IMLebanon

«الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ» [العبرانيين ٦: ١٢]

نهاية العام 1993 اتّخذ الاحتلال السوري قراره بزجّ سمير جعجع في السّجن، الرسالة آنذاك أبلغت بكلامٍ مباشر لرئيس الجمهورية الرّاحل الياس الهراوي فعاد على عجلٍ إلى لبنان، وطلب من سمير جعجع «مغادرة لبنان لأنّ عواصف ستأتي وتأخذه»، لكنّه لم يهرب، ويغلبُ عليّ الظنّ أنّ «الحكيم» لم يخطر له في أسوأ السيناريوهات أنّ قبضة الإحتلال ستقتل الأبرياء في وقت الصلاة في كنيسة سيّدة النجاة!

مشكلة نظام الاحتلال السوري للبنان مع سمير جعجع أنّه أخرج لبنان من فم الأسد عندما أسقط الاتفاق الثلاثي في 15 كانون الثاني 1986، لم ينسَ النظام لجعجع هذه الصفعة والهزيمة التي ألحقها به قائد القوّات اللبنانيّة، ومنذ اللحظة الأولى بعد توقيع اتفاق الطائف، ودخول لبنان زمن إنهاء الحرب رفض سمير جعجع أن يُسلّم لبنان للاحتلال السوري، ما لم يأخذوه في الحرب كيف يُعطى لهم في السَّلم؟ «في 24 كانون الثاني 1990 رفض سمير جعجع المشاركة في أوّل حكومات الطائف «لاختلال التوازن في الحكومة وللونها السوري الفاقع»، وكرّر استقالته في 16 ايار من العام 1992 استقال فور صدور مرسوم تأليف الحكومة لنفس السّبب»»لاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ الْمُنَافِقِ لِتَكُونَ شَاهِدَ ظُلْمٍ» [يعقوب٣: ١٤]، رفض جعجع أن يكون شاهد زور على تسليم لبنان للوصاية…

أذكر جيّداً حجم الشائعات التي بثّتها منظومة النظام الأمني، نفس بحر الشائعات استهدف كلّ شهداء ثورة الأرز قبيل اغتيالهم، من الرئيس رفيق الحريري وصولاً إلى جبران، حتى موجة التفجيرات التي سبقت تفجير المصلين على مذبح كنيسة سيّدة النجاة، عشناها ثانيةً مع التفجيرات الأسبوعيّة التي ترافقت مع انسحاب الاحتلال السوري من لبنان في العام 2005 وكانت تستهدف كلّ أسبوع المناطق المسيحيّة لبثّ الذّعر في نفوسهم انطلاقاً من ادّعاء أن مهمّة هذا الاحتلال حماية المسيحيّين!!

منذ توقيع اتفاق الطائف في 30 أيلول 1989 اشترط «الحكيم» لاشتراكه في الحكومات «أن تكون الحكومة فعلا حكومة وفاق وطني، وعلى اقل تقدير ان يكون فيها الثلث المعطل لدى طرح الموضوعات الاساسيّة، فلا يصبح هو فيها شاهد زور»، والحديث عن الوفاق الوطني وتطبيق اتفاق الطائف كان يُصيب النظام السوري بالجنون، وكان اتفاق الطائف ينصّ على انسحاب الجيش السوري بعد عاميْن إلى البقاع، وكان ممنوعاً على اللبنانيّين الحديث عن تطبيق اتفاق الطائف، وهذا الانسحاب كان مطلب اللبنانيّين مسيحيّين ومسلمين، وكان سمير جعجع ليكون قائد تلك المرحلة بامتياز، وليكون «زعيماً وطنيّاً» لا قائداً مسيحيّاً فقط، ولم يكن الاحتلال السوري يومها قادراً على قتله، بل كان «إذلاله» وقمع المسيحيّين و»معسهم» حتى لا يرفعوا رأساً، وهكذا كان، لولا صوت بطريرك لبنان مار نصرالله بطرس صفير، وفتشّوا اليوم عن تصريحٍ واحدٍ من تلك الحقبة وستجدون فيه ذكر «الشقيقة» خوفاً وجبناً وولاءً!

«لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ» [يعقوب ١: ٢-٤]، أحد عشر عاماً كُنّا كلّنا ولبنان في زنزانة سمير جعجع، معتقلون رازحون تحت الاحتلال، كان الرّجل حُرّاً أكثر من وطن بأكمله، «ثورة الأرز» بدأت يوم سيق الدكتور سمير جعجع من غدراس إلى وزارة الدفاع معتقلاً سياسيّاً، منعاً لتطبيق اتفاق الطائف، كانت ثورة صامتة، احتاجت أحد عشر عاماً لتنفجر بوجه الاحتلال السوري، سمير جعجع سجين تطبيق اتفاق الطائف، وللذين تخونهم الذّاكرة دائماً نحيلهم إلى ما كشفه النائب مروان حماده في مطلع آذار العام 2005 بُعيد اغتيال الرئيس الحريري، عندما كلّف بإعداد البيان الوزاري لآخر حكومات الرئيس رفيق الحريري «ذكرت اتفاق الطائف في مسودّة البيان الوزاري فبادرني الرئيس رفيق الحريري: «بدّك تروِّحنا يا مروان»؟»!!

في ذكرى تفجير كنيسة سيّدة النجاة لاغتيال سمير جعجع معنويّاً وسياسيّاً ومسيحيّاً، نحتاج إلى تكرار ما ورد في [سفر الملوك الثاني 6: 16]: «لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ»، «لأنّنا وأرضنا والحقّ.. أكثريّة».

ميرڤت سيوفي