IMLebanon

في أشياء النكبة..

لم تتمكّن التركيبة القتالية التقليدية القائمة على استخدام الطيران والقصف البراميلي والصاروخي والمدفعي الكثيف والمركّز لمواكبة هجمات قوات برية نظامية تعود إلى بقايا جيش الأسد، وميليشيوية تعود إلى «حزب الله»، وعلى مدى مئة يوم وأكثر، من حسم معركة كبيرة واحدة في بلدة واحدة متوسطة الحجم اسمها الزبداني، وتقع في نقطة استراتيجية بالغة الأهمية… ومع ذلك يحاول الضخّ الممانع المرافق للهيجان الروسي الراهن، أن يبيع العالم من الآن، خواتيم وخلاصات حاسمة تتعلّق بكل جبهة الشمال وصولاً إلى دمشق نفسها، وعلى طريقة التاجر المحتال الذي يريد أن يبيع الناس سمكاً لا يزال في البحر!

نجحت الموجات الأولى من اعلان الانخراط الروسي، في إحداث صدمة سياسية كبيرة، لكن تبيّن (مرة أخرى) أن ذلك الإعلان أكبر من حقائق الميدان! وأن التبعات الحربية المفترضة لم تتحقق حتى الآن! ولم يخرج الأداء العسكري البوتيني كله من دائرة القصف عن بُعد، وهذه نتائجها لن تختلف بالمعنى السياسي عن نتائج «القيادة عن بُعد» التي اعتمدها مستر أوباما على مدى السنوات الماضية ولم تنتج شيئاً غير زيادة الأزمة السورية تعقيداً، وتثبيت شطارته في الحكي. وهو رئيس أكبر وأخطر دولة في العالم، وعلى طريقة طلاب كسالى في علوم الكيمياء داخل المختبرات: جرّبنا هذه التركيبة ولم تنجح! وجرّبنا تلك التركيبة وكانت ناقصة! وغير ذلك من الفذلكات اللغوية التي لا تليق بأحد!

آخر هذه الفذلكات، كان ادعاءه بالأمس أنه جنّب أميركا تكرار تجربتي أفغانستان والعراق! مع أن الكبير والصغير والجاهل والخبير يعرف أن أحداً في هذه الدنيا لم يطلب إنزال «المارينز» في سوريا ولا احتلالها! بل «إنزال» موقف سياسي حاسم بدعم المعارضة فعلياً والسماح بتسليحها بما يفيدها..

والمفارقة، أن ذلك هو ما بدأت تفعله إدارة مستر أوباما في هذه الأيام! ما دفع بوتين بنفسه إلى إبداء توجّسه و»قلقه» من إسقاط خمسين طناً من المعدات العسكرية الأميركية في منطقتي الرقّة والحسكة ومن احتمال وصولها إلى غير موضعها؟!

خمسون طناً من دون أسلحة نوعية، دفعت بالرئيس الروسي إلى إبداء القلق! فكيف سيكون الحال لاحقاً مع ما هو أكبر وأهم؟ ومع ذلك، تريد الماكينة التعبوية الممانعة أن تشيع سلفاً مناخات الحسم وأن تقطف ثماراً واقعية من شجرة أوهامها: تتحدّث عن سيناريوات ميدانية تحتاج إلى عشرات الألوف من المشاة فيما الرقم الذي تعلنه لا يتعدى السبعة آلاف من مقاتلي «حزب الله» وبقايا السلطة الأسدية و»الخبراء» الإيرانيين! وتتحدّث عن «تحرير» مساحات جغرافية شاسعة في إدلب وريف حلب ودير الزور وسهل الغاب فيما هي عجزت عن حسم معركة الزبداني المحصورة والمحاصرة في حيّز جغرافي لا تتعدّى مساحته بضعة كيلومترات! والأنكى من ذلك كله، هو أنها تتجاهل عمداً وقصداً خبراً كبيراً من نوع أن «داعش» احتل مدرسة المشاة في منطقة حلب أول من أمس، وسلّمها أمس تسليم اليد إلى البقايا الأسدية! عدا عن استمرارها في تجاهل واقعة أن الرفيق بوتين، لا يفعل أي شيء، أي شيء، يمكن أن يضرّ إسرائيل من قريب أو بعيد، وتكتياً أو إستراتيجياً!

.. كم هي كبيرة وصعبة واستثنائية نكبة شعب سوريا؟ وكم هو كبير واستثنائي ذلك التكالب على الفتك به؟!