IMLebanon

في دونالد ترامب!

كاتب هذه السطور، مثله مثل كثر غيره، لم يراهن على دونالد ترامب سوى من زاوية واحدة: تأثيره المرتقب (والحتمي) على كوارث المنطقة العربية والإسلامية في سياق معاكس تماماً للمنحى السلبي الذي ركّزه سلفه السيّئ الذكر باراك أوباما!

والتوضيح صنو التصريح: ترامب صاحب الأجندة (الانتخابية) العدائية إزاء المسلمين عموماً سيرمي بسياسته الهجومية، حبل الخلاص للمسلمين من أسوأ كارثة أصابتهم منذ 1400 سنة، أي من الفتنة المذهبية التي أطلق سمومها الى أوسع مدى، سلفه أوباما بسياساته الانكفائية، وهو الموصوف بـ«الرحابة الفكرية» وبأنّه ضنين بالسلم الدولي ومعادٍ بالفطرة لمنطق الحرب الذي اعتمده سلفه الصقر الجمهوري جورج (دبليو) بوش.

أوباما «الديموقراطي» اعتمد سياسة نعاميّة إزاء مشاريع ذئبية، دخل الى غابة مشتعلة من دون عدّة الإطفائي. وهذه عدّة متأتية من واقع كونه رئيس أكبر وأقوى دولة في التاريخ! ولا يمكن تصوّر أي حريق (كبير أو متوسط الحجم!) في أي بقعة من هذا العالم، من دون أن يكون لهذه الدولة دور فيه. أكان لجهة الإشعال، أو كان لجهة الإطفاء! لكنّه آثر شيئاً آخر، تبيّن يوماً تلوَ يوم، أنّه كارثي بالتمام والكمال.

قد يطول النقاش التحليلي والافتراضي قبل أن يُحسم باتحاه واحد. لكن الواضح في النتيجة، هو أن انكفاء أوباما وأرنبيّته (المقصودة) فتحا الباب واسعاً أمام تسعير يقظة أخطر مشروعين يواجههما العالم منذ نهاية الحرب الباردة: مشروع «الولي الفقيه» الإيراني. ومشروع الأحياء الامبراطوري الروسي.

وطبيعي جداً، بغضّ النظر عن الزخم الذاتي للمشروعين المذكورين، أن يجد أصحابهما فرصة للصعود والتقدم طالما أنّ الطريق مفتوحة على وسعها. وطالما أنّ الدولة العظمى الوحيدة، قررت أن تنسى دورها ووزنها. وأن ترصف أولويّاتها بطريقة تقارب الانعزالية التامّة برغم كونها عسكرياً توزع قواعدها الـ750 على 130 دولة حول العالم! وتجارياً وسياسياً ثقافياً توزّع نتاجها على معظم دول الأرض باستثناء القلعة المقفلة المسمّاة كوريا الشمالية!

تداعيات المشروع الإيراني على العرب والمسلمين، سبقت تداعيات نظيره الروسي. وحملت أخطاراً أوسع مدى وأعمق أثراً. ولم يسبق لها مثيل. لا في تاريخ النزاع المرير والمديد مع الإسرائيليين، ولا في ذلك المتّصل بالمداكشة المترفة مع النظرية الماركسية ومحاولات أصحابها، العبيطة للتمدد في بعض العالم الثالث!

.. الفتنة المذهبية، التي أشعلتها الطموحات القومية الإيرانية، أطلقت أفاعيها في عمق النسيج الاجتماعي الإسلامي. وخلخلت ركائز جسرية كانت مقبولة الى حدّ بعيد، منذ مئات السنين. بل إن مدوّنات التاريخ تقول إن العوامل والمخاطر الخارجية على مدى المرحلة الممتدة، من قيام السلطنة العثمانية في القرن السادس عشر الى مرحلة الاستعمار المزدوج الفرنسي ـــ البريطاني، الى قيام إسرائيل في القرن العشرين، الى الأمس القريب السابق لغزو العراق في العام 2003، طمست الى حدّ بعيد، فوارق الدين والدنيا بين «الضحايا» مذهبياً وطائفياً وما دونهما قبليّاً وعشائرياً ومناطقياً!

ليست صعبة المجادلة في هذه الحقيقة، لكن مع بعض التواضع في الاستطراد. أي مع الإقرار بأنّ المخاطر الخارجية لم تنهِ عوامل الفرقة الداخلية. ولم تغيّب بعض حوادثها تماماً وخصوصاً في لبنان وسوريا والعراق..

ولكن ذلك شيء عَرَضي (وعابر!) (وأصرّ، على التوصيف) وفتنة اليوم شيء آخر! إيران تفرعنت في غيّها وحفرت عميقاً في البُعد المذهبي. واستفادت في الإجمال، من حقيقة غياب الردع الموازي تبعاً لغياب المنطلقات التأسيسية المضادّة. أي لا يمكن سوى للمفتري (والمرشدي الإيراني الهوى) الادعاء بأنّ العرب وسائر المسلمين الأكثريين قاربوا الهم الإيراني من زاوية مذهبية وليست سياسية. أو من زاوية هجومية وليست دفاعية!.

ومع ذلك، فإن إيران لم تتوقف كثيراً عند هذه الأبعاد وإنما عند الموقف الأميركي (المختصر لكل موقف دولي آخر) وراحت تحت سقف تيقّنها ليس فقط من غياب العامل العسكري في الموقف الأوبامي، (واستطراداً الإسرائيلي) وإنماً أيضاً من توجّه تخريفي إحتوائي اهتمّ بالعنوان الذي هو «القنبلة» الإفنائية، وتغاضى عن «التفاصيل» التي هي تمدد نفوذ دولة «ولاية الفقيه» خارج السياقات المألوفة في عالم اليوم، القائمة أساساً على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الخاصة والذاتية، تحت أي عنوان أو حجّة!

إيران اعتمدت البعد المذهبي في سياستها التوسّعية تماماً مثلما اعتمد النازي البُعد العنصري الجرماني في سياسته الخارجية.. ومثلما (على الهامش) حاول فلاديمير بوتين في شرق أوكرانيا والقرم وغيرهما، اعتماده، قبل أن يتبيّن (؟) أنّه أكثر واقعية من نظرائه في طهران!

.. ما يباشره دونالد ترامب، حتى في بداياته، دفعَ وسيدفع أكثر، الجامح الإيراني والطامح الروسي، الى إعادة النظر في حساباتهما. وذلك سيعني قلب الصفحة الفتنوية رضائياً أو قسرياً، وإطفاء بعض حرائقها من اليمن الى سوريا. وهذا شرح يطول! والله أعلم!