IMLebanon

التهويل باستقالة الحكومة مسموح به والمحظور أن يترك “المستقبل” جنّة السلطة

الأزمة التي تعايشها البلاد في المرحلة الراهنة لا تقل في نظر بعض المراقبين المحايدين خطورة ووطأة عن كل الأزمات التي مر بها لبنان بعيد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. الأزمة من حيث الشكل مزدوجة: أزمة داخل الحكومة في أعقاب “انتفاضة” “التيار الوطني الحر” كخطوة أولى على طريق استعادة الحضور، وأزمة إزالة النفايات من الشوارع والاحياء ونقلها الى مطامر أو محارق أو معامل للمعالجة. أما في الجوهر فان للازمة المتوالية فصولاً في بعض دوائر الرصد والقرار أربعة أدلة وأبعاد على رغم تشعبها واندراجها تحت مسميات وتحليلات شتى:

الاول: الصراع على المصالح وتقاسم مغانم السلطة وموارد الدولة بين القوى التي اعتادت الاستفادة وأدمنت الاستحواذ على الحصص الجاهزة والمحددة.

وهذا الأمر ينطبق أكثر ما يكون على ملف النفايات الذي انتشرت روائحه الكريهة على اتساع الوطن وما نجم عنه من تداعيات وتعقيدات. فهذا الملف كان من المفترض ايجاد حلول له كما هو واقع الحال منذ نحو عقدين من الزمن، ولكن ما استجد وفضح المستور – المعلوم وعسّر التسويات وعرقل الاتفاقات ووضع الحكومة والبلاد معاً على شفا حفرة من التداعي، هو الخلاف على الحصص والنسب بين أربعة اسماء يتم تداولها حالياً وهي عملياً محسوبة على فريق سياسي بعينه (“المستقبل”) خصوصاً بعد اقرار مبدأ تقسيم لبنان الى خمس مناطق أي خمسة مطامر وخمس شركات تجميع ونقل. وما استجد أيضاً شعور لم يكتمه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بأن ثمة غبناً متعدد الوجه يلحق به من جراء الوضع المألوف والوضع الذي سيتم الانتقال اليه لاحقاً. وفي الأساس أن عمق الخلافات سببه غياب الرأس الكبير القادر بهيبته على ضبط التناقضات وفرض الحصص وايجاد التسويات، وتالياً الحيلولة دون انفجار الازمات وبلوغها حد الاستعصاء على نحو ما بلغته أخيراً.

الثاني: اختلاط الاوراق وضياع بوصلة الاولويات ودخول المنطقة في مرحلة انتقالية بعد الاتفاق النووي المبدئي بين ايران والغرب.

ففي هذه المرحلة بقي الصراع الاقليمي على أشده، لا بل ارتفع منسوباً في بعض الساحات، فضلاً عن ان اللاعبين الكبار ليسوا الآن في وارد الولوج الى الملفات الفرعية او حل الصراعات والتجاذبات في العديد من ساحات المنطقة وميادينها الملتهبة. وعليه يمكن القول إن كل الاطراف اللبنانيين يعيشون مرحلة تيه وضياع حيال ما ينتظرونه وأمام ما هو مطلوب منهم فعله في ظل تشوش الرؤي في العواصم الاقليمية المعنية.

وفي هذا المشهد المفتوح على الانتظار يبدو انه لم يعد بمقدور الاطراف المحليين ضبط أنفسهم وايقاع حراكهم تحت العناوين العريضة التي كانوا يستظلونها ويستهدون بها منذ حدث تشكيل الحكومة الحالية، والقائمة على الآتي:

– الحفاظ على الحكومة “السلامية” بما هي اطار ربط نزاع.

– الحفاظ على شبكة الامان والاستقرار الأمني والحيلولة دون اي انزلاق نحو الانفجار.

– الحفاظ على مستوى الحد الأدنى من الاشتباك السياسي.

الثالث: ثمة من يزعم، وخصوصاً في دوائر قوى 8 آذار، ان الفريق الآخر ولا سيما “تيار المستقبل” كان أكثر العاجزين عن المضي ضمن الأطر والعناوين المعلومة. لذا فأزمة النفايات والعجز عن حلّها في الوقت المعقول هي في جزء أساسي منها عجز عن ضبط المحسوبين عليه. وفي رأي الدوائر عينها أن ما حصل على اوتوستراد الجنوب أيام الأحد والاثنين والثلثاء الماضية تخطى في تفاصيل مجرياته مسألة الاعتراض على نقل النفايات الى منطقة اقليم الخروب، إذ ثمة من جعله محطة لتصفية الحسابات ومنصة لتوجيه الرسائل في أكثر من اتجاه من الطرفين الأساسيين اللذين يبسطان نفوذهما على هذه البقعة الجغرافية. فجنبلاط له حساباته الممتدة وهو يريد أن يفهم الداخل والخارج على السواء انه يملك أوراق اللعب الاساسية في الامن والسياسة. أما التيار الآخر فقد أرادها “فركة اذن” قاسية أو فشة خلق لجمهور “حزب الله” وحركة “أمل”. ولم يعد خافياً أن الاحتقان بلغ أوجه في أوقات معينة ولكن قدرة الضبط عند الثنائي الشيعي حالت دون أي انزياح نحو الاشتباك وذلك للغاية المعروفة وهي استقرار الداخل. إلا أن الخطورة كل الخطورة هي في تكرار مثل هذا المشهد خصوصاً أن بعض نذر ردود الفعل عليه قد ظهرت، وإن محدودة، في بعض شوارع العاصمة.

الرابع: سعي بعض الافرقاء الى تكريس معادلات قائمة ومحاولة بعضها الآخر إحداث تحولات فيها، والأمر الأخير ينطبق أكثر ما يكون على التيار البرتقالي الذي تجرأ على فتح أبواب المواجهة في لحظة اقليمية وداخلية يراها مناسبة جداً، فهو يعرف قيمة استمرار الحكومة بالنسبة الى الخصم، ويعلم حساسية التيار الازرق حيال أي طلب يتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة ويدرك في الوقت عينه ان حليفه ثابت معه.

“الفوضى” الحاصلة في الاولويات والرؤى، والعجز عن اجتراح الحلول وضبط التناقضات هي الثمن الطبيعي لمرحلة الانتظار التي وفق تقديرات الجميع انها ستطول وستشهد حتماً حماوة في المواجهات في كل الساحات.

لكن الثابت لدى دوائر القرار في 8 آذار ان “تيار المستقبل” ليس في وارد التضحية والتفريط بالحكومة الحالية والسماح لرئيسها بالذهاب الى أقصى الاحتمالات السلبية، والمسموح به هو التهويل فقط. أما أن يترك “تيار المستقبل” جنة السلطة فأمر غير جدي إذ أن ترك السلطة بالنسبة اليه هو قصة موت معلن. وأما أقصى الاحتمالات المتاحة فهو أن يذهب سلام الى أحد أمرين: إما عدم دعوة الحكومة الى الالتئام، واما عدم الذهاب الى السرايا، اي الاعتكاف، وهي تجربة لها ما يماثلها في تاريخ الحكومات.