IMLebanon

لو تتواضع وزارة الطاقة

السد أكثر من بحيرة اصطناعية تستخدم في ريّ بضعة بساتين، أو خزان مياه لبضع قرى. زراعياً، يفترض بالسد أن يكون الخطوة الأولى لإعادة هيكلة القطاع الزراعي في كل المنطقة المحيطة به، من إعادة تأهيل قنوات الري بما يخدم المزارعين ويسهّل عملهم، إلى تبديل الأشجار كزراعة الـ»ليتشي» والمنغا والغوافة والحمضيات والورد بدل التفاح والدراق والزيتون، علماً بأن مئات مزارع الأسماك والبط والضفادع تحيط بالسدود في مختلف أصقاع العالم.

خدماتياً، يمثل السد فرصة كبيرة لحل أزمة انقطاع المياه التي تعانيها بيروت ومعظم البلدات الساحلية. وإنمائياً، هو إحدى أبرز وسائل توليد الكهرباء. أما الأهم فهو فتحه آفاقاً استثمارية سياحية للمناطق النائية المهملة. ويمكن اعتبار بحيرتي القرعون وبنشعي نموذجين صغيرين عما يمكن ضفة السد أن تكون عليه في حال الموازنة بين غايتيه الخدماتية والزراعية وغايات المستثمرين السياحية. بحيرة سيفان، وهي أشبه بسد ضخم، حوّلت أرمينيا إلى واحدة من أبرز النقاط السياحية في العالم بحكم حج مئات الآلاف في الأعوام القليلة الماضية لتمضية بضعة أيام في مياهها صيفاً وفوق جليدها شتاء.

ثمة مخاوف هائلة من السد لدى مزارعي المنطقة والمستثمرين الكثر لضفاف النهر

في هذا السياق، لا بدّ من تواضع وزارة الطاقة قليلاً وتغيير أسلوبها وأدواتها في شرح أهمية السدود. لا يجوز استمرارها في ترداد العناوين العريضة نفسها، والتشكيك في الخلفية السياسية لكل من يستفسر أكثر. لا بد من تقديم دراسات علمية موثوق بها تنهي اللغط الحاصل في شأن خطر سد جنة. ولا بدّ من تقديمه كمشروع زراعي ــ خدماتي ــ إنمائي ــ سياحي متكامل. فالهدف ليس اقتلاع آلاف الأشجار لتخزين المياه من أجل جرّها إلى بيروت وبعض البلدات الكبيرة؛ بل إحياء المنطقة التي يقام فيها السد سياحياً ودعم المزارعين وتوزيع الكهرباء بسعر مخفوض وتوفير فرص عمل لأبناء القرى المجاورة. أصحاب فكرة سد شبروح تعاملوا معه كخزان مياه فقط لا كمشروع متكامل، لذلك ينتقده بعض جيرانه اليوم مقارنين بين كميات المياه الوافرة التي كانت تسمح لهم بشطف الدرج والطريق العام أمام منزلهم خمس مرات في الأسبوع وغسل سياراتهم مرتين يومياً والكمية المدروسة التي تصلهم اليوم.

هؤلاء لا يحسبون حساب شقيقهم أو ابنتهم التي تشتري حيث تسكن صهريج مياه أسبوعياً. المصلحة الخاصة تتقدم غالباً المصلحة العامة في حسابات لبنانيين كثر، لذلك يفترض إظهار الفائدة العامة والخاصة من السدود. تخوين وزارة الطاقة من يخالفها الرأي وتشكيكها في نياته لا يفيد بشيء؛ ثمة مخاوف هائلة من السد لدى مزارعي المنطقة والمستثمرين الكثر لضفاف نهر ابراهيم. يكاد لا يوجد كسرواني واحد لا يسأل عن فائدة منطقته من هذا المشروع الذي ستذهب مياهه إلى قضاء آخر.

بعيد تقديم وزارة الطاقة دراسة واضحة وموثوق بها بعدم تشكيل سد جنة أي مخاطر جيولوجية، لا بد من أن تقدم كل التطمينات العلمية والميدانية اللازمة إلى مصير قنوات الري ومياه نهر ابراهيم. يفترض بهذا الملف أن يُربح التيار الوطني الحر، ويظهره بمظهر الحريص على توفير حلول مستدامة لأزمتي المياه والكهرباء، إضافة إلى إنعاش قطاعات الزراعة وتربية الأسماك والسياحة في المناطق البعيدة، لا أن يُخسِّره.