IMLebanon

هل سقطت روسيا في المستنقع السوري؟

مذ بدأت الحرب في سوريا، والمؤشرات تدل الى أنّها حرب طويلة المدى، مُنهكة للأطراف المشاركة فيها، وغير واضح أفق نهايتها. فسوريا التي يشكّل موقعها الجغرافي نقطة جيوسياسية مهمة في الشرق، لها حدود مشترَكة مع بلدان عدة، حيث تحوط بها مجموعة من النزاعات الدولية.

تخوض اليوم روسيا تجربة إثبات الذات دولياً، بعد غياب دام أكثر من عشرين سنة. خصوصاً أنّ لها تجربة سابقة فاشلة في تدخل الاتحاد السوفياتي بقواته وانغماسه في المستنقع الأفغاني بهدف الدفاع عن السلطة المؤيّدة له وحمايته من الثوار المسلمين آنذاك.

هذه التجربة كانت مريرة وسلبية على مصير النظام الشيوعي الذي عاش بعدها استنزافاً كبيراً في العديد والعتاد، الأمر الذي أدّى إلى سقوطه بعد عشر سنوات من النزاع الخاسر على أرض لعبت طبيعتها دوراً في انهزام القوات الروسية. هذا إضافة إلى الدعم الكبير الذي حصل عليه الثوار من الخصم اللدود للاتحاد السوفياتي آنذاك وهي الولايات المتحدة والسعودية.

أربعون عاماً تقريباً مرّت على الحرب السوفياتية على أفغانستان، ذلك المستنقع الذي ظنّ فيه السوفييت أنّهم يحاربون جيشاً أفغانياً لا قدرة له على المجابهة. لكنهم أخطأوا، إذ حاربوا دولاً على شكل ثوار. فهل أخطأت القيادة الروسية مرة جديدة في دخولها المعركة في سوريا؟ هل سقطت روسيا في المستنقع السوري، مثلما سقطت في المستنقع الأفغاني؟

يبدو أنّ التاريخ سيعيد ذاته مع روسيا الاتحادية اليوم، التي تخوض معركة المصير في سوريا. فهي مدركة تماماً أنها لا تحارب التطرّف الإسلامي فقط بل داعميه أيضاً. وهذا ما عبّر عنه وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بقوله «إنّ الولايات المتحدة تعمل على حماية «جبهة فتح الشام»، وتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).

ففي هذا السياق، أعلنت وكالات الإعلام الروسية على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف «أنّ احتمال تسليم أنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف للمعارضة السورية، سيكون نهجاً غير بنّاء بالمرة. لأنّ هؤلاء الناس الذين درّبهم الأميركيون وسلّحوهم، سيفعلون في نهاية المطاف كما 11 أيلول 2001 في نيويورك».

تدخّل روسيا في سوريا منحها دوراً ديبلوماسياً إلى جانب الدور العسكري، وبرز ذلك من خلال تنسيق واضح بينها وبين الولايات المتحدة عبر وزيرَي خارجية البلدين.

ونقلت وكالات أنباء روسية عن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، قوله إنه سيتصل هاتفياً بنظيره الأميركي جون كيري، لمناقشة الفصل بين المعارضة السورية المعتدلة والجماعات الإرهابية.

لكن، وعلى رغم الديبلوماسية الناشطة التي حصّلتها بعد تدخّلها في سوريا، فإنّ روسيا في مأزق السقوط للأسباب الآتية:

1- يواجه الروس أزمة عسكرية في كسب النزاع لمصلحتهم، بسبب تضارب المصالح والرؤية حول مستقبل النزاع مع الولايات المتحدة في سوريا. الأمر الذي انعكس فشلاً عسكرياً روسياً في إنهاء الأزمة في فترة قصيرة على أرض الواقع.

وذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا «أنّ أيّ عدوان أميركي مباشر على سوريا، سيؤدّي إلى نتائج كارثية على منطقة الشرق الأوسط».

2- يواجه الاقتصاد الروسي في المرحلة الراهنة تحدّيات صعبة بانخفاض أسعار النفط عالمياً، ما شكّل عبئاً يُضاف إلى أعباء العقوبات الغربية والأزمة الأوكرانية، خصوصاً أنّ عائدات النفط تشكل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الروسي.

حيث أعلن وزير الطاقة الروسية ألكسندر نوفاك، أنّ بلاده ستجد الآليات والأدوات اللازمة لتثبت إنتاج النفط، إذ توصّلت إلى اتفاق مع منظمة البلدان المصدِّرة للبترول «أوبك» في شأن الحدّ من الإنتاج.

3- الأزمة الإقتصادية التي تمرّ بها روسيا جراء حربها المكلفة في سوريا. وأكّد الخبراء الإقتصاديون أنّ الاقتصاد الروسي يدفع ثمن مغامرات الرئيس فلاديمير بوتين. وبحسب ما ذكر الاقتصادي فلاديساف أنوزماتسوف في مقاله المنشور بـ»واشنطن بوست» فإنّ الروبل الروسي ما زال يئنّ تحت وطأة فقده ربع قيمته منذ التدخل في سوريا.

أخيراً، روسيا في الواقع تتخبّط في المستنقع السوري، عسكرياً بسبب فشلها في تحقيق إنتصارات حقيقية ومصيرية على أرض الواقع، إذ لم تزل معارك الكرّ والفرّ بين الطرفين هي سيدة الساحات. واقتصادياً بسبب تراجع في النموّ الاقتصادي لديها، ما يطرح السؤال الآتي: إلى متى يستطيع الاقتصاد الروسي الصمود ليواصل بوتين دعم حليفه السوري؟