IMLebanon

هل آن الأوان لتنفيذ مشروع ليبرمان؟

مؤشرات عديدة توحي بأنّ الإسرائيليين يعملون على إنجاز خطوة في الملف الفلسطيني. الأرجح أنها فرصتهم السانحة وسط الحرائق العربية الشاملة. والعنوان هو مبادرة السلام العربية المرفوعة عام 2002، لكنّ السؤال هو: هل تريد إسرائيل استهلاك هذه المبادرة لفرض معطيات جديدة في الوقت العربي الضائع؟

تتقاطع معلومات ديبلوماسية على أنّ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة لموسكو، أنجزت نقاطاً كثيرة في برنامج شامل للتعاون بين الجانبين في المرحلة المقبلة، على المستويين السياسي والعسكري، ما يساهم في تحديد المسار الذي سيسلكه الشرق الأوسط.

وفي الأساس، كانت تجربة التنسيق في عملية الدخول الروسي إلى الميدان السوري ناجحة. وستكرّسها الخطوات الميدانية اللاحقة، أي المناورات العسكرية المشتركة في المتوسط بين اللاذقية السورية وأشدود الإسرائيلية والحماية الروسية لحقول الغاز الإسرائيلية هناك.

وفيما تمّ الاتفاق على مساهمة دولية- إقليمية فاعلة لتشديد القبضة على «داعش»، بدأت إسرائيل نهجاً جديداً إزاء ما تسمّيه مجموعة «الدول السنّية البراغماتية»، ولاسيما مصر والسعودية. ويقول رئيس الاستخبارات الإسرائيلية هيرتسي هاليفي إنّ هذه الدول «تقترب من مصالحنا».

والأكثر أهمية هو التوافق بين روسيا وإسرائيل على إقناع القوى العربية المعنية وذات الشأن، ولاسيما الأردن ومصر والسعودية، بالضغط على الفلسطينيين، ولاسيما «حماس»، من أجل تحريك عملية التسوية المجمَّدة، على أساس المبادرة التي أقرّتها القمة العربية العادية في بيروت العام 2002.

وحتى اليوم، كانت إسرائيل ترفض هذه المبادرة التي تقوم على مبدأ المقايضة: يوقِّع العرب اتفاقات سلام مع إسرائيل ويوافقون على التطبيع معها، ويجري اعتبار الصراع العربي- الإسرائيلي منتهياً، في مقابل إنهاء احتلال إسرائيل للجولان والأرض التي ما زالت تحتلها في لبنان وقيام دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة عام 1967، أي الضفة والقطاع، عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حلّ لملف اللاجئين الفلسطينيين وفق قرار الأمم المتحدة الرقم 194.

ولكنّ ثمّة مؤشرات بدأت توحي بقبول إسرائيل أن تكون المبادرة العربية للسلام منطلقاً للخطوات المقبلة في الملف الفلسطيني. وربما تكون المفاجأة أن تتولّى موسكو- لا واشنطن- مساعدة إسرائيل على تنفيذها.

حتى اليوم، يبقى الروس قادرين على تعطيل أيّ خطوة لا تحظى بقبولهم في المسار الفلسطيني، عن طريق ممارسة حق «الفيتو»، في مجلس الأمن. ولذلك، سيكون مفيداً لإسرائيل أن تنسِّق خطواتها مع موسكو.

ففي هذه الحال سيكون مضموناً عدم اعتراض أيّ طرف على أيّ قرارات أو تعديلات يتمّ إدخالها على القرارات الدولية الخاصة بالملف الفلسطيني، ولاسيما ملف اللاجئين. كما يضمن الإسرائيليون، من خلال موسكو، تعطيل الاعتراضات التي يمكن أن تصدر عن محور دمشق- طهران، وعن مصر ودول عربية عدة.

ماذا يريد الإسرائيليون اليوم، ولماذا العودة إلى مبادرة السلام 2002؟

إعترف العرب بالإجماع، وبناءً على طرح سعودي يومذاك، بأنّ السلام النهائي التام والتطبيع ممكنان مع إسرائيل، أي الاعتراف بهذه الدولة، إذا انسحبت من الأراضي المحتلة في العام 1976 ووافقت على قيام دولة فلسطينية مستقبلية وعلى حق الفلسطينيين في العودة.

طبعاً، لا تريد إسرائيل التخلّي عن الأراضي المحتلة إطلاقاً. فقد أقرّت قانوناً يضمّ الجولان. وأما الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع فخاضعة للحكم الذاتي الفلسطيني، وهو سلطة صُوَرية لا أكثر. وأما بيت القصيد فهو عملية التبادل المقترحة بين الأراضي والسكان، والتي نصّ عليها مشروع وزير الدفاع الحالي أفيغدور ليبرمان في العام 2010، عندما كان وزيراً للخارجية، وكرّر طرحه مراراً.

طرح ليبرمان مقايضة بين الإسرائيليين (اليهود) والعرب تشمل العقارات والأراضي والممتلكات والسكان بين مناطق 1948 والمناطق الأخرى. وهذا الإعلان واكب قرارات عدة اتخذها الكنيست وأقرّتها الحكومة تكرّس يهودية الدولة، وتالياً تبرِّر بناء دولة إسرائيل الآمنة جغرافياً وديموغرافياً أي تلك التي لا يشكل العرب فيها نسبة تهدد استقرارها.

وفي تقدير خبراء أنّ اندلاع أحداث «الربيع العربي» في شكل مفاجئ، من دون مقدمات أو مبررات منطقية، يؤكد الشكوك بأنه جزءٌ من مشروع إسرائيلي. واليوم، بعد 5 سنوات من الحروب الأهلية التي أشعلها هذا «الربيع»، يغرق العرب في مآزقهم ويبقى الفلسطينيون مستفردين في مواجهة إسرائيل، من دون دعم إقليمي أو دولي.

لقد أقنع الإسرائيليون روسيا بأن تتولّى، مع الولايات المتحدة والسعودية والأردن ومصر، رعاية محادثات التسوية، في موسكو أو جنيف أو أيّ عاصمة محايدة أخرى. وفي الوقت عينه، تتوسط موسكو بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، ولاسيما بين «فتح» و»حماس»، لإقناع الأخيرة بالسير في المفاوضات وعدم تعطيلها.

ويسارع الإسرائيليون إلى إطلاق هذا المسار، مع روسيا، لقطع الطريق على المسار الذي يعمل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على تحريكه، والقاضي أيضاً بالانطلاق من مبادرة السلام العربية عينها تمهيداً لمؤتمر سلام في جنيف في الخريف المقبل.

لكنّ المبادرة الفرنسية تتبنّى المبادرة العربية وفق مفهومها الأساسي، أي إنها تستهدف إنجاز تسوية شاملة وعادلة وفقاً لمنطوق القرارات الدولية، ولذلك هي تلقى قبولاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

إذاً، المبادرة الفرنسية لا تصبّ في مصلحة إسرائيل. ولذلك، عمد الإسرائيليون إلى محاولة «رشوة» موسكو باتفاقات ومصالح مشتركة في مقابل تجيير رعاية الحلّ لها.

ومن هنا يمكن تفسير غياب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن المؤتمر الذي نظمته باريس مطلع الشهر الجاري.

وللإمعان في تعطيل الدور الفرنسي، نشر نائبه ميخائيل بوغدانوف، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر باريس، خطة تتعلق بتبادل الأراضي بين إسرائيل والفلسطينيين. وهذه الخطة تذكِّر بتلك التي كان أعلنها ليبرمان والرامية إلى طرد الفلسطينيين من أراضي 1948.

وفي اعتقاد بعض المتابعين أنّ إسرائيل تعمل اليوم على تدعيم علاقاتها مع مصر والأردن، وعلى إقامة علاقات مع دول عربية أخرى محيطة بها أو معنية مباشرة بالصراع العربي- الإسرائيلي، ما يتيح لها الدخول في المرحلة الجديدة من الصراع في الشرق الأوسط. وثمّة شكوك تنتاب محلّلين سياسيين بأنّ إسرائيل ترغب في ازدياد الضغوط الداخلية على مصر والأردن لينقادا تماماً في المسار الذي تريده إسرائيل.

وفي المحصلة، يرغب الإسرائيليون في الإفادة من مبادرة عربية معترف بها، هي مبادرة 2002، للإيحاء بنيّتهم في التزام بنودها. لكنهم سيطرحون تعديل هذه البنود، وسيقنعون الجامعة العربية بأن تتبنّى التعديلات، ثمّ يطلقون الوعود بتنفيذها معدّلة، وفق مصالحهم، خصوصاً في ما يتعلق بالملف المتعلق بالمقايضة الجغرافية- الديموغرافية، أي مشروع ليبرمان.

إنّ خطوة جديدة قد تكون على وشك الإنجاز في الشرق الأوسط. وخمس سنوات من النار التي أشعلها «الربيع العربي» يبدو أنها كانت كافية لإنضاج مرحلة أولى من المخطط الذي تعمل إسرائيل لتنفيذه.

ففيما دول عربية محيطة بإسرائيل (سوريا ولبنان الأردن ومصر، إضافة إلى الفسطينيين والعراق والمجموعة الخليجية) غارقة إما بالإرباكات الداخلية وإما بالحروب الأهلية، تستعدّ إسرائيل لاقتناص الفرصة المتاحة لقطف الثمار الناضجة. ولكن، هل تنتظر إسرائيل بداية العهد الأميركي الجديد للدخول في هذا المسار أم تقنع باراك أوباما بأن يختتم عهده الفاشل شرق أوسطياً بهذا «الإنجاز العظيم»؟