IMLebanon

إجتماع جنيف ونظرية WIN WIN

 

يُعقد اليوم في جنيف إجتماع بين روسيا والولايات المتّحدة والأمم المتّحدة حول سوريا، هذا ما أعلنه نائب وزير الخارجية الروسي جينادي غاتيلوف يوم أمس، بعد أن أشارت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية إلى احتمال إنعقاد هذا الإجتماع قبل أربعة أيام. إجتماعات كثيرة، لم يعلن عن مضمونها سبقت الإجتماع بين لافروف وكيري وبين الإدارة الأميركية وولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان. الإجتماع محكوم بضرورة التوصّل إلى مسار سياسي للأزمة السورية، ضمن الأشهر المتبقية للرئيس أوباما، وبالإتّفاق على عمل ميداني لإخراج داعش من الرقة، عمل يستثمر الإحتقان الأوروبي بعد الإعتداءات الإرهابية على المدن الفرنسية والألمانية.

المستجد في الظروف التي تحيط بهذا الإجتماع، والثوابت المحققة أضحت تشكّل عناصر مسهلة لمسودة إتفاق يُفضي إلى وقف لإطلاق نار طويل الأمد وانتقال إلى محادثات سياسية جدّية. توصّف نظرية «Win Win» «الجميع رابحون» الوضع في الشمال السوري حيث تبدو جزيئات «الپازل» (Puzzle) الدولي على الشكل التالي:

 أولاً: إنحسار التوتر بين روسيا وتركيا بعد المصالحة التي تمت في نهاية شهر حزيران المنصرم، والذي انعكست نتائجه على الميدان في حلب ونعني بذلك تطويق حلب بعد قطع طريق التموين التي تربطها بالداخل التركي، والتي مثّلت أحد أسباب التوتر قبل حادثة إسقاط الطائرة. تطوّر الظروف الميدانية لصالح روسيا وانتقال المعارك إلى داخل المدينة يعني طبعاً، إذا ما حاولنا توظيفه في التفاوض، مؤشراً لتمكين الروس من اكتساب ورقة مهمة على طاولة جنيف واختباراً للنوايا الجدية لروسيا، كما يعني عدم تمسّك تركيا برحيل الأسد كشرط للإعتراف بالعملية السياسية. الإتفاق الروسي التركي يفترض ترسيماً لحدود مناطق النفوذ الأميركية والروسية في الشمال السوري وتفاهماً حول انتشار الوحدات الميدانية ولوائح الأهداف.

ثانياً: خروج تركيا بثبات أكبر بعد فشل الإنقلاب الذي لم تتضح معالمه النهائية لغاية الآن، والذهاب إلى مزيد من المركزية في الحكم وإلى مزيد من انتقال الصلاحيات إلى رئاسة الجمهورية، دونما حاجة إلى تعديلات في الدستور في ضوء الإجماع على رفض الإنقلاب من قِبَل كافة القوى السياسية، بصرف النظر عن رأيها في ديمقراطية الإجراءات التي تلته. فَشِل الإنقلاب آخذاً معه كلّ مشاريع التجزئة والإستقلال الذاتي التي راودت الأكراد على امتداد سنين الأزمة في سوريا. التفاف الأحزاب الكردية حول رئيس الجمهورية قد يعزز مشاركتها في السلطة ويبني مناخاً من الثقة بين الأكراد والرئاسة التركية. تجدر الإشارة في هذا المجال إلى تلمّس مجموعة من مؤشرات فشل نموذج الإستقلال الذاتي لإقليم كردستان الذي سقط في دائرة التجاذب السلبي بين كلّ من تركيا وإيران والحكومة المركزية في بغداد على خلفية حذر كلّ من هذه الدول من تكرار هذه التجربة لديها. تركيا بعد فشل الإنقلاب ومسار الإصلاحات المُفترض ستصبح قادرة على الإمساك بوظيفتين: الأولى عضويتها في حلف شمال الأطلسي التي تعطيها موقعاً مميزاً لانطلاق عمليات التحالف الدولي في الحرب على داعش في منبج والرقة، والثانية الشريك اللدود لروسيا الذي فرضته الجغرافيا للوصول إلى البحر المتوسط.

ثالثاً: التمسّك الأميركي بقوات سوريا الديمقراطية المؤلفة من مكوّنات عربية وكردية، والتي تقدّم لها الولايات المتّحدة كلّ أسباب الدعم وتعتبرها رأس الجسر لمشروعها في تحرير الشمال السوري. وهنا لا بدّ من العودة إلى ما قاله مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للتحالف الدولي لمحاربة داعش، بريت ماكغورك، أول من أمس لمحطة سكاي نيوز: «أنّ قوات سوريا الديمقراطية هي الإطار الذي سيحرّر من خلاله السوريون أراضيهم بالتعاون مع التحالف الدولي»، وأضاف أنّ الحرب في سوريا لن تنتهي دون انتقال سياسي، ولا أحد يريد تغيير النظام السياسي، فنحن نريد المحافظة على النظام ونريد قيادة جديدة يجتمع حولها الشعب السوري. وأشار أنّ عدد المقاتلين الذين توجهوا الى سوريا من الصين وأندونيسيا وأوستراليا والخليج وشمال أفريقيا يبلغ ضعف المقاتلين الأجانب الذين توجهوا إلى أفغانستان. فلا بد من ائتلاف عالمي لقتالهم.

أمام ضجيج كلّ هذه الجيوش على أرض سوريا، يقول الرئيس بشّار الأسد لمحطة NBC الأميركية منذ أيام» آمل أن يرى فيّ التاريخ الرجل الذي حمى بلاده من الإرهاب وحافظ على سيادة ووحدة أراضيها».

يبدو أنّ نظرية «Win Win» لا تطبّق على الشعب السوري الذي يبدو أنّه الخاسر الوحيد في سوريا.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات