IMLebanon

لو تقتدي الطبقة السياسية بالجيش فتضحّي مثله من أجل لبنان ولا تضحي به!

معطلو الانتخابات الرئاسية منذ سنة وأربعة أشهر حرموا اللبنانيين اقامة احتفالات بالاعياد الرسمية الوطنية. فعيد الاستقلال لم يتم الاحتفال به لأن لا رئيس للبنان وهم ينتظرون بفارغ الصبر انتخابه ليكون يوم عيدهم الكبير ويقرعون فيه الاجراس، وقد طال انتظارهم ولا أحد يعرف الى متى! وعيد تحرير اراض لبنانية من الاحتلال الاسرائيلي لا يزال منقوصاً لأن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر لا تزال محتلة. ولم يتمكن اللبنانيون من الاحتفال بعيد الجيش للمرة الثانية لأن لبنان بلا رئيس للجمهورية كي يسلم الضباط الجدد سيوف الشرف والتضحية والوفاء ذوداً عن حياض الوطن، ويكون الاحتفال بهذا العيد بداية الاحتفال بكل الاعياد الوطنية.

لقد مرت سبعون عاما من عمر الجيش اللبناني وهو قصير بالنسبة الى عمر الجيوش. لكن رسالة الجيوش ودورها وانجازاتها لا تقاس بأعمارها. فالجيش اللبناني حقق خلال مسيرته المليئة بالتضحية والوفاء ما لم تحققه جيوش خلال مسيرتها الطويلة، وقد تأكدت وحدته وتماسكه في الأزمات والملمات فكان الجامع المشترك بين اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم، وكان، على عدد المذاهب والمناطق فيه، له مذهب واحد هو لبنان، وحزبه واحد هو لبنان، وتنشئته الوطنية الصحيحة والسليمة جعلت منه مواطناً صالحاً ووطنياً مخلصاً في مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية بحيث لم تتأثر وحدته بالانقسامات السياسية والتوترات المذهبية، خلافاً لما اصابه في الماضي عندما انعكس كل ذلك على وحدة الجيش فأصبح جيوشاً، والحكومة حكومات. اما اليوم فقد بقي الجيش واحداً موحداً وقيادته واحدة، في حين اصبح لبنان محكوماً في غياب رأس الدولة برؤوس وبحكومة كل وزير فيها رئيس، وبعضهم مسؤول بمواقفه غير المسؤولة عن هذا الوضع.

ان لبنان يعيش اليوم في ظل دولة بلا رأس وحكومة تفرض الضرورة بقاءها واستمرارها، وفي ظل مجلس نواب فرضت الضرورة التمديد له مرتين، والله يستر من تمديد ثالث ورابع اذا ظل الحكم يقوم على النكايات وعلى تبادل الاتهامات، وفي ظل عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية وبمصير الوطن، وبتقديم مصلحة الخارج على مصالح وطن معرض للانهيار ودولة فاشلة. لكن لبنان يعيش اليوم في ظل جيش يحافظ على الاستقرار الامني وفي ظل مصرف مركزي يحافظ على الاستقرار النقدي، ولكن الى متى يستطيعان ذلك في ظل دولة لا رأس لها الى أجل غير معروف، وفي ظل حكومة هي شبه حكومة، وفي ظل مجلس نواب هو شبه مجلس، وسط عاصفة هوجاء تضرب عدداً من دول المنطقة، وقد لا يبقى لبنان في منأى منها اذا ظل الزعماء فيه على تناحرهم وكيديتهم بحيث جعلوه يغرق في النفايات عوض ان يغرق بالسياح، لأن بعضهم غرق في سياسة الحقد والانانية والاستقواء بخارج على شريكه في الداخل.

لذلك يعيّد اللبنانيون عيد الجيش على وحدته الوطنية وتضحياته ووفائه للوطن علّ بعض السياسيين يتعلمون منه ويقتدون به. ولكي يبقى الجيش جيش كل اللبنانيين ويبقى كل اللبنانيين للجيش، ينبغي أن يكون وحده مسؤولاً عن الأمن والاستقرار في البلاد، ووحده مسؤولاً عن الدفاع عن الوطن في وجه

أي معتدٍ ولا شريك له في ذلك إلا بالدعم المعنوي والمادي، وأن لا يبقى سلاح غير سلاحه ولا إمرة إلاّ له تنفيذاً للقرار السياسي، ويكون أمر اليوم الذي يصدر عن القائد أمر كل يوم.

لقد نجح الجيش في حماية حدود لبنان مع اسرائيل بالتعاون والتنسيق مع “القوات الدولية”، ونجح في حماية حدود لبنان مع سوريا من الارهابيين و”الداعشيين” لأن الشعب كله وقف معه ولم يكن في أي بيئة فيه من يحتضن سواه، بل كان معه العين الساهرة لمراقبة نشاط كل متآمر عليه وعلى

لبنان.

لذلك يمكن القول مع ما قاله القائد العماد جان قهوجي: “إن تاريخاً سطّره رجال الجيش بالدماء والتضحيات لهو أقوى من أن تعبث به رياح التغيير، وان جيشاً مدركاً لمسؤولياته وواجباته الوطنية ويستمر في اداء رسالته بايمان وارادة صلبة، لهو جدير بحفظ ارث الاجيال وصون امانة الشهداء”، ومع ما قاله في “أمر اليوم” لمناسبة العيد السبعين للجيش: “ان قوة مؤسستكم تكمن في وحدتها وتماسكها وفي بقائها على مسافة واحدة من الجميع بعيداً من أي سجالات داخلية ومصالح ضيقة، كما في التفاف الشعب حولها”.