IMLebanon

جعجع ـ «حزب الله»: خط التماس

ابتسمت ستريدا جعجع بعد ترشيح زوجها للعماد ميشال عون وقالت «نتمنى أن تلاقينا قيادة حزب الله وتكون تحت هذه المظلة لمصلحة لبنان أولاً وأخيراً». لا شك أن اطلالتها الجميلة وأناقة تعبيرها التي وازت ثيابها البيضاء ألأنيقة، أضفتا على عرس معراب، رونقاً إعلامياً وسياسياً خاصاً. لو أن سمير جعجع رشّحها للرئاسة بدلا منه لربما أحرجت الخصوم. لكن الرجل يريد الزعامة ويعمل لأجلها منذ قرر قتل فقر العائلة والنزول الى بيروت. الابتسامات عابرة إذاً، والصراع مستمر.

كان رئيس «القوات اللبنانية» قد سبق زوجته بمغازلة الحزب. قال في النقاط العشر «إسرائيل دولة عدوة». ممتاز. ثم أعقب ذلك بقوله لإحدى التلفزات «إن حزب الله أمام امتحان جدي بدعم العماد عون وإلا سيخسر أهم حلفائه في الفترة الأخيرة». ممتاز أيضاً، الفخ واضح، ولا شك أن جعجع يتمنى للحزب أن يرسب في هذا الامتحان وفي كل امتحان آخر، لأنه لو نجح الحزب، يرسب هو.

لم يواز ابتسامات السيدة ستريدا، سوى ابتسامات أخرى ارتسمت على وجوه عدد من قادة «حزب الله». هل توقعوا يوماً أجمل من هذا المشهد؟ أبرز خصومهم يرشح أبرز حلفائهم للرئاسة؟ أيريدون أجمل من هذا التعبير عن حقيقة التحولات في المنطقة لصالحهم وحلفائهم؟

هنا بالضبط جوهر القضية والرهانات. الباقي تفاصيل عابرة.

يَجمع «حزب الله» و «القوات اللبنانية» وتيار العماد ميشال عون، بعدٌ اجتماعي يُغفله كثيرون. خرجوا جميعاً من غير الاقطاع السياسي والعائلات التاريخية او المالية التي نهبت البلد وأنهكت شعبه وأذلّته. «السيد» و «الحكيم» و «الجنرال» جاؤوا من عائلات متواضعة، حتى ولو اختلفت المصائر. كل منهم دفع كثيراً لصياغة لبنان الذي يريد. وبعضهم حمّل لبنان أكثر مما يريد .هم جميعاً تعرّضوا في لحظة معيّنة لغضبة الفريق المافياوي اللبناني ـ السوري حتى ولو تغيرت الأمور لاحقاً. بينما جزء من ذاك الفريق المافياوي الذي أفاد من الوجود السوري، كان أول المنقلبين على سوريا حين انسحبت. وللثلاثة شعبية واسعة وراسخة في محيطهم وبيئتهم.

مع ذلك تنافرت القضايا والمصالح والتحالفات والمصائر. فالحزب قاتل المشروع السعودي في المنطقة، وحافظ على عون حليفاً. بينما جعجع تحالف مع الرياض ضد الأسد وإيران والحزب. يروي مسؤول سعودي: أن سمير جعجع كان محط ثقتنا في مواجهة «حزب الله». قدمنا له الكثير، وفي بعض المرات استقبلناه بأفضل مما نستقبل الزعماء السنّة مثل سعد الحريري وغيره، لطالما قال لنا: «إن حزب الله هو الأخطر وأن إيران كارثة». لعل الرياض فكرت فعليا بأن جعجع قادر على التصدي للحزب بالموقف والسلاح.

في بعض وثائق ويكيليكس في العام 2007 الموجودة على مكتب مسؤول لبناني أمني كبير، يؤكد جعجع للسفير الأميركي جيفري فيلتمان أن «حزب الله» عازم على الحرب الأهلية وأنه لابد من مساعدة أميركية لـ«القوات» لمواجهته. ويعتبر ميشال عون لا بل وميشال سليمان عميلين لسوريا. هل تغير اليوم؟

ماذا تقول ورقة المبادئ العشرة في معراب؟

تقول بـ «عدم اللجوء الى السلاح… وبسط سلطة الدولة وحدها على كامل الأراضي اللبنانية…». لاحظوا كلمة «وحدها». هل أوضح منها للقول بنزع سلاح «حزب الله» وبتوريط عون في هذا الموقف. ممتاز أيضاً.

أما وقد انتهى احتفال معراب، فماذا بعد الابتسامات؟

لا شك أن البيئتين القواتية والعونية، فيهما الكثير من نقاط التلاقي، وأن جعجع يراهن على بيئة عون لتردَّ له الجميل في معركته الرئاسية المقبلة لما بعد عون.

لم يتغير جعجع. هو بين قلّة لم يغيّر مبادئه. لم يتنازل، حتى ولو أنه ذهب الى دمشق لتقديم التعازي بوفاة باسل الأسد. دفع ثمن مواقفه خسارة حرب الجبل التي ورّطه فيها الرئيس أمين الجميل، ثم دفع ثمن تصلّبه 11 عاماً من السجن، وغاب عن معظم الحكومات، لكنه عرف كيف يعيد بناء مؤسسة سياسية واجتماعية وحزبية وطلابية مهمة. قد تكون مع مؤسسات «حزب الله» الأكثر نجاحاً في لبنان.

لم يتغير طموح ابن العائلة المتواضعة. (راجع سيرته في الكتاب المهم لندى عيديد). أخذ لقب «الحكيم» بالرغم من عدم اكماله الطب. جاهد للوصول الى مواقع قيادية أو متقدمة سابقاً في «القوات» و «الكتائب» برغم تنافره الضمني مع الاقطاع وآل الجميل. أغراه الاقطاع أو ربما ستريدا فصاهره وتزوجها. الآن يريد أن يصبح رئيساً. عون طريق جيد. كل شيء جيد الا سليمان فرنجية.

في خطابه الآنف الذكر في يوم شهداء «القوات»، عدّد جعجع كثيراً من الشخصيات المسيحية التي رفعت اسم لبنان (جبران، نعيمة، وشارل مالك ووديع الصافي وزكي ناصيف..) لم ينتبه أن في لبنان أيضاً روادا مسلمين. لا بأس، الجغرافيا تقتل التاريخ. لا يزال همّه «المسيحي قبل الجميع». حين كان يكتب رسائل الحب لستريدا على محارم كلينكس من سجنه، ويقرأ تيار دوشاردان وغيره، كان يدرك أنه يوماً ما سيصبح رئيساً. ويستعيد زعامة المسيحيين. لم ولن يتراجع. ولكن…؟

ولكن مشكلة جعجع اليوم هي مع «حزب الله». نجح في إبعاد شبح فرنجية (ربما ليس لوقت طويل)، لكن ماذا يفعل بالحزب. هو يدرك أن الحريري نفسه ما عاد قادرا على الفكاك من الحزب للعودة رئيسا للحكومة. تصلّب الحزب في أوج وهن النظام السوري، فهل يتراجع الآن؟ أي بعد الاتفاق الإيراني الغربي، وبعد انتعاش حليفه السوري؟ فكيف تنجح مناورة جعجع؟

على الأرجح لا. يعرف جعجع أن الحزب سيعمل على تفريغ ورقة معراب من مفاعيلها، ويحافظ على عون حليفاً أو رئيساً.

لعون الأولوية عند السيد حسن نصرالله، وفرنجية ممتاز، لكن زمن الصفقات الكبرى لم يحن بعد، ولو حان فلن يكون مكانه معراب وقد لا يكتفي بعون وفرنجية.

أحرج جعجع الجميع ( باستثناء الحزب ربما) وقد يستمر، فهل يسايره عون حتى النهاية؟ لو فعل فهو يهدي الحريري وبري وجنبلاط أفضل فرصة للقضاء عليه.

لا شيء يوحي بأن زمن الصفقات قد حان، فهذا كيري يهدد إيران من الخليج، والسعودية تنتعش بوجوده وتجدد الهجوم على طهران، وهذا جو بايدين يهدد بعمل عسكري في سوريا ثم يأتي، كالمعتاد، من يصحح له قوله، وهذا مؤتمر الحوار السوري في جنيف يتعثر، وسوف يتعثر أكثر مع استمرار التباين الروسي الأميركي بشأن طبيعة المشاركين فيه ومستقبل الأسد ووقف القتال.

لم يحن زمن الصفقات بعد، فلا بأس ان يتبادل الجميع بعض الابتسامات بانتظارها.