IMLebanon

في تناسل الفشل!

لم يحجب طنين الممانعة، الواقع وموجباته بالنسبة الى قاعدة «همدان». تماماً، مثلما لم تحجب كثرة الغلط والردح الفاجر، حقيقة «ثورة» السوريين، ولا الدفع باتجاه مصادرتها من قبل العصابات التكفيرية والإرهابية الموبوءة والمشبوهة، ولا محاولات ضربها تحت ستار «الحرب على الإرهاب».

وقصّة «همدان» اختصار سريع جداً ومكثّف لقصّة التدخلات الإيرانية ثم الروسية في النكبة السورية، وفي الحرب ضد معارضي الرئيس بشار الأسد. أي أنها تعبير عن فشل لم يمكن تحويله الى انتصار.. لا بالضخ المبالغ فيه من قبل الماكينة الإعلامية، ولا بالطخ الناري، الذي لم يكسر معادلة عسكرية تقول إن القصف الجوي لا يربح حرباً برية. 

لو أنتجت تجربة «همدانوف» إنجازاً (ولو محدوداً) للطرفين المضيف الإيراني والضيف الروسي، بالنسبة الى مسار المعارك الدائرة في الشمال السوري، لبقيت شغّالة! بل لازدادت وتيرتها وترسّخت وتحولت في ليلة ليلاء، الى أيقونة يحمل أخبارها ممانعو آخر زمن، من أول الأرض الى آخرها! باعتبارها «دليلاً» لا يُخدش حديده» على قدرة «محور البريكس؟!» بل على انتهاء عصر الأحادية الأميركية التي سيطرت على العالم بعد انتهاء الحرب الباردة!. بل على قدرة المحور الناهض فوق ركام سوريا على فرض قراره وإرادته!

سيناريوات التفخيم والتعظيم التي رافقت الاعلان عن نزول القاذفات الروسية الاستراتيجية في «همدان» الايرانية، كانت شبيهة الى حد كبير، بتلك التي رافقت الاعلان عن انطلاق «عاصفة السوخوي» في أواخر أيلول الماضي، لكن مع فارق جوهري، هو أن الإشهار الاعلامي لعب لصالح المحور الممانع في أيلول الماضي. في حين أنه في هذه المرة، كان سبباً رئيسياً لفشل التجربة!

والأمر غريب مجدداً: وزير الدفاع الايراني يأخذ على الروس إعلانهم عن نزول طائراتهم في قاعدة همدان، معتبراً ان ذلك كان عملاً «استعراضياً وينمّ عن عدم اكتراث»! وكأنه يقول، إن الأمر لو بقي سريّاً، لأمكنه أن يستمر، وانسَ يا عزيزي بعد ذلك، أو قبله لا فرق، قصّة «الإشكالية» الثورية الايرانية. و«الحرج» الذي أصاب الايرانيين نتيجة ما قيل عن تخليهم عن سيادتهم المقدسة لصالح الروس! وما الى ذلك من توليفات عصيّة على المنطق!

إلا إذا كان صاحب القرار الايراني يريد القول مواربة، إنه يحق له أن يذهب معتدياً (وليس فقط متدخلاً) على سيادة دول الجوار، كالعراق وسوريا ولبنان، لكنه لا يقبل من أحد، حتى من حليف مُنقذ كالروسي، أن ينتقص من السيادة المقدّسة لبلاده!

.. ثم كأن إيران، لم تشعر بأي «حرج» من انكسارها في سوريا الذي دفعها أساساً الى طلب المدد والعون من الروس! ولم تشعر بـ«الحرج» عندما جاء الروس كأصحاب قرار وليس كملحقين في الشأن السوري! ولم تشعر بـ«الحرج» عندما انكشف حجم التنسيق بين موسكو وتل أبيب. ولا من دفع «قاعدة حميميم» شؤون ذلك التنسيق الى مستويات أعلى ثم أعلى ثم أعلى! ولم تشعر بـ«الحرج» أمام حقيقة أنها لا تتورع عن الإيغال في نكبة سوريا وأهلها طالما أن ذلك مفيد لمصالحها! ولم تشعر بـ«الحرج»، فوق ذلك كله، أمام حقيقة عجزها، برغم كل استثماراتها في الحكم الأسدي، عن إبقاء ذلك الحكم في مكانه، أو ضمان بقائه مستقبلاً، أو قدرتها على وقف أو كسر أو تعطيل جهود وقدرات المعارضة السورية برغم كل ما فعلته ميدانياً!

زبدة القول، إن الفشل الذي أصاب كل محاولات انقاذ حكم الأسد، على مدى السنوات الخمس الماضيات، صار أكبر وأشمل من أن تحجبه مناورة فاشلة، مثل تلك التي حصلت في «قاعدة همدان»!