IMLebanon

في الطبيعة الأولى

كلما انتعشت «سوسة» الشك والتبرّم والضيق من السياسات الاميركية والغربية إزاء النكبة السورية، جاء بشار الاسد شخصياً ويبّسها، وأعاد النصاب الى المنطق الذي يقول في ذروة احكامه، ان اي حل لهذه النكبة مستحيل معه او في «حضوره».

بعد ليل الجمعة الاسود في باريس الذي اودى بحياة 130 شخصاً، انتبه كثيرون الى ان سلّم الاولويات في السياسة الخارجية الفرنسية مالَ باتجاه القبول بدور للطاغية في المرحلة الانتقالية المأمولة.. بل مالَ اكثر باتجاه الاعلان المتدرج عن ان «العدو» في سوريا هو «داعش».

وقبل المواقف الفرنسية وبعدها، بدا ان ذلك هو ايضاً رأي البريطانيين، خصوصاً وان واشنطن قدّمت ما يكفي من مواقف ملتبسة «اوضح» ما فيها انها غير مستعدة للانخراط في «مغامرة» شبيهة بالتي اقترفها جورج بوش الابن مع صدام حسين في العراق.

صحيح ان التعديل في المواقف من دور الاسد في المرحلة الانتقالية كان سابقاً على اعتداءات باريس الارهابية، ولم يقتصر على الفرنسيين والبريطانيين والاميركيين، بل شمل الجميع تقريباً، لكن الصحيح في المقابل، انه لولا الموقف الواضح والثابت للثلاثي السعودي التركي القطري، لكان الاميركيون سلموا معظم اوراقهم السورية الى الروس والايرانيين واعتمدوا بعد ذلك ديبلوماسية التوسّل لـ»إقناعهم» بالضرر الذي يلحقه بشار الاسد بمصالحهم في المنطقة والعالم! والضرورة (المفيدة لهم!) لتغيير مواقفهم منه.

المفارقة، ان الاسد هو من يعيد في كل مرّة تصويب النقاش بالاتجاه الصحيح. ويضيّق هامش المناورة امام حلفائه قبل أعدائه وأخصامه. ويعطي بنفسه، الدليل تلو الدليل، على انه عَبَر خط العودة، وان وجوده او حضوره أو دوره المفترض، هو طارد تلقائي لأي حل تبحث عنه الدول المعنية في هذه الايام.

.. أهل باريس ولندن ومعهم مستر كيري، يطرحون الارهاب كأولوية، فيخرج هو، ليتهم هؤلاء بدعم الارهاب! ثم يستمر في عدميته التي لا تفرق بين معارض وآخر في سوريا، بل يضع الجميع في خانة واحدة هي في عُرفه خانة ذلك «الارهاب».

وذلك في كل حال، أداء قد يكون ضاراً بحلفاء الاسد الذين يحاولون المستحيل لتسويق اي دور له، لكنه يعبّر في خواتيمه عن حجم المأزق الذي وصل اليه.. مثلما يدلّ على «عمق» درايته بمآله الاخير من جهة، وعمق نَفَسه التدميري من جهة أخرى: يعرف تماماً، ان اي خدش في سلطته المطلقة، من نوع «مشاركتها» مع معارضيه وأعدائه لا تعني الا نهايته الاكيدة، ويعرف اكثر، ان المصالح الدولية المتلاقية عند البحث عن «حل سلمي» ستصل الى نتيجة واحدة، هي انه في مقابل الحفاظ على ما تبقى من «الدولة» السورية لا مهرب ولا فكاك من حتمية إنهاء «السلطة الاسدية»!

قد يبدو في الشكل وكأنه مرتاح الى وضع الارهاب كأولوية دولية راهنة، لكنه يعرف اكثر، في نهاية المطاف (وبدايته) ان توافق الحد الأدنى إزاء ذلك المعطى العبثي التدميري الموبوء والمشبوه، سيصل حتماً الى شيء مماثل إزاء شخصه وسلطته. ولذلك فهو غير معني اليوم، مثلما كان دائماً منذ أول يوم في درعا، بأي شيء اسمه حل وسط او تسوية، ولا يرتاح لأي تقارب او التقاء يحصل اقليمياً ودولياً.. والا خان طبيعته الأولى، وما كان بشار الاسد!