IMLebanon

إسرائيل بعد حرب لبنان: أقل غطرسة وأكثر اتزاناً

بعد حرب عام 67 تضخّمت قوة إسرائيل بنظر قادتها وجمهورها والشارع العربي أيضاً، فباتت أكثر غروراً وغطرسة وعدواناً. وبعد احتلالها الفاشل للبنان، واندحارها مهزومة، كانت وما زالت عدوانية، لكن باتت أكثر إدراكاً لمحدودية قدرتها على توفير احتلال آمن. ثم أتت حرب عام 2006، وجعلتها أكثر اتزاناً في دراسة خياراتها العدوانية في مواجهة لبنان والمنطقة

تركز الاهتمام الإعلامي العربي خلال الأيام الماضية على ذكرى حرب عام 67، سياقاً وحدثاً ونتائج وتداعيات. وجرى، بالإجمال، القفز فوق حدث مفصلي آخر في تاريخ الصراع العربي ــــ الإسرائيلي تمثل بالاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، مع أنه كان تتويجاً لمسار شكلت هزيمة حزيران 67 محطته التأسيسية، بعد إقامة دولة إسرائيل.

الأمر نفسه انسحب على الاهتمام الإسرائيلي بحرب 67، «مؤتمرات واحتفالات في كل أنحاء إسرائيل، وجلسة خاصة في لجنة الخارجية والأمن وما لا يحصى من التقارير في كل وسائل الإعلام». في المقابل، لم تذكر الحرب الإسرائيلية على لبنان التي حدثت في التاريخ نفسه، «ولو بكلمة واحدة في الإعلام» كما أكد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق اللواء غيورا ايلاند.

والسبب، كما يوضح ايلاند، «أننا نفضل تذكر أحداث تُعَدّ ناجحة وإخفاء الأحداث التي تثير فينا طعماً من المرارة والحموضة». مع الإشارة إلى أن الاجتياح بذاته كان انتصاراً عسكرياً إسرائيلياً، وحقق في البداية معظم أهدافه العسكرية والسياسية.

الواقع الأمني

الحالي على الحدود الشمالية أسوأ مما كان عليه في عام 1982

لكن بعد ذلك أُسقطَت هذه الأهداف ودُحر الاحتلال عبر مقاومة شكلت امتداداً مباشراً للمواجهات التي حصلت ضد تقدم جيش العدو في حينه. ومما ميّز هذه المقاومة، أنها منذ اللحظات الأولى التي توهم معها الاحتلال أنه بلغ أهدافه المرسومة، انطلقت بشدة وقساوة غير مسبوقتين. فخلال عام واحد، وبعمليتين استشهاديتين فقط، سقط لجيش العدو أكثر من 100 قتيل، باعتراف رسمي إسرائيلي، ومعهم عشرات الجرحى من الجنود. الأولى خلال نتيجة تقديم مقر الحاكم العسكري في صور (11/11/1982) والثانية، تدمير المقر البديل للحاكم العسكري في مدرسة الشجرة في صور (4/11/1983). وما بينهما (وقبلهما وبعدهما) مئات العمليات التي شاركت فيها كافة الفصائل المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، وأدت في حينه إلى الانسحاب الإسرائيلي على مراحل عام 1985 إلى ما عُرف لاحقاً بالحزام الأمني، حيث أخذت المقاومة أشكالاً وتكتيكات ومعادلات مختلفة، لأكثر من خصوصية جغرافية وسكانية وعسكرية وسياسية.

ووفق قاعدة «حكمة ما بعد الهزيمة»، رأى ايلاند أن هناك خمسة أخطاء أساسية أدت إلى النتيجة القاسية. «الأول، أنّ أسرائيل كانت لا تزال تشعر بسكرة القوة من حرب عام 67، حيث صدقت أن بإمكانها تغيير نظام في دولة مجاورة وإقامة دمية»، مضيفاً أنه بات واضحاً اليوم أنه لم يكن هناك أي فرصة في حينه لذلك، «وحتى في غزة لا يمكننا تحديد من يحكمها». مع ذلك، ينبغي التعقيب على ما أورده ايلاند، بالقول إنه لولا اتفاقية كامب ديفيد، وما ترتب عليها من نتائج وتداعيات تتصل بموازين القوى الإقليمية، كان من المستبعد جداً أن تتجرأ إسرائيل على اجتياح لبنان.

والثاني «من وجهة نظرنا كان في لبنان جهتان فقط: الجيدون، وهم الميليشيات التي أردنا أن تحكم لبنان، والسيئون، وهم المنظمات الفلسطينية. وبصورة تثير الدهشة تجاهلنا كل الباقين، السوريين، والشيعة والسنّة والدروز، وعندما بدأنا نفهم كان قد فات الأوان، وكلهم أصبحوا أعداءنا».

والخطأ الثالث، أن هذه الحرب كانت «حرب خيار» ولم تكن ضرورية، كما يجزم رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، فهم «لم يقصفوا علينا، ولم يزدد تهديدهم». في المقابل، ينبغي القول أيضاً إنّ هناك رأياً في إسرائيل يؤكد أن كل حروب إسرائيل كانت حروب خيار، وبالحد الأدنى، هناك اتفاق على حربي 56 وحرب 82. وحتى حرب 2006، كانت حرب خيار، وهو ما نصت عليه مقدمة تقرير فينوغراد في الفقرة 9، «الحرب المتواصلة التي بادرت إليها إسرائيل، انتهت من دون أن تنتصر من الناحية العسكرية».

والخطأ الرابع، أن الهدف المعلن للحرب كان إبعاد الصواريخ الفلسطينية لمسافة 40 كلم عن الحدود، لكن الهدف الحقيقي كان طموحاً أكثر بكثير، وإخفاء الهدف الحقيقي أدى إلى أن يعمل الجيش الإسرائيلي دون نجاعة. والخطأ الأخير في قائمة ايلاند، أنه «في حروب من هذا النوع تنشأ هوة كبيرة بين وعود الحكومة والقدرة على تنفيذها. فالحكومة وعدت بانتصار سريع خلال 72 ساعة، مع عدد قليل من الإصابات في صفوف قواتنا، وأننا سنضرب الأشرار فقط» وهم مخربو منظمة التحرير الفلسطينية.

أما بخصوص النتائج التي تحققت، فيلفت ايلاند إلى «أننا غرقنا في المستنقع اللبناني 18 سنة، مع 1216 جندياً قتيلاً في جانبنا، من دون أي إنجاز استراتيجي…»، إضافة إلى «أزمة شديدة في علاقات إسرائيل مع العالم، والأعباء المالية على ميزانية الدولة حفّزت الأزمة الكبرى في الثمانينيات (من القرن الماضي) وهددت بانهيار الاقتصاد الإسرائيلي». وبالمقارنة بين الواقع الحالي على الحدود الشمالية، بما كان عليه قبل اجتياح 82، يشير ايلاند إلى أن «الواقع الأمني أسوأ مما كان عليه في عام 1982».

وعلى مستوى العبر التي استخلصتها إسرائيل من هذه التجربة المريرة، يقول ايلاند، الذي كان يتولى رئاسة شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي خلال الاندحار الإسرائيلي عام 2000: «يبدو أنه على الأقل في كل ما يرتبط بقرار تفعيل قوة عسكرية، أصبحنا أكثر اتزاناً وأقل غطرسة، وحسنٌ أن الأمر كذلك».