IMLebanon

اسرائيل متخوفة على امنها الاستراتيجي من حزب الله

كلما تأزمت اقليميا زاد التدخل الاسرائيلي على خط الجبهتين السورية واللبنانية اللتين تحولتا بحكم الامر الواقع ومعادلات الردع المتبادلة الى جبهة واحدة تمتد من الجولان الى الناقورة عند البحر، ما يعني عمليا في حسابات العدو طريقا مفتوحا من طهران الى بيروت جوا وبرا ، مرورا بدمشق، ما يقلب المعادلات ويعرض اسرائيل لاكبر خطر في تاريخها، خصوصا في ظل علاقاتها الدولية المتوترة و«تفلت» الادارات العالمية من تاثيرات اللوبيات اليهودية، ما يجعل من الجبهة الشمالية اولوية تنصب عندها كل الجهود.

ففي دلالة جديدة على هذا القلق الاسرائيلي المتزايد كشف قائد قاعدة حيفا البحرية، التي يتمركز فيها أغلب الأسطول البحري الإسرائيلي، بما في ذلك منظومة الغواصات وسفن الصواريخ ووحدات خاصة «الشييطت 13» ووحدة بحرية انشئت حديثا مهمتها تنفيذ عمليات خاصة في مواجهة ارهاب «داعش»، العميد ديفيد ساعر سلما، في مقابلة مع صحيفة «اسرائيل اليوم»، أن «التهديد الأساس على سلاح البحرية الإسرائيلي هو حزب الله»، مذكراً «باستهداف البارجة «ساعر5» بصاروخ «حانيت» خلال حرب لبنان الثانية ،ما فتح العين على قدرات الحزب المتزايدة في هذا المجال، خصوصا ان استهداف «ساعر 5» شكل مفاجأة كبيرة يومها»، موضحا «ان الحزب حقق انتقالة نوعية منذ تموز 2006 مع تحوله من تنظيم محلي الى ما يشبه الجيش المنظم الذي لا يجب الاستخفاف بنواياه ووسائله التي اصبحت تضم المدرعات وعشرات فوهات مدافع الميدان والصواريخ ذات الرؤوس الحربية المتنوعة والمختلفة المدى، من ضمنها صواريخ بر-بحر التي تشكل خطرا على الامن الاستراتيجي الاسرائيلي، في حال نفذ الحزب تهديدات امينه العام باستهداف المنصات النفطية في عرض البحر او فرض حصار بحري بالصواريخ على الشواطئ الاسرائيلية».

وحول دور سلاح البحرية في المواجهة المقبلة مع حزب الله، اشار سلما الى «أن مهمته الاساس هي الدفاع عن المنشآت الاستراتيجية البحرية ، ومن ضمنها تلك الواقعة في المنطقة الاقتصادية الخالصة والمحافظة على حرية الإبحار والتجارة»، لافتاً الى «الافلام التي يتم عرضها لمقاتلين مجهزين ومدربين يعملون في البحر فوق المياه وتحتها، ما يحتم على اسرائيل اعتماد سياسة الهجوم الاستباقي، بمعنى المراقبة والقدرة على الرؤية والعمل بعيدا عن الشاطئ لحماية المجال البحري، بالتعاون الوثيق مع سلاحي الجو والبر».

ويضيف القائد البحري الاسرائيلي بان «سلاح البحرية الاسرائيلية تمتع طوال الفترة السابقة بحرية حركة وعمل تامة على الجبهة الشمالية، قبل ان تنقلب المعادلات في الفترة الاخيرة مع دخول الاسطول الروسي ساحة المواجهة ، رغم عدم تصنيف الجيش الروسي بالعدو وفقا للعقيدة العسكرية الاسرائيلية ورغم التحدي الذي يشكله انتشاره حاليا في المتوسط، لما له من قدرات لوجستية واستخباراتية، ما يضيف مهمة جديدة ملقاة على عاتق سلاح البحرية تتمثل في مراقبة تصرف هذا الاسطول».

لكن هل يعني كل ذلك ان الحرب قادمة؟ العدو يستبعد أن يشنّ حزب الله أو حركة حماس حرباً عليها في عام 2017 بحسب تقاريره، لأن الحزب «موجود في المستنقع السوري، إذ إن الجيش الإسرائيلي توصل الى استنتاج بأن حزب الله وحماس غير معنيين بمواجهة»، لكنه استدرك بأن «هناك إمكانية لتصعيد غير متوقع». غير أن الإجابة عن سؤال عما إذا كانت إسرائيل تنوي شن حرب ربما تكمن في ما صدر عن الجانب الإسرائيلي نفسه أخيراً، عبر مؤسساته وضباطه وخبرائه، فآخر تقرير لمراقب الدولة (إحدى أهم المؤسسات الرسمية ويتمتع بصدقية عالية جداً لدى الجمهور الاسرائيلي)، أكّد بصورة قاطعة أن الجبهة الداخلية غير جاهزة لمواجهة تساقط آلاف الصواريخ يومياً، وأن الأهداف الإسرائيلية، العسكرية والاستراتيجية والمدنية، ستكون تحت رحمة هذه الصواريخ.

امور جزم بها ايضا الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء غيورا ايلاند، مشددا على «ان لا قدرة لتل ابيب حاليا على تحمل كلفة اي حرب مع حزب الله». وهو ما عبر عنه ايضا وزير الدفاع السابق موشيه إيرنز، «بأن موقف إسرائيل صعب وكذلك خياراتها غير سهلة، اذ لا هي قادرة أو تريد شن حرب، ولا هي قادرة على الاتكال على عامل الردع في مواجهة الحزب ، كما انها غير قادرة أيضاً على تحقيق النتيجة من خلال عملية وقائية ضد سلاحه».

من هنا فان المشترك بين كل المقاربات الإسرائيلية، الذي يدفع الى التقدير بأن إسرائيل لن تبادر إلى حرب، عاملان اساسيان: الاول: الكلفة، والثاني:  عدم القدرة على تحقيق النتائج المرجوة من أي عملية عسكرية واسعة أو محدودة الثمن، فسلاح حزب الله، بكمّه ونوعه ودقّته ومداه، قادر على قلب المعادلات في اي مغامرة مهما كانت محسوبة.

وفقا لما تقدّم، ثمة قراءة لدى محور الممانعة، تشير إلى احتمال اقدام اسرائيل على «مغامرة ما» ربطاً بمعطيات ميدانية وسياسية مختلفة، املا برسم سقف لم تستطع فرضه بالتهويل، ولا بالعمليات الامنية والعسكرية التي شنّتها في الداخل السوري، رغم علمها بقدرات الحزب المتعاظمة ، سواء على مستوى التجهيز والسلاح الذي يراه «كاسراً للتوازن»، أو لناحية الخبرات التي اكتسبها مقاتلوه خلال الحرب السورية .

على رغم الاجواء المتشنجة التي يثيرها الجيش الاشرائيلي فان خبراء وامنيين سابقين يؤكدون ان احتمالات اشتعال حرب جديدة ضعيفة ، لكن كما يبدو هناك مخاوف ممن يريد ابقاء التوتر قائما لمختلف الحسابات الداخلية والاقليمية والدولية، ليبقى السؤال الدائم حول ما اذا كانت اسرائيل ستقبل بقواعد اللعبة التي يضعها حزب الله.

فهل ما يجري اعداد وتمهيد لحرب فعلية ؟ أم هو مجرد استكمال لاستراتيجية رئيس الاركان غادي ايزينكوت التي تقوم على الحرب النفسية والتهويل، معتمدا على وسائل الاعلام لايصال رسائله؟ بالتأكيد ايا يكن لا احد يملك الجواب اليقين في ظل اقرار كل الاطراف بأن اي حدث امني مهما كان صغيرا قد يتحول الى حرب، وربما تكون شاملة ،في لحظة خلط الاوراق الدائرة حاليا على المسرح الشرق اوسطي.