IMLebanon

في يومها العالمي… المرأة تناضل لانتزاع أبسط حقوقها

يشكّل اليوم العالمي للمرأة في 8 آذار من كلّ عام فرصةً للتذكير بوضعها، ومطالبها، وحقوقها المهدورة، وأيضاً إنجازاتها. تحتفل المرأة اللبنانية في عام 2016 بهذا اليوم وقد توصّلت إلى نَيل بعضٍ من حقوقها، فيما لائحة المطالب لا زالت طويلة، وحقّها بالمساواة بعيد المنال.

لا يَعرف عدد كبير من النساء في لبنان، لا حقوقهنّ التي يضمنها القانون، ولا تلك التي لم يعترف بها بعد، بينما تناضل مؤسسات المجتمع المدني لإرسائها، حفاظاً على نصف المجتمع أو حتّى عليه كلّه. فحقوق المرأة هي حقوق الإنسان، والمجتمعاتُ التي تضمن هذه الحقوق تتّجه نحو بناء الدولة المتطوّرة والمنفتحة، القائمة على السلام والحوار والديمقراطية.

بين الدستور والقوانين

لا يخفى على أحد في هذه المناسبة أنّ دستورنا يحفظ حقّ المرأة اللبنانية ويكرّسه، وينصّ في المادة 7 منه على أنّ «كلّ اللبنانيين سواءٌ أمام القانون، يتمتّعون بالحقوق المدنية والسياسية ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم».

ولكن يبدو جليّاً أنّ النظام الطائفي في لبنان واستشراء العقلية الذكورية، همّشَت المرأة وأهملت حقوقَها على مدار السنوات المنصرمة. فلم يكن المجتمع يلتفت إلى امرأة تُضرَب في بيتها مثلاً، على اعتبار أنّ ذلك شأن خاص، وكأنها ملكٌ لزوجها ويحقّ له «تهذيبها» حتّى الموت. كما أهملَ المجتمع وعرقلَ سياسيّوه وممثلو الطوائف فيه إقرارَ العديد من أبسط الحقوق والقوانين المتعلّقة بشريحة تشكّل أكثرَ من نصف المجتمع.

تحصيل الحقوق… إنجاز

ينظر النائب ميشال موسى بإيجابية وتفاؤل إلى تمكّن النساء من انتزاع بعض حقوقهنّ المشروعة، ويرى في حديث لـ»الجمهورية» أنّ «إقرار قانون حماية المرأة من العنف الأسري وحماية الأسرة في نيسان عام 2014، شكّلَ تقدّماً كبيراً في إطار حمايتها، على رغم تحفّظ مؤسّسات المجتمع المدني على نقاط معيّنة فيه».

ويلفت إلى أنّ إقرار هذا القانون «دليل على أنّه في مواضيع تلامس الأحوال الشخصية، يستطيع مجلس النواب إيجاد قواسم مشتركة بين مختلف الطوائف وإحراز التقدّم».

ويُذكّر أنّ أبرز تحفّظات الجمعيات النسائية على هذا القانون تَمثَّل بعدم اعتراف الدولة بالاغتصاب الزوجي على أنّه جُرم، لوجود مفهوم ديني خلفه، فصنّفته في إطار «الحقوق الزوجية»، علماً أنّ الإكراه على الجُماع يُعتبَر اغتصاباً بالنسبة للمتزوّجين أو غيرهم.

مع قانون مدني للأحوال الشخصية

يتطرّق موسى إلى قوانين الأحوال الشخصية في لبنان ويأسف لوجود اختلاف في الحقوق حسب المذاهب، «فلكلٍّ وجهةُ نظره في بلدٍ متنوّع». ويؤكّد

أنّ «اقتراحات عديدة قُدّمت من أجل إرساء قانون مدني عام لكنّها ارتَطمت بصعوبات جمّة بسبب الحقوق المعطاة في الدستور للطوائف في كلّ نواحي الحياة، وخصوصاً في مواضيع الأحوال الشخصية».

المطالبة بقانون مدني موحَّد للأحوال الشخصية في لبنان ليس انتقاصاً من سلطة الطوائف، بل هو السبيل الوحيد للحدّ من زواج القاصرات في لبنان، ولجعلِ النساء اللبنانيات متساويات في الحقوق والواجبات. فقانون مدني منصِف بحقهنّ قد يحرّرهن من قوانين الطوائف التي أرسَت إلى حدّ كبير التمييز بحقهنّ وكرّست سلطة الرَجل وسيطرتَه عليهنّ.

علماً أنّ القوانين اللبنانية لا تسري على المواطنين اللبنانيين فحسب إنّما تَشمل المقيمين على الأراضي اللبنانية، وبالتالي النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين وغيرهم… ويتوقّع أن يحدّ وجود قانون مدني موحّد من هَول مآسي الفتيات والنساء الأكثر فقراً في لبنان، خصوصاً لجهة تزويجهنّ في سنّ مبكرة.

وفي السياق عينه، توافق مؤسِّسة ومديرة منظّمة «أبعاد» غيدا عناني على أنّ «القانون الموحّد للأحوال الشخصية يسعى لتحقيق نوع من العدالة والإنصاف ما بين النساء والرجال».

وتَلفت في حديثها لـ«الجمهورية» إلى أنّ وجود هذا القانون «يعالج التمييز في حقّ النساء في بعض قوانين الأحوال الشخصية لجهة رفعِ سنّ الزواج، كما يحدّد سنّ الحضانة وقيمة النفقة وتداوُل الإرث وحقّ النساء في تسفير أطفالهنّ حيث تعاني المرأة من التمييز ضدها، لأنّ القوانين الحاليّة باتت قديمة ولا تأخذ في عين الاعتبار تغيّرَ السياق الثقافي والاجتماعي مع مرور الوقت».

القرار بيَده وأنتِ مستسلمة

ربّما لن تستطيع المرأة اللبنانية إيصالَ صوتها فعليّاً والحصول على حقوقها، إنْ لم تتمكّن من اختراق مراكز القرار. فالرَجل المحتكر للسلطة في لبنان منذ نشوء الدولة اللبنانية لن يَهبها هذه الحقوق بسهولة إنْ لم تبادر إلى منافسته سياسياً وتبَوُّء المراكز الرفيعة واستلام زمام السلطة، الذي يُعتبر من أبسط حقوقها أيضاً.

ولكن يبدو أنّ إنصاف المرأة قانونياً وتكريس الدستور لحقّها في الانتخاب وفي الترشّح لم يكن كافياً، فالتوريث السياسي السائد في لبنان وقفَ عائقاً أمام وصولِها إلى الندوة البرلمانية. في مجتمع ذكوريّ لا تصل امرأةٌ عن طريق الوراثة السياسية إلى البرلمان أو إلى مراكز القرار إلّا بغياب وريثٍ رجل، كما أنّ الأحزاب إجمالاً لم تدعم النساء وتوصِلهنّ إلّا في حالات نادرة، ما أدّى إلى سيطرة الرجل في المعترك السياسي.

وتقدّم عناني سبباً جوهرياً آخر يتعلّق بعدم دخول المرأة المجالَ السياسي، فتركّز على استسلامها، رغمَ تمتّعها بالإمكانيات والمؤهلات، «فالمرأة غائبة عن المجال السياسي، ليس فقط بسبب العقلية الذكورية، إنّما للأسف لأنّ النساء أنفسَهنّ لسنَ مقتنعات بأنّهن قادرات على لعب هذا الدور».

وبهدفِ دعم المرأة لدخول المعترك السياسي، تطالب منظّمات المجتمع المدني اليوم بكوتا نسائية لا تقلّ عن 30 في المئة في الانتخابات البلدية والنيابية. وفي حين بات محسوماً أنّ الانتخابات البلدية في حال تمّت في أيار المقبل ستكون بحسب القانون الانتخابي القديم، لا زالت المعركة مفتوحة لإرساء الكوتا في القانون النيابي الجديد.

وفي هذا السياق يقول موسى: «يُجمع مختلف الأفرقاء على أنّ دخول المرأة المعترك السياسي بنفسها من خلال الانتساب الحزبي هو الحلّ الأفضل»، ولكنّه يؤكّد أنه «بانتظار ذلك نحن لسنا ضدّ وضعِ كوتا للمرأة في قانون الانتخابات، وذلك لفترة انتقالية من أجل تغيير العقلية العامة السائدة في المجتمع الشرقي وفي لبنان».

أبناؤها غير لبنانيين

ولا بدّ من أنّ الذهنية البطريركية في لبنان تَحول أيضاً دون منحِ المرأة حقَّ إعطاء جنسيتها لأبنائها. ويشير موسى إلى أنّ «هذا موضوع يشهد نزاعاً كبيراً في البلاد، وتتضارب في إطاره آراء مختلفة، خصوصاً بسبب وجود مخاطر تتمثّل بالنزوح السوري الكثيف واللجوء الفلسطيني، ما يشكّل أحدَ أبرز العقبات في المناقشات التي تحصل في مجلس الوزراء».

وفي حين يخشى الرأي السياسي السائد أن يشكّل إقرار هذا القانون باباً لحصول العديد من الفلسطينيين المتزوجين من لبنانيات على الجنسية اللبنانية، تَعتبر عناني أنّ «ما يقال عن أنّ منحَ المرأة جنسيتها لأبنائها يمسّ بقضايا سياسية لها علاقة بالتوازن السكّاني والطائفي في لبنان ليس سوى حجج».

المرأة تدفع ثمن المجتمع الذكوري

وترى مؤسِّسة ومديرة منظمة «أبعاد» أنّ «النسيج السياسي والاجتماعي اللبناني يشبه الدوَل العربية وتَحكمه الذهنية البطريركية وذكورية التفكير والممارسة، التي تنعكس في غياب السياسات الاجتماعية وفي التشريع والإعلام».

أمّا النائب ميشال موسى فيشجّع المرأة اللبنانية في نضالها، ويؤكّد أنّها «تتمتّع بالفكر والعِلم والمؤهّلات والكفاءات»، ويضيف: «المطالبة والنضال بكلّ الوسائل المشروعة هو الطريق من أجل انتزاعها لحقوقها».