IMLebanon

جعجع وباسيل: هنا الكهــرباء وهناك البترون!

في “عزّ الحَشرة” بقانون الانتخاب والموازنة، عَمد الدكتور سمير جعجع إلى ضربِ الحديد وهو حامٍ: “لن نوافقَ على الموازنة إلّا بخصخصةِ الكهرباء”. البعض يقول: “إنّها ضربة معلّم”. في الحدّ الأقصى يمكن أن تُحقّق له مكاسب، وفي الحدّ الأدنى يخرج منها بلا خسائر!

باشتراط جعجع خصخصة الكهرباء للموافقة على الموازنة، حقَّقَ أهدافاً عدّة مباشرة:

1 – أجاب الذين يسألون عن موقع “القوات اللبنانية” في السلطة، بالقول إنّها لن تتحوَّل جزءاً من منظومة المنافع السائدة. فاتّجاه الخصخصة في الكهرباء- على قاعدة الشفافية- يلقى دعمَ غالبية خبراء الاقتصاد، وهو مطلب عدد من هيئات المجتمع المدني.

وفي اعتقاد “القوات” أنّها بتفرّدِها بهذا الطرح، زادت من رصيدها شعبياً ونخبوياً، بعد التحسّنِ الذي حقّقته مسيحياً بالمصالحة مع عون، ووطنياً بالنهج المنفتح، حتى على “حزب الله”.

2 – على مستوى السلطة، وفيما سيَعمد مجلس الوزراء إلى إقرار الموازنة متجاهلاً طرحَ الخصخصة، سيُتاح لـ”القوات” أن تقول: “إذاً، نحن في موقع الرقيب ولسنا مسؤولين عن الفساد”.

ولهذا الأمر دلالاته على المستوى الدولي، والأميركي خصوصاً، حيث هناك شكوى من فساد الطبقة السياسية في لبنان، تمّ التعبير عنها عبر الأقنية الديبلوماسية مراراً. وهو ما يشجّع الاتجاه إلى قانون للانتخاب يتيح تجديداً لهذه الطبقة، وعلى دعم الحراك المدني اللاطائفي والمنادي بالإصلاح.

3 – يمكن الحديث عن رسالة سياسية مباشرة تكمن وراء طرحِ جعجع. فعددٌ من المتابعين يسأل: ما الذي دفعَه إلى إطلاق هذه القنبلة الإصلاحية، في هذا التوقيت تحديداً، وفيما تزداد المخاوف من تداعيات التعثّر في قانون الانتخاب والموازنة وسلسلة الرواتب والرواتب وسواها من ملفات؟

ولماذا قرّر جعجع بدءَ ورشة الإصلاح في وزارة الطاقة تحديداً، أي في عقر دار “حليفه” المسيحي، “التيار الوطني الحر”، فيما كان يمكن أن يبدأ بأيّ مِن الأمكنة الأخرى التي تحتاج إلى إصلاح، وهي وافرة جداً؟

تجزم “القوات” أن لا خلفيات سياسية ولا رسائل في هذا الطرح. وكلّ ما في الأمر هو أنّها لا تريد أن تبقى شاهد زور، وأن تبصمَ على المنهجية التي تُدار بها المؤسسات. وإلّا فما قيمة مشاركتها في السلطة؟ فمعروف أنّ “القوات” لم ترغَب يوماً في المشاركة في السلطة لمجرّد اعتلاء المناصب.

وتقول: “طرحُ إصلاح الكهرباء بالخصخصة لا يَستهدف القيّمين على القطاع، وإنّما جاء طبيعياً مع إقرار أولِ موازنة منذ 12 عاماً، وفيما تحاول أول حكومة للعهد أن تبدأ ورشة إصلاحية باتت حيوية. وبديهيّ البدء بالكهرباء لأنّها باب الهدر الأول.

في عددٍ من الأوساط هناك اقتناع بأنّ الحيثيات “القواتية” في محلّها. فلا يَختلف اثنان على تقدير حجم الخَلل في الكهرباء، وعلى الاعترافِ بأنّ سوءَ إدارة هذا القطاع، عبر عشراتِ السنين، يساهم في انهيار لبنان اقتصادياً ومالياً. لكنّ ذلك لا ينفي الحديثَ عن حيثيات أخرى، سياسية وغير سياسية، لطرحِ جعجع، في ضوء السجال المستتر والمكشوف الذي أثارَه بين كوادر “القوات” و”التيار”.

البعض مقتنع بأنّ وزارة الطاقة هي اليوم في عهدِ الوزير سيزار أبي خليل، لكنّها في عُهدَة الوزير جبران باسيل. تماماً كما كانت في عهدِ الوزير أرتور نظريان، في الحكومة السابقة، ولكن في عُهدة باسيل. ولذلك، فَهِم باسيل رسالة جعجع وردَّ عليها مباشرةً من خلال مستشاره السابق أبي خليل.

وفي ظلّ البحث في قانون الانتخاب، والجدل حول طبيعة التحالفات المناطقية بين “القوات” و“التيار“، والمرتبطة بـ“طبخة” القانون العتيد، يكتسب الخلاف “الكهربائي” أهمّية خاصة، لأنه يستدعي طرحَ أسئلة:

– يَطمح باسيل إلى الفوز، للمرّة الأولى، في معركة البترون. وذلك مستحيل من دون التحالف مع “القوات”. فهل يكون طرح جعجع باباً للمساومة؟

– القاعدة “القواتية” في البترون فقَدت بعضاً من قوّتها التجييرية التي كان يوفّرها النائب المنسحب من المعركة أنطوان زهرا. وقد تصبح أكثرَ حذَراً من باسيل إذا ارتفعَت الحماوة بينه وبين القيادة “القواتية”.

– هناك “مطبخ” لقانون الانتخاب يشارك فيه “التيار” مع حلفائه في 8 آذار. وقد يؤدّي طرح جعجع إلى تذكير باسيل بعدم الذهاب بعيداً في اتفاقات تتعارض ومصالح “القوات” المتفَق مسبقاً على صونها بعد وصول عون إلى بعبدا. فـ”التيار” يدرك أنّ “حزب الله” لن يمنح أصواته لمرشّحي “القوات” (جزين، جبيل، بعبدا…)، فكيف سيتصرّف؟

إذاً، ثمّة مَن يعتقد أنّ لطرح جعجع موقعَه في المعادلات الانتخابية. فلا شيء مجانياً في السياسة. وتالياً، قد يكون الطرح إحدى الأوراق “القواتية” الوازنة. فباسيل، رئيس “التيار الوطني الحر”، لا يريد نكسةً انتخابية جديدة في منطقته المسيحية بكاملها. ولذلك، هو حتماً يحتاج إلى التفاوض جدّياً مع “القوات”.

عدا عن ذلك، يتحدّث البعض عن حسابات الرَجلين رئاسياً لِما بعد السنوات الستّ من عهد عون. ومع أنّ المسافة لا تزال بعيدة، والرئاسة محكومة بكثير من المعادلات الخارجة عن إرادة كلّ منهما، فإنّها تستحقّ التفكير أيضاً.

وهناك فرَضية أخرى متداوَلة: طرْحُ “القوات” يتجاوز اعتبارات الإصلاح والانتخابات النيابية ليذكّر بضرورة حفظِ موقعها في ملفات عدة مطروحة، من النفط إلى التعيينات… وهي فرَضية يمكن أن تُثبتَ صحتها أيضاً.

قد يتمسّك “التيار” و”القوات” بالتحالف غير القابل للانفكاك. وهما لا يناوران في ذلك. ولكنّهما ليسا اللاعبَين الوحيدين على الحلبة، وأمور كلّ منهما مرتبطة بآخرين. لذلك، النيّات الحسنة موجودة لدى الطرفين، ولكن عليهما التفكير بالقاعدة القديمة: “الجحيمُ معبَّدة بالنوايا الحسنة” أيضاً.