IMLebanon

هيلاري خدمت الفلسطينيين من حيث لا تدري!

اذا كان من إيجابية لتحوّل هيلاري كلينتون الى مرشحة الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية الاميركية، فانّ هذه الايجابية تكمن في انّها قطعت الطريق على المرشّح الديموقراطي الآخر برني ساندرز.

لم يكن ساندرز خطراً على اميركا نفسها فقط، في ضوء الأفكار الساذجة التي كان يطرحها من منطلق يساري. كان يمثل أيضاً ما هو اخطر من ذلك بكثير. كان ساندرز الفرصة الوحيدة الاكيدة ليصبح دونالد ترامب رئيساً، أي لوصول شخص يميني يمتلك أفكاراً متهّورة الى البيت الأبيض.

المفارقة ان هناك عرباً كثيرين كانوا يشجّعون ساندرز من منطلق انه مؤيّد للقضية الفلسطينية ولديه اعتراضات على السياسة الإسرائيلية. ليس هناك من شخص يمتلك حدًّا ادنى من الوعي السياسي لا يعترض على السياسة العدوانية التي تنتهجها إسرائيل، خصوصاً في مجال الاستيطان. لكن التنديد بإسرائيل يبقى شيئاً والقدرة على مواجهتها والوصول الى نتائج على الأرض شيئاً آخر. 

لا يستطيع سياسي في واشنطن لا يمتلك أي خبرة من أي نوع على صعيد السياسة الخارجية وحتّى على صعيد التوازنات داخل العاصمة الاميركية نفسها، ممارسة أي دور في مجال التعاطي مع إسرائيل والحدّ من إرهاب الدولة الذي تمارسه. هذا الإرهاب المتمثل في استمرار الاحتلال للضفّة الغربية والعمل على تقطيعها ارباً لقطع الطريق على احتمال قيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة» في يوم من الايّام.

لعلّ السنوات الثماني التي أمضاها باراك أوباما في البيت الأبيض افضل دليل على العجز الاميركي عن التعاطي مع إسرائيل بما يخدم قضية السلام. بدأ أوباما عهده بوعود كان في أساسها اعتقاده بان القضية الفلسطينية يجب ان تكون موضع اهتمام جدي منذ اللحظة التي يدخل فيها الى البيت الأبيض. خاض مواجهات عدّة مع بنيامين نتانياهو الذي استطاع اظهار انّه اقوى منه في الكونغرس وفي كلّ الدوائر الاميركية الأخرى.

لم يكن السناتور ساندرز سوى كارثة متنقلة. كان ترشيح الديموقراطيين له الطريق الأقصر لإيصال ترامب الى البيت الأبيض، في حين ان الحظ الاوفر للفوز بالرئاسة صار الآن لهيلاري كلينتون التي لن يحول دون وصولها الى الرئاسة سوى فضيحة من العيار الثقيل مرتبطة بسلوكها عندما كانت وزيرة للخارجية في النصف الاوّل من عهد أوباما.

ستدخل هيلاري كلينتون التاريخ بصفة كونها المرأة الاولى التي تترشّح للرئاسة. هناك نساء كثيرات ترشّحن قبلها، لكنّ أيٌّ منهن لم تستطع بلوغ موقع مرشّحة الحزب الديموقراطي او الجمهوري. لا يعير الاميركيون والعالم اهتماماً كبيرًا الى انّ هيلاري ستكون المرأة الاولى التي ستصبح رئيسة للولايات المتحدة، أي للقوّة العظمى الوحيدة في العالم. يطغى على شخصية هذه المرأة انّها تلعب دوراً سياسياً منذ ما يزيد على عقدين أوّلاً. أي انها سياسية قديمة لا فارق كبيراً بينها وبين اي شخصية سياسية في واشنطن. الامر الثاني المهمّ انّها تنتمي الى آل كلينتون، أي الى عائلة سياسية معروفة سبق لها ان شغلت البيت الأبيض طول ثماني سنوات، بين 1992 و 2000.

في ضوء هذين الاعتبارين لا وجود لتركيز كبير على ان مرشحة الحزب الديموقراطي ستكون المرأة الاولى التي ستصل الى موقع الرئيس. لن يكون وصول هيلاري الى البيت الأبيض ذلك الحدث التاريخي الذي تمثّل بفوز باراك أوباما، وهو أولّ اسود يدخل البيت الأبيض رئيساً. ربّما لعبت الخيبة التي ولدتها سياسات أوباما دورا في غياب ذلك الفرح الذي يمكن ان يرافق انتخاب امرأة رئيساً.

يبقى السؤال الأساسي ما الذي يمكن توقّعه من امرأة كانت في البيت الأبيض بصفة كونها «السيّدة الاولى»، ثم أصبحت عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك قبل ان تنافس أوباما على ترشيح الحزب الديموقراطي، ثمّ تُسترضى بمنصب وزير الخارجية بين مطلع 2009 ومطلع 2013؟

لعبت هيلاري كلينتون دوراً مهمّاً في الانفتاح الاميركي على ايران عندما كانت وزيرة للخارجية. كانت على علم بالاتصالات السرّية التي بدأت بين مسؤولين اميركيين وآخرين إيرانيين في سلطنة عُمان وبمبادرة منها، وهي الاتصالات التي ما لبثت ان صارت علنية وصولاً الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني الذي وقّع بين ايران ومجموعة البلدان الخمسة زائداً واحداً في تمّوز 2015.

في ما يتعلّق بالشرق الاوسط، لن تختلف هيلاري كثيراً عن باراك أوباما، لكنّها ملمّة بملفاته اكثر بكثير منه. يظلّ السؤال الأساسي هل كانت مستعدة للذهاب بعيداً في استرضاء ايران، بكلّ السبل، بما في ذلك التغاضي عن نشاطاتها في دعم الإرهاب لو بقيت في الخارجية؟ هل كانت مستعدّة لاختزال ملفات الشرق الاوسط بالملفّ النووي الايراني لو كانت صاحب القرار الاوّل والأخير في واشنطن؟

يعتقد كثيرون من الذين تعاطوا مع هيلاري أنّها لن تكون نسخة طبق الأصل عن أوباما لا في ما يتعلّق بإيران ولا في ما يتعلّق بسوريا، خصوصاً لجهة إعطاء روسيا «ورقة بيضاء» للتصرّف في هذا البلد على غرار ما فعل الرئيس الحالي ووزير خارجيته جون كيري.

ستكون هيلاري مختلفة قليلاً عن أوباما. لا يمكن توقّع اختلاف جذري بينها وبين الإدارة الحالية علماً انّ ما تتمتع به من خبرة يجعلها على علم تام بالنشاطات التي تمارسها ايران في المنطقة ومشروعها التوسّعي القائم على الاستثمار في الغرائز المذهبية ان في العراق او في سوريا او في لبنان، وصولاً الى اليمن.

يبقى هل ستتذكّر هيلاري شيئاً عن القضية الفلسطينية في مرحلة لم يعد سوى قليلين جداً في هذا العالم يتذكرون الظلم الذي لحق بهذا الشعب وذلك ليس بسبب السياسات الإسرائيلية فحسب، بل بسبب ما تمثّله «حماس» والعقم الذي تعاني منه السلطة الوطنية الفلسطينية ايضاً؟ 

الثابت أنّ زوجها لعب دوراً مهمّاً في السعي الى تسوية. لم تؤد جهوده الى النتائج المرجوّة، خصوصاً عندما عاد ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، عن موافقته على النقاط الواردة في «الإطار» الذي وضعه والذي كان يمكن ان يشكّل أساساً لتسوية معقولة ومقبولة الى حدّ ما.

ترك تراجع «أبو عمّار» عن وعده بالموافقة على «الإطار» مرارة لدى الزوجين اللذين استضافا الزعيم الفلسطيني الراحل في البيت الأبيض مرّات عدة، بما في ذلك في ليلة رأس السنة 2000 2001.

اكثر من ذلك، ان اتفاق أوسلو وقّع في حديقة البيت الأبيض في عهد بيل كلينتون، كما ان بيل وهيلاري لم يترددا في زيارة قطاع غزّة في العام 1996.

فوق ذلك كلّه، كانت هيلاري كلينتون، عندما كانت «السيّدة الاولى» الشخصية الاميركية الاولى التي تتحدّث عن «دولة فلسطينية» وذلك في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو. 

الأكيد انّ شيئاً ما، قد يكون قليلاً، سيبقى في ذهن هيلاري كلينتون عن القضيّة الفلسطينية لدى عودتها الى البيت الأبيض. لكنّ الخدمة الوحيدة التي ادتها للفلسطينيين في الوقت الراهن تتمثّل في ابعاد برني ساندرز عن سباق الرئاسة.