IMLebanon

الحريري وسع الهوة بين القيادت المسيحية

«فشلت التسوية ام لم تفشل» هكذا بدت صورة المشهد السياسي تتأرجح ضمن سيناريوهات متعددة ومتناقضة بين القائل بان التسوية سلكت طريقها الى التنفيذ وينقصها وضع لمسات معينة من قبل الافرقاء المعنيين وبين القائلين بان التسوية الشجاعة التي هندسها الحريري ووافق عليها بري وجنبلاط وسليمان فرنجية تراجعت الى حدودها الدنيا ولم تعد تصلح بعد الحرب التي فتحت بوجهها من داخل فريقي 8 و14 آذار وخصوصاً الحرب الصامتة والمعبرة لقيادتي معراب والرابية واحراج حزب الله حيال ترشيح فرنجية الحليف القوي الذي وضع على تماس مع الجنرال.

وريثما تتوضح الصورة اكثر فان الثابت كما تقول اوساط سياسية ان اسهم التسوية لتفاهم الحريري وفرنجية انخفضت كثيراً قبل ان تسقط نهائيا وفق التوقعات ومرد ذلك الى عدة عوامل ومسببات، منها عدم توفر الظروف الداخلية التي تضمن نجاحها، فاذا صحت المعلومات ان الحريري استطاع ان ينتزع قبولاً سعودياً لترشيح ابن طوني فرنجية وموافقة على السير بخيار رئيس من صلب 8 آذار وقريب من النظام السوري، فان مثل هذه الظروف لم تتوفر او تتأمن داخلياً بدليل ردود الفعل الصامتة احياناً ولكنها معبرة جداً عن مواقف قيادات مسيحية اساسية معنية بالاستحقاق مقابل مواقف معلنة لفريق 14 آذار ذهبت الى حد تهشيم صورة فرنجية وما انجزه الزعيم السني لـ 14 آذار.

فالواضح كما تقول الاوساط، ان لقاء باريس تسبب باشكالية كبيرة داخل البيت الآذاري وفريق سعد الحريري بالذات بعدما قامت قيادات مستقبلية من الصف الاول بالتهجم على خيار الحريري واللقاء الباريسي بتسليم الرئاسة لشخص يرتبط بنظام بشار الاسد ، كما تبدى ايضاً ان هذه القيادات قامت بتأليب الرأي العام السني على ترشيح رئيس المردة. وبدون شك ايضاً فان ترشيح فرنجية رغم عدم التصعيد المعلن من قبل الرابية اصطدم باصرار عون على المضي بترشحه وامكانية لجوء عون الى قلب الاوراق والمعادلات. وبدأ التداول في الاوساط المسيحية بعد مباشرة لقاءات بين معراب والرابية وبكفيا حول امكانية قيام حلف مسيحي لمواجهة الترشيح بمقاطعة جلسة الانتخاب لقول «لا »رافضة لتسمية رئيس الحكومة السني لرئيس الجمهورية الماروني ولقناعة الرابية ومعراب ان التسوية تم طبخها في مطابخ عين التينة والمختارة وباريس رداً على الحالة المسيحية الجديدة وصحوة معراب والرابية في ورقة النوايا التي بدأت تثمر على الارض المسيحية تعاوناً وتفاهمات في العديد من الملفات، خصوصاً ان التقارب العوني والقواتي كان خضع لعدة فحوصات واختبارات ورد عليه الفريق الآخر بتوجيه ضربات الى الرابية بملف التمديد للقيادات الامنية وتسريح العميد شامل روكز.

وفي هذا كله ترى الاوساط ان انهيار التسوية يعني الخسارة المسيحية مجدداً واستمرار الفراغ في الموقع الرئاسي الاول، واظهر ان القيادات المسيحية رغم اتفاقها احياناً تحت عباءة البطريرك وطوراً لوحدها لا تزال متخاصمة رغم انهاء خصومتها، فلماذا لا يتم الاتفاق على شخص فرنجية، ولماذا يرفض سمير جعجع ترشيح ميشال عون والعكس صحيح ، ولماذا اصبح فرنجية حليف الرابية ومن صلب 8 آذار مرفوضاً من الرابية طالما سدت كل المنافذ والطرقات على وصول عون الى قصر بعبدا من قبل الحريري؟ فالواضح ان كل فريق مسيحي مستمر بتصفية الفريق الآخر، والواضح ايضاً ان الخسارة واقعة على الوضع المسيحي المستهدف بكرسي الرئاسة وان الحريري الذي قاد مركب التسوية بغض النظر عن اهدافه استطاع ان يكسب بدون اي خسارة في اللقاء الباريسي. فالحريري الذي كان يتطلع الى العودة لرئاسة الحكومة بالتفاهم مع فرنجية على ان يضطلع الحريري برئاسة الحكومة ويتم تسيير البلاد اقتصادياً ومالياً بدون اي عرقلة مقابل اطلاق عمل رئاسة الجمهورية وعدم تقييدها وفق ما تسرب عن فحوى لقاء باريس، فان الحريري بدا في هذا كله بانه صاحب المشروع الانقاذي لرئاسة الجمهورية بغض النظر عن اهدافه المشروعة التي تضمن عودته الى الساحة السياسية والى بيئته السنية التي تفتقد زعيمها بعد الضعف والعجز اللذين اصابا الساحة السنية بابتعاد الحريري عن دائرة القرار وعما يجري في الداخل، وحاول الحريري ان يظهر ان قبوله بترشيح فرنجية كان من شأنه ان يعيد انتاج وضع لبناني صحي ومتماسك وحيث انه يضع الجميع امام مسؤولياتهم فرفض الحل يعني اغراق الوطن بالمزيد من التشرذم والانقسام وعودة التعطيل الى المؤسسات واستمرار الفراغ في الرئاسة الاولى. وبدا واضحاً ان الخسارة في حال ثبت فشل التسوية سوف تقع مجدداً داخل الساحة المسيحية وتتحملها مرة اخرى القيادات المسيحية حيث ستوجه اليها تهمة تغليب حساباتها ومصالحها السياسية والشخصية بدل السير بخيارات وسيناريوهات لانقاذ الوضع المتأزم .

خلاصة هذا كله سواء صحت التسوية او لم تصح، فان الحريري لم يخسر كثيراً من طرح التسوية على غرار القيادات المسيحية التي وقعت في الفخ ، ففرنجية بدا كأنه تمرد على قرار الرابية وخرج عن سربها منذ الجلسة التشريعية ورئيس الاصلاح والتغيير بدا كأنه يرفض التنازل عن معادلة الامر لي في الاستحقاق الرئاسي حتى لو لصالح مرشح حليف وقريب من خياراته السياسية. ومعراب رغم اعلان النوايا لم تقدم التنازلات لعون . الخلاصة ايضاً ان الحريري وسع الهوة المسيحة ووضع القيادات المسيحية وجهاً لوجه في السباق الاخير الى قصر بعبدا.