IMLebanon

كيف للمسيحيين أن يستعيدوا الحقوق والدور وهم يتخبّطون من الرئاسة إلى “تشريع الضرورة”؟

بعدما كثر الكلام على حقوق المسيحيين وتكررت المطالبة باستعادة هذه الحقوق تحقيقاً للمشاركة الوطنية الصحيحة، صار لا بد من عرض الأسباب التي أدت إلى إضاعة هذه الحقوق وعدم المحافظة عليها، ومن أهمها: انقسام القادة المسيحيين حول كثير من المواضيع المهمة وحتى غير المهمة، وهو انقسام جعلهم يفقدون دورهم الفاعل في الداخل وفي الخارج، بحيث لا يمكن استعادته إلا بتوحدهم وعندها لا يستطيع أحد أخذه منهم.

لقد كان الشريك المسلم منذ مستهل عهد الاستقلال يشكو من فائض الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية، خصوصاً بعدما أساء بعض الرؤساء استخدام هذه الصلاحيات على نحو جعل هذا الشريك يشكو من الغبن، فراح يعمل على تقليصها منتهزاً قيام الحرب الداخلية التي لم تتوقف إلا بعد التوصل إلى اتفاق الطائف الذي أعاد توزيع الصلاحيات بين السلطات الثلاث توزيعاً أكثر عدالة وإنصافاً. ولم يستطع القادة المسيحيون الحؤول دون تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الى حد جعلته يملك ولا يحكم لأنهم ذهبوا إلى مؤتمر الطائف وهم منقسمون. وكانت “حرب الإلغاء” هي الأكثر إيذاءً وإضعافاً لهم، لكنهم ما لبثوا أن استفاقوا عند تطبيق دستور الطائف على أن ما تبقى من صلاحيات لرئيس الجمهورية لا تكفي لتجعله حاكماً بل في الغالب محكوماً، خصوصاً عندما تكون الأكثرية في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب ليست أكثرية كما في الماضي وقبل الطائف.

وبعدما انتهت الوصاية السورية على لبنان، وكانت تعمل على شق صفوف المسيحيين وإضعافهم لأنهم كانوا بأكثريتهم الساحقة يطالبون بإنهاء هذه الوصاية، لم يتوصل قادتهم الى الاتفاق على وحدة الكلمة خصوصا في المواضيع المهمة والقضايا المصيرية، فظلت التعددية داخل الطوائف المسيحية في حين أصبحت شبه معدومة داخل الطوائف الاسلامية، ولاسيما الشيعة بعد قيام التحالف الثنائي المؤلف من “حزب الله” وحركة “أمل”. وتراعي إيران هذا التحالف الذي صارت له الكلمة العليا في الانتخابات الرئاسية والانتخابات النيابية وفي تشكيل الحكومات وإلا فقدت ميثاقيتها من دون مشاركة هذا التحالف. واستطاع المسلمون السنّة بتوحدهم أن يأتوا برئيس الحكومة القوي وبنواب مسيحيين في عدد من الدوائر بأصوات غير المسيحيين، كما استطاع الشيعة أن يأتوا برئيس قوي لرئاسة المجلس وبنواب مسيحيين بأصوات غير مسيحية أيضاً، فيما القادة المسيحيون المنقسمون على أنفسهم تتوزع أصواتهم بحيث بات الصوت الأقلي هو الوازن في أكثر من دائرة. وإذا بهؤلاء القادة يستفيقون على واقع يرفضونه ويجعلهم يطالبون باستعادة حقوق المسيحيين وهم المسؤولون عن إضاعتها بسبب انقسامهم وتشرذمهم، وهو ما شكت منه بكركي والفاتيكان. فلا هم اتفقوا على انتخاب رئيس جمهورية قوي كما اتفق المسلمون السنة والشيعة على انتخاب القوي منهم، وذهبت جهود بكركي سدى في محاولاتها المتكررة لجعلهم يتفقون ولكن عبثاً، ثم يطالبون برئيس جمهورية قوي أسوة بالرئيس السنّي والرئيس الشيعي. ولا اتفق القادة الموارنة على وجوب حضور جلسة انتخاب الرئيس سواء بالاتفاق عليه أو بترك الأكثرية النيابية المطلوبة تنتخب من تشاء، بل عمد بعضهم إلى التغيب من دون عذر مشروع عن الجلسات لتعطيل نصابها وتعريض البلاد لأخطار وتداعيات شغور رئاسي طويل الأمد. ولا اتفق القادة الموارنة على ما يسمى “تشريع الضرورة”، فمنهم من قال إنه لن يحضر أي جلسة لمجلس النواب لدرس أي مشروع قبل أن ينتخب رئيس للجمهورية لأن هذا ما ينص عليه الدستور، وأن مجلس النواب يبقى هيئة ناخبة وليست تشريعية إلى أن ينتخب هذا الرئيس. ومنهم من أيد “تشريع الضرورة” خدمة لمصلحة الوطن والمواطن، ولكنهم اختلفوا على تصنيف ما هو ضروري وما هو غير ضروري، فاعتبر بعضهم أن قانون الانتخاب واستعادة الجنسية هما من المشاريع الضرورية التي يجب إقرارها وإلا تغيّبوا عن كل جلسة لا تدرج هذه المشاريع على جدول أعمالها… وكأن انقسامهم على انتخاب رئيس للجمهورية لا يكفي حتى انقسموا على المشاريع التي تعتبر ضرورية وتلك التي لا تعتبر ضرورية، ولا اتفقوا على ألا يكون لمجلس النواب عمل سوى انتخاب رئيس للجمهورية. أضف أنهم غير متفقين حتى على مشروع قانون الانتخاب وذلك بين اعتماد قاعدة النسبية في كل الدوائر أو في عدد منها، أو قاعدة الأكثرية. ومن يعارض درس هذا المشروع يرد على المطالبين بدرسه بالقول إن مجلس النواب أوصى بالاجماع بعدم إقراره إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية لكي يكون له رأي فيه.

هذا التخبط في مواقف القادة المسيحيين، وتحديداً الموارنة، سواء لأسباب سياسية أو مزايدات انتخابية، لن يوصلهم إلى استعادة الحقوق ولا إلى استعادة دورهم ما لم يتفقوا أقله على تحديد المواضيع المهمة والمصيرية وعلى مواجهة الخطر على لبنان بموقف واحد ومن دون أن ينقسموا بين محور وآخر.