التي تنتظر اوروبا والتي بدأت مع استفتاء ايطاليا، هناك من بَدأ يضع علامات استفهام حول مستقبل الوحدة الاوروبية، لا بل إنّ مراكز دراسات متخصّصة في الشأن الاوروبي بدأت تتحدّث عن إطار اوروبي جديد قد لا يتأخّر كثيراً يقوم على فكّ الترابط السياسي والإبقاء على التفاهمات الاقتصادية في ما بينها.

لكنّ اللافت كان الحُكم الصارم الذي صَدر في المجر بحقّ مهاجر سوري حاولَ تهريبَ عائلته لتصل العقوبة الى عشر سنوات من السجن. وهو ما يعني أنّ اوروبا ذاهبة إلى التشدّد في موضوع النازحين ولو على حساب بلدان أخرى ضعيفة، مِثل لبنان.

كلّ هذه الصورة الخارجية تزيد من غموض الصورة في الشرق الاوسط، فانتهاج سياسة مستقرّة وسط تنازُع المصالح الاقتصادية والعضلات العسكرية والنزاعات القومية تصبح مسألة صعبة جداً.

قريباً جداً تنتهي معركة حلب ليدخلَ بَعدها ترامب رسمياً إلى مكتبه في البيت الابيض وتبدأ معه مرحلة جديدة في المنطقة. وما من شكّ في أنّ «حزب الله» الذي يقاتل في سوريا ليشكّل طرفاً عسكرياً أساسيّاً فيها من خلال جيش قوامُه أكثر من عشرة آلاف مقاتل من النخبة استعرَض بعضَهم أخيراً على طريقة الجيوش النظامية، هذا الحزب يَحسب بدقّة للتبدّلات الحاصلة على مستوى السياسة والمزاج العالمي.

ومن المنطقي الاستنتاج أنّ المشهد المضطرب إقليمياً يُحتّم عليه أن يحميَ نفسه في «غرفة النوم» وأن يأمن لسلطةٍ سياسية غير معادية ومستقرّة في الوقت عينه.

وبخِلاف التحليلات الصاخبة التي لامسَت الخيال أحياناً حول الأزمة الحكومية، فإنّ «حزب الله» الذي يريد حكومةً مضمونة يسعى في الوقت نفسه لإنهاء الأزمة وتثبيتِ استقرار سياسي داخلي.

وانسجاماً مع هذين الشرطين الأساسيين، بادر خلال الأيام الماضية بعيداً عن الأضواء الى تقريب وجهات النظر بين الرئيس ميشال عون والنائب سليمان فرنجية من خلال تأمين الظروف المطلوبة لزيارة فرنجية قصرَ بعبدا وعقدِ جلسةِ «غسل قلوب» يَستعيد معها فرنجية وضعَه كركنٍ أساسي في السلطة وإلى جانب عون. ما يبشّر بأنّ الحكومة قد تولَد خلال الأسبوعين المقبلين، إذا لم يطرأ ما ليس في الحسبان.