IMLebanon

أحوال الهرمل: سبحان الباقي بالحي!

تبدو الهرمل للواصل منهكا من الطرقات المؤدية اليها، سيئة المزاج كأنها لم تنم جيدا. ناسها، يطوفون بوجوه عابسة او تعبة، محاولين التقاط رزقهم بالتي هي أحسن، متعجلين قليلا، او هكذا يبدو لمتابع أخبارها، قبل ان ينتكس الوضع الأمني «فجأة»، مرة إضافية، باشتباك مسلح يشل البلد بسكانه الخمسين الفاً لساعتين، بانتظار تدخل الجيش وفي ظل «مراقبة» القوى الامنية المرابطة في المخفر كشاهد زور. أو، بسبب جاهل مجرم، قرر معاقبة زوجته السابقة على طلبها الطلاق منه، بحجة حبه لها (إقرأ تملكها) وذلك بقتلها جهارا نهارا امام الجميع. كل هذا الضرر لا يستتبع من القوى السياسية ذات السطوة هنا، اي اجراء على عتبة انتخابات بلدية يتحسب لها، من شأنه ان يردع فلتان الاقوياء المزدادين قوة في ظل نفادهم دائما من الحساب… بتبويس اللحى

الهرمل | الرجال الخمسة الذين كانوا يجلسون في العتمة اسفل منزل علي صافي القبوط، والد زهراء (22 عاما) التي قتلها طليقها أنور غسان النمر (30 عاما) في 27 الشهر الماضي في الهرمل، بدوا متأهبين في جلستهم تلك كمن ينتظر شيئا ما. كانت سيارتنا تنزل المنحدر القاسي المؤدي الى باحة المنزل ذي الطابقين، حيث انتشرت الأعشاب المجنونة وركدت برك من مياه المطر الذي فاجأ الجميع بهطوله النيساني.

كان الطابق الأعلى مضاء، اما الرجال الجالسون امام الباحة في العتمة، فلمحنا عيونهم تتفحصنا على ضوء توهج امتصاصهم لدخان سجائرهم، ثم، وقف احدهم وتقدم خطوتين كمن يحاول تمييز من في السيارة، ليتراجع تراجع المطمئن، لكن المستطلع، حين فتحتُ الباب وحييتهم.

نعبر من الدرج الباطوني الى الصالون الانيق على طريقة اهل القرى حين يتأثرون بالمدن. كان المكان المبلط مزينا بلوحتين كبيرتين لابنتهم «الشهيدة». نسألهم إن كانوا قد قبلوا العزاء أخيرا بها، لكونهم كانوا متمنعين عن ذلك على عادة العشائر التي تريد ان تأخذ بثأر قتيلها. يغمغم الاب الذي جلس مع الوالدة واخوال الفتاة معنا، انهم بالفعل تقبلوا العزاء بابنتهم. يخرج من جيبه ورقة مطوية، ثم يقول ان عائلة القاتل كانت قد اصدرت بيانا اوليا، الا انهم كعائلة لم يقبلوه، وانهم لم يتقبلوا العزاء الا بصدور هذا البيان الذي وافقت فيه عشيرة النمر بمفاوضات مع «جاهات» المنطقة، على طرد وابعاد عائلة القاتل بعد تسليمه للسلطات». ويردف الوالد انهم لاحقا سيوكلون محاميا لاستيفاء حق ابنتهم بالقانون.

لم تقصر عائلة الفتاة بمحاولة حمايتها. هرّبتها من الهرمل الى المنزل في بيروت لتكون بمأمن من تهديدات طليقها واهله. سجلتها لتتابع دراستها الجامعية هناك. يرينا الوالد بطاقة تسجيلها في كلية الاقتصاد وادارة الأعمال، فيما تروي الوالدة كيف قتل المجرم ابنتها. «الام هي المحرضة الأولى» تؤكد لنا فهي لم تتقبل الكنة منذ «كتب الكتاب». نتذكر ما قاله سائق الفان الذي جئنا معه الى الهرمل «امو زلغطت لما قتلها» قال لنا. ثم أردف بخفة وبعض التحدي «هلق بيكون مبسوط بالحبس، خلص ارتاح قلبو لانو بيحبها. اذا ما رح تكون الو ما بتكون لحدا. إنتهى».

تخبرنا الأم انها كانت تمشي مع ابنتها امام البيت حين اخذ المجرم يروح ويجيء بسيارته مع ابنتهما الطفلة مايا في حضنه امامهما. طلبت من ابنتها ان تعود فورا الى المنزل، وفيما ركضت زهراء تنزل المنحدر الذي نزلناه بسيارتنا هاربة، رشّها القاتل من الخلف برصاص متفجر.

لكن الموضوع لم ينته. «بعدنا بالهمكة يا اختي، كنا ابتلينا اليوم» يبادرنا خال القتيلة، الذي دخل علينا معلقا على كتفه جعبة ورشاشاً. «خيو كان عم يكزدر اليوم ع (شارع) السبيل (حيث قتلت زهراء)، بس زمط». اخو القاتل؟ وماذا حصل؟ يقول: «قرايبينو دوروا عليه وكربوه (طردوه) انو جايي استفزاز». ثم اردف مبتسما بمرارة «عنا شريعة غاب مليون بالمية، لو كانت زهراء بنت عشيرة كبيرة ما استرجوا دقوا فينا». تقول الام «ما في دولة يا اختي». وماذا عن قوى الأمر الواقع؟ اليست قادرة على لجم هذا الفلتان؟ يقول الخال «لانو ما في دولة ستنا، عند العشاير شريعة غاب، والقوي بياكل الضعيف، القوى والأحزاب مع القوي بما فيهم حزب الله، وهني ما بيزعّلوا عشيرة بتعدّ 20 الف صوت منشان 20 صوت. هيك بيحسبوها».

أضافت حادثة زهراء الى لائحة «سم البدن» جريمة ذات وزن. بعدها بأسبوع تقريبا، دار اطلاق الرصاص لحوالي ساعتين في اشتباك مسلح بين عشيرتي علاّو وعواد. شُلت الحركة، وقبع الناس في بيوتهم يلعنون الساعة التي ولدتهم فيها امهاتهم في «مجاهل الهرمل» بحسب ما وصفها احد سكانها.

«كانوا يقولوا من زمان سبحان الحي الباقي، هلق فيكي تقولي براحة سبحان الباقي بالحي». يقول محمد ايوب، صاحب المكتبة وهو يجلس خلف منضدة الى جانب ابنه الذي كان يحاسب زبونا. الشيب الذي نشب في شعر ايوب يتناسب مع كلامه الذي يخزّن قهرا متراكما من بلد يئس اهله منه. يضيف «الوضع الامني هيك بالهرمل لأنو الشعب هون هو هيك. ورث عبر مئات السنين تقاليد وعادات متل الثأر والعنفوان والكرامة العشائرية وما بدو يغيّرها. مبسوط بحالو هيك». ويتابع «عشان هيك المسألة بسيطة، اللي مضاين ع وضعو السيئ بالبلد، فينا نعتبر انو (بقاؤه) من المعجزات». نقول له لكننا قابلنا الكثيرين ممن هم غير مرتاحين لهذا الوضع، مثله. فيجيب «هاي اقليات. ما إلهم رأي لانهم اقليات. بس يكثروا بيصير. بس بدها مئات السنين ليكثروا ويصيروا يعتبروا حالهم بشر». نسأله عن مصدر مرارته فيجيب «تجربة ١٢ سنة بالهرمل».

لا يعبّر أشرف الساحلي، وهو صاحب محل بالة التقيناه وسط السوق القديم، بالطريقة الساخرة والمرة نفسها. لكن لا يبدو ان في قلبه مرارة أقل. «ما تهزو واقف ع شوار»، يقول في وصف الوضع الأمني هنا. ويعدّ على اصابعه وهو يحدثنا «اولا لانو دولة ما في، وتانيا البطالة عم تخلي الشباب سارحة لا شغلة ولا عملة، البطالة سبب رئيسي لانو اللي بيصير عندو عيلة بيصير عليه مسؤولية، وبيحس انو من مصلحتو الامن والامان. بعدين، والأهم، الغطاء السياسي لأولاد العشائر. انو اي واحد بيعمل مشكل، دغري قال بيركضوا ليصالحوهم». نسأله: «ومش منيح يصالحوهم؟» يجيب: «لا طبعا، لأنو هاي بتخللي الشباب يحسوا انو بيقدروا يقتلوا قتيل وبيصالحوهم. يعني حساب ما في. واذا فاتوا ع الحبس دغري الغطاء السياسي بيطلّعهم ع اساس مشكل عادي! كرمال هيك ما بقى في خوف لا من الدولة ولا من القصاص». ويضيف «بعدين القواص داير ع طول: عرس ولا عزا ولا مشكل، قواصات بشكل كبير. واحيانا حد السرايا ومخفر الدرك الذي لا يحرك ساكنا». يقول الجملة الأخيرة بالفصحى. ولمَ لا يحرك ساكنا؟ يجيب «لانو اللي عم يقوص يمكن محسوب على حزب معين والدرك، وفي منهم من برات المنطقة، ما بدهم يفوتوا بجدال مع هيدا الحزب. بالنهاية الدركي عبد المأمور.. نحنا عم نحكي ع الكبار مش ع الصغار».

يدخل بعض الزبائن متفحصين الاحذية المستعملة، وتسأله احداهن إن كانت لديه ثياب ولادية؟ فيرشدها الى السلة وهو يتابع كلامه معنا «السبب الثالث عقلية العشاير اللي بترفض اي سلطة فوقها». يعني؟ نسأل، فيقول «يعني متل المشكل الأخير بين عواد وعلاو، ضلت القواصات اكتر من ساعة ونص، ما عرفنا شو اساس المشكل! بس اكيد شي بايخ وما بيستاهل». ثم يضيف جملته المفضلة «وما حدا حرك ساكنا. ساعة ونص انسمّ البلد ومنيح كان بعد الضهر لانو ما في مدارس. لما خففوا قواصات بعد شي ساعتين طلع الجيش وراقت».

نستنتج: اذاً الجيش فعال؟ لا قوى الامن ولا الأحزاب المسيطرة هنا؟ يجيب بسخرية «ايه فعال بعد ساعتين، يعني بيكون اجاني متلا شي عشر رصاصات بقلبي وراح اللي راح. هني كمان ما بيتدخلوا تيجيهم امر بالتدخل». وبعد؟ هل اعتقل مسبب المشكل؟ يجيب «له يا عمي. تصالحوا ومشي الحال». مضيفا «ما قاتِلنا الا تبويس اللحى».

غير بعيد عن محل أشرف، ندخل دكانا لبيع الخردوات. صاحب المحل علي شمص، كان يقرأ «الأخبار». يقول انه مشترك فيها منذ ثلاث سنوات. لا يشذ علي في رايه عن البقية: «الوضع سيئ لدرجة انو اذا جينا نقيم الامور، اصلا ما لازم يكون في عداوات بين العيل. العدو معروف مين هوي: اسرائيل. بس اللي عم بيصير بيحسسك انو العلاقة بين العيل اصعب من العلاقة مع اسرائيل. معقول يعني؟». يضيف «واحد بيقللك ببساطة: رايح أقصف بيت فلان! طيب… هالدواعش هياهن هون حدك بجرود راس بعلبك والمشاريع وعرسال. تعال.. خلينا نروح ندافع سوا عن الهرمل». نسأله: وعائلتك؟ اليس لديكم عداوات؟ فيجيب: «مبدئيا عنا مشكلة مع بيت عوّاد، بس لسنا مع ان نعتدي او ان يعتدي احد علينا. بدها ناس عقال، وبتهمها مصلحة الهرمل». وهل يعزّ وجود هؤلاء العقال؟ يجيب «اكيد. لانو كل واحد مرتبط بزعيم سياسي والمصالح السياسية بتخللي كل واحد ياخد المنحى اللي بيخدم مصلحته».

يدخل احد الاشخاص المحل، ويجلس مستمعا الى الحوار. نتابع: فلنلخص الوضع؟ يجيب «دولة ما في. من ينوب عنها، اي الاحزاب وممثلوهم ــ عم احكي عن الحزب والحركة ــ عم يراعوا مصالحهم مع العيل والعشاير وما عم يحددوا مسؤولية المعتدي. لو ارادوا؟ لقالوا الحق على بيت فلان… لكنهم يفضلون مراعاة المصلحة». يتدخل الضيف الذي جلس معنا مقاطعا، والذي تبين انه من آل القبوط: «الدولة مسؤولة وما في دولة. العشائرية مسيطرة والجاهلية. وصاحب القوة هو اللي معو حق مش صاحب الحق هوي القوي. حق القوة وليس قوة الحق».

نسأله وكيف لا تمنع القوى التي تحل محل الدولة، اي الحزب والحركة وحلفاؤهما، تدهور الوضع المتكرر؟ فيجيب «رافعين الغطاء عن كل الزعران. من حزب الله الى مسؤول المخابرات بالمنطقة، نحنا مع انو ينسحب الحزب من أي عمل بلدي لأنهم عم يورطوه ويشوهولوا إنجازاته». سنسمع هذا الكلام كثيرا في لقاءاتنا حول الانتخابات البلدية.

تتأرجح الهرمل بين مهوى قلبها العروبي والوطني والتزامها دعم المقاومة، وما يفرضه عليها واقعها من وجوب انتقاد من خيّب املها. فالحب لا يمكن ان يكون من طرف واحد، تكاد الهرمل تقول.

تتأرجح الهرمل بين مهوى قلبها والتزامها دعم المقاومة، وما يفرضه عليها واقعها من وجوب انتقاد من خيّب أملها

«ما عملوا شي» يقول دياب شاهين الذي التقيناه في مقهى هنا حين سألناه عن اداء البلدية المنتخبة لست سنين خلت. كان هذا رأي دياب مع انه قال لنا حين سألناه عن الوضع الأمني انهم «متصالحون مع انفسهم» وان الهرمل لديها «امن ذاتي لانو ما في دولة، يعني بدك تقولي امن بالتراضي». هل كان يسخر؟ يبدو انه لم يكن يفعل بدليل استطراده قائلا: «الهرمل آمنة لأنها من طائفة واحدة». يصحح له احد الجالسين «في شوية موارنة بوادي الرطل… مطرح ما كان جبران خليل جبران، بتعرفي جبران كان من هون مش من بشري. معك خبر؟». لا… لم يكن معي خبر. كنت اعلم ان هناك وجودا تاريخيا للموارنة في الهرمل بشهادة مغارة مار مارون التي لجأ اليها القديس المسيحي ومؤسس الطائفة، بعد هروبه من سوريا بسبب اضطهاد جماعته.

«الهرمل آمنة؟» اتساءل مستنكرة الجواب فيرد الرجل «هلق بيصير مشاكل يعني بيوقع قتيل من هون جريح من هونيك بس ما في احقاد دائمة، لكن هناك كثرة من المطلوبين غالبا بتجارة المخدرات. بس مثلا ما في تشليح متل ما بيصير ببعلبك».

واحد بيقلّك ببساطة: رايح أقصف بيت فلان! طيب. هالدواعش هون، خلينا نروح ندافع عن الهرمل

حسنا وما هو مأخذه على البلدية (15 من حزب الله وأربعة من الحركة ووواحد لكل من القومي والبعثي) يقول «ع صعيد الإنماء المحلي ما عملوا شي. ما في حركة ولا مردود. لا عملوا حدائق ولا عملوا منشأة صناعية او تجارية تشغّل هالناس وهالشباب. كل شي بيعملوه هو انهم بيشيلوا الزبالة والاعمال الروتينية». يردف جليسه «بدك تقولي يعني ما في رؤية مستقبلية انمائية. ما بيخططوا بشكل يستثمروا فيه طاقات البلدية على المدى المتوسط والطويل».

يقول الشاب «عدّي على إيدك: معمل لعلف الأسماك انعمل سنة الالفين ولهلق ما تشغّل. قال لاسباب تقنية! هلق عم يقولوا انه ما انشغل بمواصفات مزبوطة. وبعدين في تعطيل لجلسات المجلس البلدي لكي يمرروا الصفقات بالتراضي. لمصالح شخصية».

يردّنا كلامه الى ما قاله لنا علي شمص في اطار كلامه عن مراعاة حساب العشائر في الموضوع الأمني «طبعا حاسبين حساب الانتخابات البلدية المقبلة. هلق بموضوع الانتخابات، نحنا شايفين انو العمل البلدي مش منيح ابدا». لمَ؟ نسأله. يجيب «لأنّ هناك مجموعة مسيطرة على البلدية تتقاسم الحصص. انا اريد ان اقول وجدانيا اننا في الهرمل لم يكن عندنا بلدية لحين انتخاب الحاج ابراهيم شاهين (البلدية الأولى عام 1998-2004). اي انجاز جيد هنا للحاج بصمته عليه». مثلا؟ «قام بالتحريج مثلا، انا من الاشخاص الذين حالما يصلون الى مدخل الهرمل أترحم على والدَي الحاج شاهين اللي عمل المدخل والطرقات والحيطان والتحريج».

وماذا عما يتردد عن فساد في تشييد قوس النصر عند المدخل؟ يقول جليسه حسن قبوط (متقاعد من الجيش) «هاي مسؤولية اتحاد البلديات، يا اختي جرى تلزيمه اول مرة بـ 51 مليون ليرة لكن المناقصة الغيت لسبب ما، فأعيد تلزيمه بـ 95 مليون ليرة ثم تبين ان عواميد الدعم غير صالحة فقاموا بدعمها بـ50 مليون ليرة من اموال البلدية». يعلق احد الجالسين «ع اساس ما في انماء من دون قوس نصر!». يقول قبوط «هناك وظيفة لمحاسب فارغة من 3 سنوات، يريدون توظيف قريبة رئيس الاتحاد. ضغط القائمقام ليضعوا اعلانا في 3 جرائد كما ينص القانون. فنشر الاعلان في 3 جرائد لا تصل اصلا الى الهرمل وهي: اللواء، الشرق، والمستقبل! فعاد القائمقام للضغط، عندها اعلنوا في جرائد اخرى فتقدم للوظيفة 41 شخصا، هذا من سنة ونصف سنة وحتى اليوم لم يُجروا بالمباراة».

تتهيأ الهرمل للإنتخابات البلدية على عجل. «بكرة بيلغوها». يقول احد المهتمين متخوفا من التمديد للبلدية الحالية. الا ان شبابا وصبايا من غير الراضين عن وضع المدينة المحتفظة بقرويتها لغياب الرؤية المدينية، نظّموا أنفسهم على عجل من اجل منع «المحدلة» التي اوصلت سابقا المجلس الحالي. هكذا، جلسنا نستمع إلى مناقشاتهم عشية إعلانهم أنفسهم تحت اسم «لائحة معا». طويل هو البرنامج الذي طبعوه لتوزيعه مشفوعا بلقاءات توضيحية للأهالي. لا يراهن هؤلاء على النجاح فورا، بل يقولون انهم سيبدأون كفاحا قد يثمر بالتراكم. اغلب المرشحين في هذه اللائحة المستقلة غير معروفين لجمهور الناخبين ما خلا شخصية او اثنتين، لكن الحماسة تملؤهم لدرجة الغرق في تفاصيل لا يسمح بنقاشها الوقت الباقي حتى الانتخابات في الثامن من أيار المقبل.

أداء المجلس البلدي «خجول» وبعيد عن الإنماء «مع أنّ لدينا مقومات قوية»

يعترف الاستاذ المجاز في الحقوق حسين شمص بأن أداء المجلس البلدي «خجول» وبعيد عن الإنماء «مع انّ لدينا مقومات قوية» مستطردا: «ما في كفاءات». يقصد في المجلس البلدي الحالي. ثم يقول «هناك محاصصة… مثلا اختاروا شخصين ليعملوا ماجستير ادارة بلديات على حساب الجامعة الاميركية ووزارة الداخلية والبلدية بكلفة 21 الف دولار للشخص، والاثنان غير حاصلين على بكالوريا! مع انّ هناك كثرة من المتعلمين». وهل هناك كفاءات برأيه في الهرمل؟ يرد بالتوكيد. حسنا ولم لا توصلونهم الى البلدية؟ بسبب «المحدلة؟» (تحالف حزب الله وامل والقومي والبعث) يجيب ضاحكا: «ما انا من المحدلة (حركة امل)» يردد صاحب المقهى حيث كنا نجلس «المحدلة جايي». يفكر حسين قليلا ثم يقول «انا مع وصول اشخاص جدد الى المجلس البلدي. (يتردد) هلق يكونوا بالمحدلة بس يكونوا كفؤين يا عمي». ثم؟ يقول «هناك غياب تام للجسم الوظيفي الرسمي في البلدية: كله تعاقد. عندنا 36 وظيفة شاغرة ملأوها تعاقدا بالمحسوبيات. انو ما في مهندس بالهرمل؟». يضيف شمص «المشكلة مش بالمحدلة، بل بسوء الاختيار». لكن ما الفرق بين ايام الحاج شاهين الناجحة برئاسة البلدية واليوم؟ يجيب «كان في توافق لانجاح البلدية ولم يكن هناك صراع أجنحة كما اليوم. يعني وقت المنفعة الشخصية في توافق بس وقت المنفعة العامة ما في».

غير بعيد في المقهى، في الزاوية المعتمة تقريبا منه، تحلَّق بضعة شبّان حول طاولة وكل امام «واتسآبه»، او ينفث دخان نارجيلته. يتضاحكون بخجل حين اقترب منهم، ثم ينسحب ثلاثة من بينهم ليبقى ثلاثة.

لا يختلف كلام علي شاهين، وهو طالب هندسة، عن كلام اي شاب في لبنان، لكنه يظن ان هذا وضع الهرمل دون غيرها. «شغل ما في… او بتلاقي شغل بس مش متل ما بتستحق، انا هلق عم ادرس هندسة بس يمكن ما اشتغل فيها لأنو ما في رأسمال يفتحوا مصانع وشركات، والدولة مش عم تأمن شي، والوضع الأمني بيكمل الشغل. فاذا حدا بدو يفتحلو شي مصلحة بيقول لحالو: بلاها احسن ما اخسر».

نسألهم إن كانوا مهتمين بالانتخابات البلدية، فيقول علي وهو اكبرهم (22 سنة) انه فقط هذه السنة اصبح يحق له الانتخاب. ثم يقول «الكبير لازم يتغير منشان الصغير يعرف يشتغل».

في طريق العودة، ينطنط الفان فوق مطبات الطريق الكثيرة. يتوقف لراكب يسأله «مفرق مقنة؟» فيجيبه السائق «وشو رايح تعمل بمقنة؟ ليش بعد فيها حدا؟ ما صاروا كلهم ببيروت».

مين ما كان بيقدر يترشح!

«ما حدا بينادي ع زيتاتو عكرين». بهذا أجابنا نائب رئيس بلدية الهرمل عصام بليبل الذي التقيناه في مبنى البلدية. الطابق الاول كان يعج بالمراجعين، اما بليبل الذي اوكله الرئيس مهمة الإجابة عن اسئلتنا، فقد كان خلف طاولته وقد احاط به المراجعون (ع اللبناني) من كل جانب. ننتقل الى قاعة اجتماعات فاخرة تتوسطها خريطة للهرمل ومشاعها. يقول حين ننقل اليه النقد الحاد الذي تناول بلديته «هيدا كلو زكزكات انتخابية او عندو غرض او مصلحة خاصة لم تنقض». حسنا ان كان هذا هو الواقع فلمَ لا تعدد لنا إنجازاتكم؟ يجيب «استراتيجيا (!!) مددنا 40 كلم من قساطل المياه فأوصلناها الى البيوت. كما أمّنّا تمويل معمل للصرف الصحي وخطا رئيسيا بقيمة مليونين ونصف مليون يورو. الاموال موجودة عند مجلس الإنماء والإعمار. نحن لزّمنا المحطة لشركة دنش، لكن صار هناك مشكل بالتنفيذ، حيث اعترض اهل الشواغير التي يمر فيها القسطل في ارضهم. لكننا لن نتوقف هنا وسنجد ارضا ثانية لمتابعة التنفيذ الذي توقف قبل شهرين. لكن لن اقول اسمها حتى لا يصير مشكل!».

لكن لمَ تأخروا بمباشرة التنفيذ حتى ما قبل الانتخابات البلدية مباشرة؟ يجيب «بداية وقّعنا عقدا مع الطليان بـ20 مليون يورو لكل الهرمل، اما الخطة الحالية، فتخدم القضاء كله».

غيره؟ نسأل، فيجيب «عملنا مداخل الهرمل: المدخل الجنوبي ومدخل القاع والمدخل الشمالي». لم افهم، يشرح ضاحكا «يعني ارصفة وورود!» غيره؟ يجيب «عندما استلمنا البلدية كانت آليات رفع النفايات قديمة، وبعد الأزمة السورية جاءتنا مساعدات المجتمعات المضيفة فغيرناها كلها سوا». وغيره؟ «بدأنا بمنشأة للأطفال والسنة انتهينا من المسبح!».

كان الرجل لا يزال يتكلم حين سألته: «وانت كمواطن هل انت راض عن عمل البلدية؟»، يجيب «يعني الطرقات ما بها شي (!) المدينة نضيفة من الزبالة، يعني بالنهاية لما بتكون مدينة عم تنمو بيضل بدها شغل. عم نحاول نجبي بس المواطن ما فيكي تلقطيه الا اذا بدو شي ورقة. عموما الجباية ما بتتعدى 25%. يعني ما حدا بيرضى عن حالو بيضل يطمح يحسن». أسأله «وصلتم بمحدلة الى البلدية، أليس برأيك تغييبا للرأي العام وحق الإنتخاب ان تصلوا الى السلطة عبر توافق يغيب رأي المواطن؟». يضحك وهو يجيب «مين ما كان بيقدر يترشح…».