IMLebanon

عن بلدية بيروت وما بعد

أيا يكن تقييم نتائج إنتخابات المجلس البلدي لبيروت، فإن في فوز “لائحة البيارتة”، انتصارا للشهيد رفيق الحريري، في قبره، وشهادة لأهل العاصمة على تمسكهم بما أوصاهم به، أي إستقرار المناصفة في تكوين القيادة البلدية. ويمكن الجزم أن هذا الإلتزام لم يقتصر على مؤيدي اللائحة الفائزة، بل شمل اللائحة المكتملة المنافسة، ما يعني أنها باتت مستقرة في النفوس، وليست موضع خلاف، ولا مبرر لأن تكون كذلك في آتي الأيام: لقد باتت مسلّمة وطنية.

المغزى الثاني، هو انتصار لزعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري بحرصه على المشاركة مرآة للمدينة وتنوعها. وإذا كان جمهور هذا الفريق السياسي، أو ذاك، عمد إلى تشطيب طائفي، لأحقاد سياسية لم يشف منها بعد، أواستهدافات تحجيمية يبطنها، فإن جمهور الحريرية، التزم اللائحة كما هي، وفق الأرقام النهائية لصناديق الإقتراع. فالمشاركة السياسية هي الفارق بين اللائحتين، فيما الكفاءات الشخصية لأعضائهما متشابهة عموماً، وسمعة كل منهم، تعكس نزاهة مشهودة، أما خطتا عملهما فليستا اكتشافاً غير مسبوق، لأن مشاكل المدينة أوضح من أن تحتاج الى أرخميدس جديد، وما يلزمها هو ارادة التنفيذ، التي أول بنودها، التحرر من عقدة الخلاف بين رئيس المجلس البلدي والمحافظ، بالخضوع للقانون، ونظام الصلاحيات التي ينص عليها، فيكون بينهما تكامل، لا تنافر يعطل تطور المدينة، وتقدم مستوى الحياة فيها.

المغزى البارز الثالث يكمن في نسب المقترعين والممتنعين: لم تبتعد نسبة المقترعين عما كانت عليه في الانتخابات السابقة، ولو أن الجديد في الأخيرة توافر منافسة جدية، لكن عديد الممتنعين لا يعني الإعتراض الجامع، بل هو، في جزء منه، على الأقل، متأت من تسليم ضمني بأن التوافق السياسي، على “لائحة البيارتة”، يضمن فوزها. يزيد من رسوخ هذا الإقتناع غياب “تراث” للعمل البلدي في لبنان عموما، فلا “ثقافة” شعبية في هذا المجال، ولطالما تعامل أهل بيروت ،تحديدا، مع البلدية في حدود سداد الرسوم المتوجبة، من دون أن يملكوا وعيا لحقهم في أكثر من ذلك، ومن دون أن يطاردوها على واجباتها تجاه مدينتهم.

أهمية الانتخابات الأخيرة، وربما أهمية ظهور لائحة منافسة جدية، أنها أعادت مفهوم المحاسبة الشعبية إلى المفاهيم العامة، وهي، هذه المرة، تتخطى المجلس البلدي الجديد إلى رعاته السياسيين، وفي الطليعة الرئيس سعد الحريري، ومعه “تيار المستقبل”، المدعوان إلى إعادة صياغة رؤيتهما إلى العمل الشعبي، بلدياً ونيابياً، وفي الطليعة من ذلك، إطلاق خطاب سياسي مستقبلي، من دون التخلي عن تراثهما السياسي، وفي الآن نفسه، من دون رمي ثقل الحاضر عليه، وعليه وحده. أما المجلس الجديد فإن مسؤوليته إدراك أن ما قد يخطئء به سيكون إنفاقا من رصيد الإثنين، وليس من رصيد أعضائه.