IMLebanon

في «الحرج» الإيراني!

 

يبدو غريباً تعمّد البعض في إيران نفي تلزيم قاعدة همدان العسكرية إلى روسيا، أو تحويلها إلى حميميم ثانية.. ومصدر الغرابة هو أن إيران نجحت في مكان ما، في تحويل سلاح الجو الروسي إلى غطاء لدبيب ميليشياتها في معارك الشمال السوري، وإلى أبرز الركائز المانعة لاندحار بقايا قوات الرئيس السابق بشّار الأسد وإصابة الإيرانيين (في المحصلة) بكارثة لا توازيها سوى كارثة خسارة الحرب مع العراق في العام 1988!

يختلف الطرفان في مقاربة كيفية «الحل» المرتجى للنكبة السورية. وفي الحسابات التي تتحكم بتحركهما في تلك النكبة. لكنهما يتفقان على مسائل جوهرية أولها اعتبار «كل» المعارضة السورية إرهابية بالتمام والكمال، وثانيها النظر إلى المكون الأكثري السوري باعتباره فائضاً شبيهاً بالفائض الفلسطيني الذي «ارتأت» إسرائيل أن لا مندوحة من رميه خارج أرضه كشرط واجب ولازم لقيامها على أسس ديموغرافية مريحة لها!

استخدم الإسرائيليون الإرهاب شبه الرسمي في حربهم اللصوصية ضد الفلسطينيين. ويستخدم الإيرانيون والروس تركيبة مختلطة، فيها النار والقتال والإرهاب، ومستوى من العنف الذي لا سقف له، من أجل إكمال، أو محاولة إكمال، رسم خريطة ديموغرافية لسوريا لا تشتمل على ذلك الخلل الكاسح في ميزان مكوّناتها البشرية!

ليس تبصيراً ولا ضرباً في الرمل هذا الكلام، إلاّ إذا تمّ النظر إلى حقيقة خروج نحو ثمانية ملايين سوري من أرضهم ووطنهم إلى المنافي القريبة والبعيدة، ونزوح ملايين آخرين عن أملاكهم وأرزاقهم إلى مناطق داخلية تعتبر أكثر أماناً، على أنها حقيقة نسبية أو مشوّهة أو كيدية!

لم تسيطر قوات المحور الأسدي والإيراني على منطقة صغيرة أو كبيرة، إلاّ وأفرغتها ممن تبقى من أهلها فيها، وعدم السماح بعودتهم. من حمص إلى القصير إلى القلمون إلى الريف الدمشقي والزبداني وغيرها العشرات من القرى التي صارت خراباً تاماً.. وصولاً إلى المحاولة الأخيرة لإفراغ المنطقة الشرقية من حلب بعد حصارها نتيجة السيطرة على معبر الكاستيلو، ومن خلال قصة «الممرات الآمنة» الأثيرة!

قد يفترض البعض أن المسّ الخطير بالتركيبة الديموغرافية السورية يشبه تحريك الجبال من مواضعها! لكن ذلك لا يعدّل المزاج الكئيب ولا يخفّف من وطأة الحقائق التي تُبنى شيئاً فشيئاً منذ خمس سنوات ونصف السنة! ولا يبخّس من صدقية القراءات التي تضع ذلك العنف الوحشي لقوى المحور الممانع الذي لم يترك سلاحاً إلاّ واستخدمه ضد المدنيين وبعيداً عن خطوط القتال المباشر، في سياق استراتيجي كبير يطال الجغرافيا السورية، الطبيعية والبشرية!

وإلاّ ماذا يعني استخدام قاذفات استراتيجية في معارك تكتيكية؟ وأي مواقع «قتالية» تحتاج إلى تلك الأطنان من القذائف التي تُرمى على مساحات شاسعة ولا تترك شيئاً قائماً في أرضه؟ وماذا يعني التدمير الممنهج لكل البنى الفوقية والتحتية في مناطق الأكثرية السورية؟ وكيف يُفسّر الأداء الشيشاني لسلاح الجو الروسي، خصوصاً على مدى الأيام الماضية؟ وقبلها، كيف يُفسّر تنطّح وزير الدفاع الروسي إلى الاستعجال في تبني قصة «الممرات الآمنة» فور سقوط طريق الكاستيلو، وبطريقة أجفلت حتى وزير الخارجية الأميركية جون كيري ودفعته إلى قرع الجرس وتذكير الروس بحدود «التفويض» المعطى لهم؟

غريب أن تغصّ إيران بساقية قاعدة همدان وهي التي بلعت بحر قاعدة حميميم وخطوط التنسيق المفتوحة على مدار الساعة بينها وبين غرف العمليات العسكرية الإسرائيلية! وأن تحاول إظهار شيء من الخضر إزاء وضع إحدى قواعدها العسكرية في خدمة الطيران الروسي، وهي التي تقاتل عبر ميليشياتها المذهبية تحت غطائه الناري! وفي ظل أجندة عمل مشتركة (راهناً!) إزاء مجمل النكبة السورية!

… أحد الأصدقاء الأعزاء أخبرني بأن واقعة قاعدة «همدانوف» «أحرجت» الإيرانيين تبعاً لكسرها أحد أبرز شعارات «الثورة الإسلامية» القائل بـ»لا شرقية ولا غربية».. لكن ذلك في ذاته لا يقلّل من وطأة استغراب الأداء الإيراني في مجمله: يشعر قادة طهران بالإحراج نتيجة المسّ بشعار بائد وغير واقعي، ولا يشعرون بالإحراج إزاء إلحاق نكبة فظيعة بشعب سوريا من أجل سلطة آفلة ومصالح عابرة وأوهام امبراطورية رعناء!!