IMLebanon

هل «حزب الله» إرهابي.. وهل تساعده فرنسا؟

الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الذي دمَر العراق بناء على كذبتَي أسلحة الدمار الشامل، والقاعدة، يقول في مذكراته: «كنت أريد أن أرى ضرراً كبيراً يلحق بـ«حزب الله» ومن يقومون بدعمه. أردت أن تكمل إسرائيل المعركة. وكانت استراتيجيتنا على المدى الطويل، تقوم على عزل إيران وسوريا كوسيلة للتقليل من تأثيرهما وتشجيع التغيير من الداخل، ولكن للأسف فإن إسرائيل جعلت الأمور أكثر سوءاً، ففي الأسبوع الثالث للنزاع (حرب 2006)، دمّرت المقاتلات الإسرائيلية بناية سكنية في بلدة قانا اللبنانية، وراحت التلفزيونات في الشرق الأوسط تعرض صور الدمار على مدار الساعة، ودب القلق عندي من أن يؤدي الهجوم الإسرائيلي الى إطاحة حكومة فؤاد السنيورة، فأرسلت كوندي (كوندوليسا رايس) إلى الأمم المتحدة للتفاوض على القرار 1701، وقد كلّف الأداء العسكري المهتز إسرائيل مصداقيتها».

ويكشف بوش في كتاب مذكراته أنه بعد حرب آرييل شارون على الفلسطينيين في العام 2002، ذهب الى شرم الشيخ للقاء القادة العرب ففوجئ بمواقفهم، ويقول: «نظراً للدماء التي سالت قبل فترة، كنت أنتظر لقاءات متشنجة مع القادة العرب، ولكن مفاجأتي كانت كبيرة بأن الأجواء كانت مريحة وودية».

على المنوال نفسه يغزل شريكه في حرب تدمير العراق، رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، فيقول في كتاب مذكراته أيضاً: وراء الكواليس، كان كثيرون حتى في الشرق الأوسط، من أولئك القلقين من العلاقات بين إيران و«حزب الله»، ومن أن «حماس» باتت وكيلة للقوة الإيرانية، كانوا يرغبون في أن تدمر إسرائيل «حزب الله».. وحين طال أمد الحرب أكثر من المتوقع، شعرت، أنا الذي كنت من بين ندرة تتفهم وجهة نظر إسرائيل، بألم كبير.

ماذا نفهم من مذكرات بوش وبلير؟

نفهم ببساطة، أن الرجلين كانا يريدان أن تدمر إسرائيل «حزب الله» و«حماس» وتعزل سوريا وإيران.

وحين جاء وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول في أول لقاء مع الرئيس بشار الأسد في 3 أيار 2003، مقترحاً عليه، كي يتجنب غزواً مدمراً كالذي حصل في العراق، أن يطرد التنظيمات الفلسطينية وخالد مشعل. كان موضوع «حزب الله» هو أحد أبرز أهداف الزيارة أيضاً. قال باول محذراً: «النقطة الأخرى التي أرغب بالتحدث بشأنها، وطبعاً قد بحثناها مسبقاً وأعلم أن جميع الوفود التي أتت إلى هنا قد طرحتها معكم سيادة الرئيس، هذه النقطة تتعلق بـ«حزب الله». طبعاً ما زال لدينا بعض الإشارات التي تدل على ان دعم «حزب الله» مستمر من خلال شحن بعض المواد إليه عبر سوريا، ونريد أن نطلب منكم مجدداً إيقاف هذا النوع من النشاطات. نحن لدينا طرقنا للمراقبة بحذر شديد ومعرفة كيفية تحرك هذه الشاحنات. وكنا طبعاً قد ناقشنا هذا الأمر مسبقاً حين ناقشت الولايات المتحدة أهمية عدم التسبب بأي دمار أو اضطرابات على طول الحدود الشمالية في إسرائيل، وبصراحة من الأفضل أن يكون هناك إيقاف للعمليات العسكرية، ووفقاً لاتفاق سابق يجب أن تتحرك القوات العسكرية اللبنانية باتجاه جنوب البلاد وأن تأخذ مواقعها هناك، وهذا ما نأمله». (راجع كتاب الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج).

الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما الذي تعرّض لصفعات عديدة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يتردد حتى بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، في توقيع قانون يوسع العقوبات على «حزب الله» بتأييد كبير من الديموقراطيين والجمهوريين. إسرائيل تجمع الحزبين.

قد يقال إن كل هذا طبيعي، فما هو الجديد؟

الجديد أن وضع دول الخليج «حزب الله» على لائحة الإرهاب ليس أمراً عابراً أو مجرد ردة فعل. هذا تطور لافت في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، حتى ولو أن خلفيته قلق بعض الدول الخليجية من «التمدد الإيراني» ومن «هيمنة حزب الله» على الدولة اللبنانية. إسرائيل ستستغل الأمر الى أقصاه في سياق التمهيد لحربها المقبلة مع الحزب وسعيها لمنع إيران من لعب دور أكبر.

جاء القرار الخليجي فيما ترتفع نسبة المقاطعة الغربية للمستوطنات الإسرائيلية وتأييد الغرب لإقامة الدولة الفلسطينية. جاء أيضاً في ظل فشل إسرائيل في تسويق صورتها العربية. أفضل مثال هو الحذاء الذي رماه نائب مصري على زميله لأنه استقبل السفير الإسرائيلي في القاهرة. ثم إن الانفتاح يساعد إسرائيل اقتصادياً عبر تسهيل عبور الطائرات والحصول على النفط ومشتقاته، وإقامة مشاريع تنموية مشتركة وبيع السلاح.

تطورات ديبلوماسية قريبة

تدرك بعض الدول الغربية والعربية، أن القرار الخليجي بوضع «حزب الله» على لائحة الإرهاب، قد ينعكس خطراً في الكثير من الساحات، وبينها لبنان. وتطرح الأسئلة التالية:

ـ هل بالإمكان التعامل مع السياسة اللبنانية بلا «حزب الله»، وهو أحد أهم أركانها مع حلفائه اليوم؟ فرنسا كانت أوفدت رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه في أواخر العام الماضي لرصد موقف الحزب.

ـ هل تصمت إيران إذا شعرت أن أبرز حلفائها في المنطقة مستهدف؟.

ـ هل ثمة دلائل فعلية على أن عمليات إرهابية لـ«حزب الله»؟.

ـ أليس احتواء «حزب الله» أفضل من «أن نحرجه فنخرجه؟».

سمع الأمير محمد بن نايف في باريس مثل هذه الأسئلة، كما سمع رغبة في أن يصار الى إعادة النظر بالقرار الخليجي بالرغم من «تفهم باريس له». وقد جرت اتصالات فرنسية مع السعودية وإيران بهدف «حماية لبنان»، كما نشطت اتصالات إيرانية غربية. وسوف نشهد تطورات ديبلوماسية قريبة قد لا يكون الرئيس نبيه بري بعيداً عنها. كما أن وزير الداخلية نهاد المشنوق العارف جداً بالداخل السعودي، والمستمر على قناعته بأن حماية البلد تتطلب تعاوناً بين «المستقبل» والحزب، التقط الكثير من هذه المؤشرات، وهو يلعب دوراً مركزياً في ذلك، وفق مصادر فرنسية.

ماذا بعد؟

الجواب هو في سوريا أولاً وأخيراً. تميل الأجواء أكثر فأكثر لمصلحة محور روسيا ـ إيران ـ الأسد ـ «حزب الله» المستمر صوب حلب وإدلب وغيرها.

القيادات الروسية تؤكد على حتمية مواجهة أنقرة بالقوة لو تدخلت. اضطر رئيس الوزراء التركي لزيارة طهران. سبق الزيارة قرار من اللجنة القضائية في الكونغرس الأميركي تضع «الإخوان المسلمين» على لائحة الإرهاب. سبقته أيضاً تصريحات أميركية تعارض الموقف التركي حيال الكرد. صار همّ أردوغان فقط منع قيام دولة كردية في الشمال السوري. المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا يتبنى وجهة النظر السورية الإيرانية الروسية القائلة بأن «الشعب السوري يقرر مصير الأسد»، يبدو كمن يرد على وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي يكرر أن الأسد يجب أن يرحل، مضيفاً، أن رحيله يجب أن يسبق أي تسوية.

ما هو المطلوب في هذه المرحلة الحساسة؟

÷ أولاً ـ أخذ التعبئة الإسرائيلية ضد الحزب على محمل الجد.

÷ ثانياً ـ الاستمرار في تنشيط الحركة الديبلوماسية لتخفيض مستوى التوتر في الخطاب وعلى الارض.

÷ ثالثاً ـ أن يبدأ «حزب الله» بوضع أساس خطاب عربي جديد يعيد البوصلة الى مكانها الطبيعي.

ربما للسيد حسن نصرالله مبرراته الشرعية والتعبوية والسياسية للقول بأن «أشرف وأعظم» ما فعله في حياته هو خطابه في ثاني أيام الحرب السعودية على اليمن. لكن مثل هذا الكلام، ومهما كانت مبرراته الآنية، إلا أنه يساعد خصوم الحزب على اتهامه وإيران بالتورط في دول عربية، أكثر مما يساعد صورته كحزب مقاوم له شعبية ليست بالضرورة شيعية او مؤيدة لإيران. كما أنه قد لا يلقى صدى عند العمق العربي السني في بعض الدول.

يخطئ بعض قادة الخليج بتحميل اللبنانيين تبعات صراعهم مع إيران والحزب، ويخطئون أكثر إذا ما صدّقوا في لحظة المواجهة مع طهران، أن إسرائيل ضرورية، فجل ما يريده التعصب الإسرائيلي الحاكم حالياً والذي سيتفاقم في المستقبل، هو مزيد من النيران العربية العربية والإسلامية الإسلامية ومزيد من تقسيم المقسم. وطالما أن القادة العرب السنّة لم يقدموا بديلاً موثوقاً عن «حزب الله» وإيران في الصراع مع إسرائيل ولم يدعموا فعلياً مقاومة الداخل الفلسطيني، فإن ما يصفونه بـ«التمدد الإيراني» سيستمر بذريعة محاربة إسرائيل، خصوصاً أن وهم السلام مع إسرائيل ساهم فقط في قضم ما بقي من فلسطين. هذا «التمدد» بات اليوم يلقى ترحيباً غربياً بقدر ما تتعرض السعودية من انتقادات غربية. وقد اثبتت ردود الفعل العربية في اليومين الماضيين أن وضع الحزب على لائحة الإرهاب قد خدم الحزب وليس العكس، فالجزء الأكبر من الشارع العربي لا يزال مؤمناً بالمقاومة وفلسطين.

في أوقات الفتن، أعظم وأشرف المواقف هو وأدها، وهذا يتطلب اليوم وأكثر من أي وقت مضى عودة الشيعة والسنّة ومعهم المسيحيون وكل أهل هذا الوطن العربي الى قواسم مشتركة تقفز فوق المذاهب والطوائف وساحات الحروب. فالصراع في المنطقة ليس سنّياً ـ شيعياً برغم بعض الغرق في هذا الفخ، بل هو صراع على أرض العرب بدماء العرب.