IMLebanon

إسرائيل: لإدارة النزاع لا الغرق فيه

النقاش الداخلي الصاخب على أهميّته والذي يتمَحور حول ملفّين أساسيّين، سلسلة الرتب والرواتب ومصادر تمويلها، وقانون جديد للانتخابات، هذا النقاش حجَب الرؤية عن التطوّرات الإقليمية المهمّة والتي تؤسّس لمسار جديد سيلفح لبنان بلا شك.

في واشنطن، إجتماعان على جانب كبير من الأهمية عقدهما الرئيس الأميركي المثير للجدل دونالد ترامب. الأوّل مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والذي عكس تزايداً في التوتر بين البلدين بدأ منذ وصول ترامب الى البيت الابيض.

حيث بدا ذلك بوضوح مع تجاهل ترامب مصافحة ميركل خلال اللقاء الاعلامي ومستتبعاً ذلك مع مغادرتها بتعليق فظ حول ما تكلّفته الولايات المتحدة الأميركية لألمانيا.

قد تكون لتوتر ترامب علاقة بتقدّم شعبية المتمسّكين ببقاء الاتحاد الاوروبي مجدداً بعد صفعة الاستفتاء البريطاني. وجاءت انتخابات هولندا لتؤكد ذلك، رغم تصاعد النزاع التركي – الأوروبي الذي يستفيد منه الرئيس رجب طيب أردوغان لتوظيفه في الداخل التركي قبل الاستفتاء على التعديلات التي طرحها، إضافة إلى سعي أحزاب اليمين المتطرّف في أوروبا لتوظيفه أيضاً في حملاتها الانتخابية، بدءاً من هولندا وصولاً الى تفكيك الاتحاد الاوروبي لاحقاً.

لكنّ انتخابات هولندا واستطلاعات فرنسا تُظهر أنّ الشارع الأوروبي يعطي الأولوية لبقاء الاتحاد على غيره من المسائل، وبالتالي عدم الانجراف بعيداً رغم الخطر الارهابي المرشح للتصاعد.

أما الاجتماع الثاني لترامب، فكان مع وليّ وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الذي تحدّث عن مرحلة جديدة من العلاقات الاميركية – السعودية.

ومع انتهاء هذه المحادثات، كانت السعودية تعلن عن إعادة تزويد مصر البترول عبر «أرامكو» بعد انقطاع دام بضعة أشهر على خلفيّة التضارب في الموقف حيال النزاع في سوريا.

وترافق ذلك مع معلومات تناقلتها أوساط ديبلوماسية عن تحضيرات لإنشاء قوة عربية من 40 الف جندي ستتولّى مهمات الوقوف في وجه التمدّد الإيراني وخصوصاً في سوريا.

لكنّ شبكة CNN الأميركية، نقلت عن علي الشهابي وهو رئيس المؤسسة العربية وعضو في الوفد السعودي الى البيت الابيض، أنّ ترامب يتفهّم بأنّ النزاع بين السعودية وايران هو معركة وجودية، لكنّ المملكة تنظر الى سوريا كقضية خاسرة.

قبل ذلك كان الكلام في الكواليس يضجّ بالسيناريوهات لحرب ستنشب وستتولّاها اسرائيل بدعم اميركي لضرب الحضور الإيراني الكبير في العراق وسوريا إضافة الى «حزب الله».

وجاءت عقب ذلك الغارة التي نفّذتها الطائرات الحربية الاسرائيلية مستهدفة أسلحة نوعية كان تُنقل الى «حزب الله»، على حدّ قول اسرائيل.

وهذا النوع من الغارات ليس بجديد، ولو أنّ الاعلان الرسمي الاسرائيلي عنه يحدث للمرة الاولى.

لكنّ هذه الغارة جاءت بعد زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لموسكو، والتي ترافقت مع معلومات اعلامية اسرائيلية تمّ نفيها لاحقاً عن تفهّم موسكو حقّ اسرائيل بالتحليق في السماء السورية واستهداف كلّ ما يُهدّد أمنها.

لكنّ الجديد كان إطلاق سوريا صاروخين من نوع ارض – جو اعترضتهما منظومة الدفاع الجوي الاسرائيلي، لكنّ صدى انفجارهما هزّ القدس وبلدات اسرائيلية وسط اطلاق صفارات الانذار.

وما كانت دمشق لتطلق صواريخها من دون التنسيق مع ايران، وخصوصاً مع روسيا، وبذلك تم تثبيت قواعد جديدة للعبة. إذ بدا أنّ الجيش السوري أصبح يمتلك صواريخ قادر على استخدامها وقابلة لأن تصبح صواريخ أرض – أرض في حال تطوّر الأمور أكثر.

وفيما كان نتنياهو منشغلاً بمحاكمته والتي تضمّنت في أحد جوانبها اتهام زوجته بطردها رئيس وزراء اسرائيل من السيارة الرسمية أثناء موكب رسمي بسبب شجار، كانت مجلة «جينز» البريطانية والمخصّصة في الشؤون العسكرية والمعروفة برصانتها تتحدّث عن وضع صعب وقدرات قتالية متراجعة لسلاح المشاة في الجيش الاسرائيلي، ما يجعله غير اهل للدخول في أيّ حرب برية خشية انعكاسها سلباً.

ونقلت أوساط ديبلوماسية عن وزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشي يعالون قوله في لقاء مع ديبلوماسيين معتمدين في اسرائيل، إنه لن تكون هناك تسوية سلمية نهائية في المستقبل القريب. ويعالون الذي كان قريباً جداً من نتنياهو قبل أن يفترق عنه في إطار سعيه الى الفوز برئاسة الحكومة، اعتبر أنّ الشرق الاوسط يعيش اكبر تحوّل تاريخي له منذ القرن السابع تاريخ انتشار الدين الاسلامي.

ونُقل عن يعالون، وهو الليكودي الذي كان يُعرف عنه تطابق رؤيته مع نتنياهو، أنّ الوضع جيد لأنّ قضية فلسطين أصبحت في اسفل لائحة الاهتمامات العربية. لذلك، والكلام ليعالون، على إسرائيل تجنّب الدخول في جهود السلام، وأن تُدير فقط النزاع لا الانخراط المباشر فيه، وأن نمنع الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول الى درجة الغليان وعدم السيطرة، وبالتالي الى نزاع شامل.

ووفق هذه القراءة، يختصر وزير الدفاع الاسرائيلي السابق حقيقة القراءة الاسرائيلية لواقع المنطقة. والأهمّ فيها ما اعتبره ضرورة إدارة النزاع لا الانخراط فيه، وهو ما يعني أنّ التهويل بالحرب غير قابل للتحقيق.

وربما هذا ما يمكن استنتاجه ايضاً، من ردّ سوريا على الغارات الاسرائيلية بإطلاق الصاروخين من دون أيّ قلق أو تردّد، وبتنسيق كامل مع موسكو وطهران.

كما يعني ايضاً أنّ قرار ترامب بزيادة نفقات وزارة الدفاع بنسبة 10 في المئة، أي نحو 54 مليار دولار ومن خلال خفض موازنة وزارة الخارجية بنسبة 28 في المئة ومؤسسات أخرى، إنما لا يعني بالضرورة التحضير لحرب آتية، بل فتح ابواب الاستثمار امام الشركات العملاقة لصناعة الاسلحة.

وقد يحصل ذلك تحت إطار عناوين مغرية، مثل القضاء على «داعش» في الرقة ونشر مزيد من الجنود في سوريا بعد استقدام الف جندي اضافي أخيراً، لكنّ ذلك لا يعني أبداً تحضير المسرح للحرب، بل تحضير الساحة وحماية التوازنات الإقليمية ورعايتها على الساحة السورية.

وإلّا فما معنى أن يتمركز الجيش الاميركي في منبج ويقف حاجزاً لترسيم الحدود بين النفوذ التركي ومناطق السيطرة الكردية، وبالتالي الوقوف أمام أيّ شهية تركية للتقدم وابتلاع الاكراد والسيطرة على مناطق واسعة.

والأهم ما كشفته مصادر ديبلوماسية أوروبية مطلعة على الملف السوري، بأنّ روسيا تحضّر للقاء ثلاثي سيعقد قريباً وسيضم ممثلين عن تركيا وعن النظام السوري، وبمشاركة روسية لتنظيم الوضع في شمال سوريا، وأنّ روسيا نجَحت في انتزاع تأييد انقرة لأن يحلّ الجيش السوري النظامي مكان المجموعات الكردية في منبج ومحيطها.

ألا يعني كل ذلك أنّ الكلام عن حرب وهمٌ وأنّ هناك ما يشبه ترتيبات لضرورات التفاوض ولو على الساخن؟