IMLebanon

الحريري والحرب على التيار والقوات

بعد فشل المراهنة على روسيا لإخراج ملف انتخابات الرئاسة اللبنانية من «الثلاجة»، عاد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الى «لعبة» الارقام من جديد في محاولة «يائسة» لاثبات ان تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لا يمثل غالبية المسيحيين، والرهان هذه المرة على الانتخابات البلدية لتظهير هذه الصورة التي يريدها رئيس «التيار الازرق» للتبرؤ من تهمة وقوفه في وجه الاجماع المسيحي، وسحب هذه «الورقة الرابحة» من يد حزب الله. فهل ينجح في ذلك؟

وفقا للمعلومات الدبلوماسية المتداولة في بيروت، فان نصيحة الاميركيين والاوروبيين للحريري «بطرق ابواب» الكرملين لايجاد مخرج للازمة الرئاسية في لبنان بحكم الدور المؤثر الذي تؤديه روسيا في سوريا وقدرتها على التأثير في الفريق اللبناني الاخر من خلال القنوات المفتوحة مع طهران، اثبتت عقمها، واكتشف الحريري أن إيران و«حزب الله» نجحا في الفصل بين الملفين اللبناني والسوري، والدور المؤثر لروسيا في سوريا لم يمنحها القدرة التأثيرية في الساحات الاخرى، وهي اصلا لم تدع ذلك، وتبين ان تفاهماتها مع الولايات المتحدة على الخطوط العامة بشأن الملف السوري، لم تنسحب على الملف اللبناني غير المدرج على جدول الاعمال، وبالتالي فان الملف اللبناني غير خاضع لاي مساومة، واقتنع الحريري بأن «الترياق» الرئاسي لا يصنع في موسكو، وعادت الامور بالنسبة اليه الى «المربع الاول»، حزب الله لن يتراجع عن موقفه من دعم الجنرال ميشال عون، الحوار مع الحزب حول هذه النقطة «عبثي» ولن يؤدي الى اي نتيجة، «الانتظار» ريثما تحسم ملفات المنطقة هو سيد الموقف في هذه المرحلة، وبالتالي ملء هذا الفراغ بالنسبة للحريري الان ينحصر في مهمتين، الاولى استعادة الشارع السني عبر ترتيب تحالفات موضوعية في اكثر من منطقة، ويأمل من خلال نتائج الانتخابات البلدية ان يعيد تظهير الغالبية السنية التي يحتاجها في «احتكار» التمثيل السني. اما المهمة الثانية فلا تقل اهمية عن الاولى، وتتمثل بإظهار ضعف التحالف العوني ـ القواتي في قدرته على تمثيل المسيحيين، وثمة تركيز جدي على ضرب رقم 86 بالمئة الذي طالما تغنت به قياداتا الحزبيين المسيحيين.

في هذا السياق تشير اوساط مسيحية وازنة الى ان تيار المستقبل يضع ثقله في المناطق المشتركة مذهبيا للتأثير في القدرة التمثيلية «للقوات» و«التيار»، ويمارس ضغوطا على حلفائه المسيحيين في 14آذار، لنسج تحالفات تتجاوز الخلافات «التاريخية» «والعائلية» في بعض المناطق، لمنع تحالف «الثنائي المسيحي من تحقيق نتائج «باهرة» في هذا الاستحقاق، وهذا الامر يحصل في اكثر من منطقة مع المسيحيين المستقلين، وكذلك مع حزب الكتائب، حيث يتم التركيز على منطقة المتن بشكل خاص حيث الثقل الانتخابي الكتائبي، لايجاد توليفات بلدية مع قوى منافسة تاريخيا للحزب في المنطقة، حتى لو جرى التنازل في بعض المقاعد الحساسة. والتعويل على كسر «الثنائي» المسيحي في المتن مهم جدا بالنسبة لتيار المستقبل، فالمواجهة في كسروان محفوفة بالمخاطر، حيث يملك «التيار» و«القوات» ارجحية كبيرة على خصومهما، اما في المتن فثمة رهان على الحضور التاريخي لحزب الكتائب والنائب ميشال المر، كما ثمة رهان على خيارات حزب الطاشناق «البلدية» التي لا تنسجم بالضرورة مع «هواه» السياسي.

ولا يبدي النائب سامي الجميل حتى الان اي اعتراض جدي في هذا السياق ومن خلال اللقاءات الاولية مع قيادات مستقبلية، ابدى حماسة لهذه الاستراتيجية دون الدخول في التفاصيل كي لا يحصل تعارض مع مصالح النائب المر، فالامور تحتاج الى تفاهمات عميقة معه لتحقيق النتائج المرجوة… فيما يبدو الحليف الزغرتاوي ميشال معوض اكثر تحررا من «الاثقال» في زغرتا، وهو دخل في تحالف مع تيار المردة لخوض هذا الاستحقاق لقطع الطريق امام اي «خرق» في المنطقة يؤدي الى زيادة في حساب «الاصوات» لصالح «الثنائي المسيحي».

وتلفت تلك الاوساط الى ان «الثنائي» المسيحي يخطىء اذا انجر وراء تلك المنازلة، ووافق على اعتبارها مقياسا لتمثيل المسيحيين، ولذلك فان الحذر مطلوب من الاستغراق في حسابات الربح والخسارة في الانتخابات البلديات والاختيارية، فثمة حسابات غير سياسية يتداخل فيها الإعتبار العائلي والحزبي والشخصي، لكن الواضح حتى الان ان القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر يتعاملان بثقة «زائدة» مع هذا الاستحقاق ويعدان العدة لمعركة جدية في المتن وكسروان، باعتبار ان هاتين المنطقتين تمثلان عمقا مسيحيا «صافيا» يؤشر الفوز فيهما الى نسبة التمثيل الحقيقي للمسيحيين، والإمساك بغالبية البلديات هناك يعني عمليا اعطائهما الحق في الحديث عن تمثيل غالبية المسيحيين، ما يجعل منهما اصحاب الحق في حسم الملف الرئاسي. لكن الاندفاع نحو «الغاء» الاخرين قد يدفع اصحاب المصالح المحلية والمناطقية الى التكتل لمواجهة «التسونامي» الذي يهدد مصالحهم، وهذا ما يحتاج الى حسابات دقيقة تمزج بين الاهداف السياسية المتوخاة والمصالح المناطقية التي قد تكون في بعض الاماكن اكثر قوة وتاثيرا من الابعاد «الاستراتيجية» للمعركة.

وتلفت تلك الاوساط، الى ان الحريري «ناقم» جدا على رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، ويتهمه بالتسبب في «اجهاض» عودته الى بيروت، ووأد مشروع 14 آذار، فالظن كان في بدء الامر ان «الحكيم» لن يذهب بعيدا في موقفه من ترشيح الجنرال ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وكانت القراءة «المستقبلية» للخطوة انها جزء من «مناورة» لابطال ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة، وكذلك منع «الجنرال» من الوصول الى بعبدا، لكن اتضح لاحقا ان ما يريده جعجع ابعد من ذلك واكثر عمقا، وتبين ان الرئاسة تفصيل صغير اما مشروع اكبر على المستوى المسيحي، ستكون ترجمته العملية في الانتخابات البلدية، وهذا يفقد الحريري وتيار المستقبل «المبادرة» ويحشرهما في «زاوية» مذهبية سعى الحريري جاهدا لطمسها عبر تحالفه الواسع مع فئات لبنانية اخرى، لكنه خسر في اول الطريق التيار الوطني الحر، وافترق مع «الثنائي الشيعي، واليوم خسر التغطية المسيحية «الوازنة» بخروج القوات اللبنانية من «العباءة» السياسية «للتيار الازرق»، مع ادراكه ان من تبقى من مسيحيين معه لا يمثلون في واقع الامر التغطية المطلوبة لمشروعه السياسي، لذلك فان ما يرغب به الحريري ليس فقط اضعاف فرص عون الرئاسية وانما تدفيع جعجع «ثمن» تمرده وخروجه من «بيت الطاعة»…

غياب القدرة على التأثير في القضايا الكبرى في المنطقة، تعيد الحريري الى الساحة اللبنانية «لاعبا» «بلديا» يخوض غمار مواجهة مع حليفه المسيحي السابق، «وخصمه» المسيحي «الدائم»، لتسجيل «النقاط» في سياق مماحكات داخلية لن يكون لها اي تأثير في الاستحقاق الرئاسي، فتمثيله للسنة امر واقع يصعب على الاخرين تجاوزه، وتمثيل «الثنائي المسيحي» لغالبية المسيحيين حقيقة يعرفها جيدا، ويصعب على احد انكارها، لكن هذا التمثيل لم يشفع له عندما اقيل من رئاسة الحكومة عندما كان في البيت الابيض، ولم يعبد «الطريق» امام عون لانتخابه رئيسا، ولذلك فان الرهان على الارقام «البلدية» لاظهار ضعف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، لا يمكن صرفه في السياسة لان التوازنات ترسم في مكان آخر، ولذلك فهو يملأ «الفراغ القاتل» «بحرتقات» لا تغني ولا تسمن عن جوع»….