IMLebanon

الحريري تقدَّم خطوة… لكنه لم يلتزم بعد

يشبّه البعض الإشارات الإيجابية التي يرسلها الرئيس سعد الحريري حيال اعتماد النسبية الكاملة في قانون انتخابي جديد بالإشارات التي كان أرسلها في الفترة التي سبقت إعلانه الصريح عن تأييد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ما يعني أنه بات على قاب قوسين من إعلان موافقته على قانون انتخابي يعتمد النسبية ولكن في انتظار التفاهم على بعض التفاصيل المهمة للقانون من مثل عدد الدوائر الانتخابية.

وخلال الجلسة الاخيرة للحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» سمع الحاضرون كلاماً مشجّعاً من تيار «المستقبل» في هذا الاتجاه، ولو أنّ أيّ شيء حاسم أو نهائي لم يظهر.

وطوال المرحلة الماضية كان المفهوم الرائج أنّ الانتخابات النيابية ستحصل وفق القانون المعتمد حالياً مع بعض التأخير وفق السيناريو الآتي:

– يستمر النقاش الصاخب حول القانون الواجب اعتماده من دون التوصل الى توافق حول الصيغة بسبب معارضة الفريق الشيعي لصيغة المختلط، ومعارضة تيار «المستقبل» لصيغة النسبية الكاملة.

– يستمر رئيس الجمهورية في موقفه الرافض توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة.

– يصل مجلس النواب الى نهاية مدته الدستورية ما يجعله حكماً أمام خيار من اثنين، اما التمديد او الفراغ، فيختار الخيار الاول ويمدّد لنفسه قبل منتصف نيسان ليحتاط من رد رئيس الجمهورية لمرسوم التمديد ما يعطي الوقت لمجلس النواب لإعادة تأكيد التمديد مرة ثانية.

– يستمر رئيس الجمهورية برفضه التمديد الثالث ويطعن به امام المجلس الدستوري كما فعل في المرتين السابقتين.

– يقبل المجلس الدستوري الطعن المقدم من رئيس الجمهورية ويعتبر معه أنّ التمديد باطل لأن لا سبب حقيقياً يحول دون إجراء الانتخابات.

– بعدها يدعو مجلس النواب الحكومة ووزير الداخلية الى اتخاذ الخطوات المطلوبة لحصول الانتخابات وفق القانون المعمول به تحت ذريعة تجنب انهيار مؤسسات الدولة.

– تحصل الانتخابات، إما مباشرة بعد فترة قصيرة، أو في حدّ أقصى في ايلول المقبل، وسط معادلة أنّ إجراءها يبقى أقل سوءاً من تمديد ثالث.

وفق هذا السيناريو كانت القوى والأحزاب السياسية تستعد ضمناً لانتخابات وفق القانون الحالي وهو ما كان غير مرفوض لدى تيار «المستقبل» وكذلك الفريق الشيعي، خصوصاً أنّ الاحتمال الثاني بالذهاب الى تمديد ثالث من دون السير في القانون الحالي كان يحظى بموافقة «المستقبل» ايضاً.

لكنّ ثمّة مسألتين عُدِّلتا في نظر الحريري: الأولى ولها علاقة بالتحرك الشعبي احتجاجاً على الضرائب المقترَحة، ففيما كان المطلوب أن يؤدّي الاقتراح الضريبي الى مواجهة بين النقابات والهيئات الاقتصادية والقطاعات الشعبية وبالتالي وضع ملف قانون الانتخابات جانباً ما يساعد في استهلاك الوقت المتبقي من ولاية مجلس النواب، جاءت النتيجة معاكسة لتكشف عن وجود تحوّل في المزاج الشعبي ليس في مصلحة تيار «المستقبل» والثنائي الحزبي المسيحي.

وبما أنّ الانتخابات البلدية حملت إنذاراً في هذا المجال، خصوصاً في بيروت، كان لا بد من التفكير برويّة في مخاطر الانتخاب وفق النظام الأكثري.

أما الثانية فلها علاقة بإنجاز دراسات حول الانتخابات على أساس النظام الأكثري أو على أساس النظام النسبي أجراها تيار «المستقبل» وأفضت الى أنّ اعتماد الأكثري ليس مضموناً وأنّ «المستقبل» لن يحظى من جديد بكتلة من 34 نائباً، وأنّ الرهان على توحيد الصف الداخلي، ولو بمساعدة سعودية قد يتعثر، وبالتالي فإنّ هذه الدراسات أظهرت أنّ اعتماد النسبية كاملة ستؤدي الى تراجع محدود في المقاعد النيابية لتصل الى 28 أو 29 مقعداً وبنحو مضمون أكثر.

ووفق هذه الدراسة، فإنّ قانوناً يعتمد لبنان دائرة واحدة قد يكون الافضل كونه سيؤدي الى تنافس بين لائحتين واحدة عنصر قوتها «حزب الله» وحركة «أمل»، والثانية تيار «المستقبل»، وبالتالي فإنّ الشارع السنّي سيصبح ملزَماً بتأييد لائحة «المستقبل»، خصوصاً أنّ تشكيل لائحة ثالثة دونه صعوبات كثيرة.

لكنّ المشكلة هنا أنّ الفريق المسيحي يرفض إعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، اضف الى ذلك أنّ إدارة هذا الخيار وطريقة تركيب اللوائح والتحالفات اكثر صعوبة وتعقيداً ما يفرض استبعاده.

ولذلك كان الاقتراح الأكثر عملياً البحث عن دوائر متوسطة. وفيما جرى استبعاد خيار الدوائر الخمس، أي على قياس المحافظات الحالية، يرفض «المستقبل» اعتماد الدوائر التي وردت في مشروع الوزير مروان شربل وأقرّتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

وفيما يميل «التيار الوطني الحر» الى اعتماد تسع دوائر، دائرتان لكلّ محافظة مع ترك العاصمة دائرة واحدة، اقترح تيار «المستقبل» عشر دوائر بحيث جرى تقسيم جبل لبنان الى ثلاث دوائر من أجل طمأنة النائب وليد جنبلاط.

الحريري تحدث من القاهرة عن قانون جديد في وقت قريب، وكذلك الرئيس نبيه بري الذي لمّح الى منتصف نيسان. وقد تكون المهلة الفاصلة مطلوبة أولاً للإتفاق على كل تفاصيل القانون، وثانياً لإزالة تحفظات جنبلاط و«القوات اللبنانية» اللذين يرفضان النسبية الكاملة بسبب تعارضها ومصالحهما الانتخابية، ولو أنهما يدركان محدودية قدرتهما على الاطاحة بالقانون في حال توافق عليه رئيس الجمهورية والفريق الشيعي وتيار «المستقبل».

وفي حال سارت الامور وفق البرنامج الزمني الذي لمّح اليه بري والحريري، أي منتصف نيسان المقبل، فهذا يعني أنّ الانتخابات قابلة للحصول في ايلول المقبل، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية يتمسّك بإجرائها هذه السنة. وقد يكون موعد حصول الانتخابات قابلاً للتأجيل حتى تشرين الأول، أي قبل أن تصبح عوامل الطقس صعبة في الجبال.

والمهم أنّ هذه الصيغة المقترحة لا تبدو صعبة ومعقدة، أي إنها ليست بحاجة لكثير من الوقت لتطبيقها إدارياً ولتكون واضحة على مستوى الناخبين.

يبقى أنّ استمرار الحريري رئيساً للحكومة سيظل الخيار الأكثر رجحاناً، خصوصاً مع تمسّك رئيس الجمهورية به، فضلاً عن رئيس المجلس النيابي وجنبلاط، والاهم عدم وجود معارضة جدّية وفعليّة لـ«حزب الله» في ظل مساكنة هادئة بين الطرفين تجلّت في وضوح منذ عودة الحريري الى رئاسة الحكومة حيث لم يُسجَّل أيّ صدام فعلي بين الطرفين على رغم الواقع الملتهب في سوريا.

لكنّ الأهم أنّ كلّ هذا النقاش مطروح وبقوة في الكواليس، ولكنه لم يرتقِ بعد الى مستوى التفاهم العلني والالتزام الرسمي، ما يعني أنّ «المفاجآت التعطيلية» ممكن حصولها.