IMLebanon

«حزب الله».. لا صوت يعلو فوق صوت حلب

كل رسائل «حزب الله» في المنطقة سواء السياسية أو العسكرية، لا بد وأن تمر من خلال خطابات وتصريحات نوّابه ووزرائه. وبما أن للحزب قاعدة ينطلق منها على الدوام لإيصال تلك الرسائل إلى كل من يعنيه الأمر، فقد تحوّلت سوريا اليوم إلى منصّة شبه ثابتة منها تنطلق استراتيجياته وتوجهاته للداخل والخارج ومنها يتحدد مصير طائفة لها في تلك المنصّة آلاف الشُبّان ينتظرون ساعة الإفراج عن مصير أصبح مُرتبطاً بتصريح لنائب في الحزب أو معلومة يُطلقها أحد وزرائه.

يبرع الحزب في تبديل الأدوار المُسندة اليه وفي اللعب على مخارج الحلول لأزماته بقدر ما يُجيد قلب الحقائق وحرفها، ويبرع أكثر في تقمص شخصية الضحية وفي تنصله من واجباته وارتكاباته على حد سواء. يجد الأعذار لنظام يقتل ويفتك بالأطفال ويحرق مدناً وقرى بأمها وأبيها. يخوض نزاعات في دول شقيقة يوماً تحت عنوان رفع المظلومية عن الشعوب، وأيّاماً ضمن سياسة الدفاع عن العتبات المُقدسة أو حماية الحدود. وفي جميع الاحوال، ثمة ثابتة واحدة هي أن جزءاً كبيراً من اللبنانيين، ينجر مُرغماً الى هذه الحروب والتعقيدات التي تنجم عنها، من دون أن يكون له رأي أو حتى مشورة، علماً أن القتل والأذى، يُلاحقانه وحده دون سواه، وبذلك يكون على مسافة واحدة مما يتعرض له الشعب السوري على يد جزّار سوريا وقاتل أطفالها.

ثمة من في بيئة «حزب الله» بدأ يُلاحظ أخيراً، تراجع نسبة التشييع في صفوف عناصره خصوصاً في ظل اشتداد المعارك في شرقي حلب، والإجابة بحسب نسبة كبيرة من هذه البيئة هي في تواصل دائم مع سياسيين في الحزب، أن معركة حلب يقودها الروسي من الجو وهو وحده من يتولّى تحديد الاهداف وضربها، وهذا ما أدى إلى إراحة العسكر على الأرض بشكل كبير والذي انعكس إيجاباً في إبعاد المخاطر عن عناصر الحزب على وجه الخصوص. لكن، ومن داخل البيئة نفسها، ثمة من رأى في مشهد أشلاء وجثث الاطفال والنساء والشيوخ الذي خلّفته هذه الطائرات في شوارع حلب، عودة بالذاكرة إلى التفجيرات التي وقعت سابقاً في مناطق عدة داخل الضاحية الجنوبية. وهؤلاء يسألون في قرارة أنفسهم: من الذي يرفع المظلومية عن مدنيي سوريا الذين يستشهدون في سبيل تأمين لقمة عيشهم؟.

لا يستطيع «حزب الله» إقناع أهل بيته بأن معركة حلب هي بالأهمية نفسها لمعركة «القصير» التي أسقطها بيده في العام 2013، لا في السياسة ولا في الشرع. في القصير تمكّن من جعل المعركة عنواناً كبيراً لحرب مذهبية بنى على أساسها أوهاماً ما زال حتى اليوم قادراً على إستثمارها. اليوم يقوم الحزب بخطوات استباقية في حلب يسعى من خلالها إلى «شرعنة» وجوده في سوريا ككل تحسبّاً لأي تسوية دولية يُمكن أن تطرأ بشكل مُفاجئ، ومن هنا يحاول على الأقل تثبيت أقدامه ضمن المناطق التي احتلها أخيراً في شرقي حلب من دون مُقاومة تُذكر، بعد تكفّل السلاح الجوي الروسي بالعملية من ألفها إلى يائها.

يحاول «حزب الله» ربط الأزمة السورية بالأزمات الحاصلة في المنطقة وفرض نفسه كجزء أساسي من الحل، وإلا فالمنطقة برُمّتها ذاهبة إلى خراب. يُقاتل في العراق واليمن وسوريا، ويترك الآلاف من عناصره على جبهات الجنوب احتساباً لأي طارئ. وإذا كان من المُبكر الحديث عن المكاسب الشخصية التي يُمكن أن يُحقّقها في اليمن والعراق وعما يُمكن أن يكون حقّقه يوم تدخّل في حرب البوسنة بحسب تأكيد الأمين العام السيد حسن نصرالله نفسه، إلا أنه في سوريا، يبدو جليّاً أن دخوله لم يكن على الأرجح بهدف حماية بشّار الأسد ولا نظامه، إنما اقتطاع قرى وبلدات سوريّة برمتها تقع في محاذاة سلسلة جبال لبنان الشرقية المعروفة بجبال القلمون وضمها إلى دويلته الخاصة. ومن المؤكد أن أطماع الحزب هذه، لم تعد مُجرّد حلم بالنسبة اليه ولا هي حبر على ورق، بل أصبحت واقعاً يُمكن أن تُدخله في نزاع وربما حروب في المستقبل، بُمجرّد أن تخرج فئة من الشعب السوري، لتُطالب بإنهاء إحتلال بلداتها.

كل الوقائع والمؤشرات تدل على أن «حزب الله» يُمارس ما يتهم به الآخرين. يُقاتل الشعب السوري في بلاده ويُجبره على الرحيل عنها موتاً أو تشريداً، متناسياً أن هذا الشعب، هو من آوى بيئته يوم تعرضت للقتل والإبادة على يد الاسرائيلي. لكن يبدو أن تاريخ نضال الشعب السوري، لم يشفع له في حرب حصدت منه حتّى اليوم، أكثر من مليون شخص ثلثهم من الأطفال، وجرح مليونين على الأقل، وتشريد خمسة ملايين تحت وطأة التمدير المُمنهج لمحافظات وُمدن بأكملها. وفي تلخيص مُجمل لوضع «حزب الله» في سوريا، يتبيّن أنه مُتجه الى تحقيق جزء من مُخططه الرامي إلى تكريس نفسه كمحتل «شرعي» ليس من اليوم فحسب، بل منذ أن دخل في عملية تفاوض مذهبي عنوانها التقسيم العلني وذلك من خلال عملية التبادل السكاني بين سُكّان «الزبداني» و«مضايا» السُنّة، مقابل شيعة «كفرية» و«الفوعة».