IMLebanon

إنها معركةُ «الثلث الرئاسي المعطِّل»؟

لم تنتهِ الأزمة بعد، والوعد بالاتفاق على قانون الانتخاب العتيد خلال شهر توقف المجلس النيابي عن الجلسات بفعل القرار الرئاسي قد لا يوفى به، لأن الجمرَ ما زال مشتعلاً تحت الرماد.. «ووراء الأكَمَة ما وراءها».. والله أعلم.

عاد بعض المعنيين بالاستحقاق النيابي يتندرون بقانون الستين «غير المقبور» بعد، لأنّ القانون لا يُلغى إلّا بقانون بديل منه، ولا يستبعدون اللجوءَ الى هذا «الستين» في لحظةٍ ما إذا دعت الحاجة لإجراء الانتخابات النيابية على أساسه، علماً أنّ بعض ما يُطرح من صيغ لقانون الانتخاب يؤدي، إذا ما أُخِذَ به، الى النتائج نفسِها تقريباً التي يمكن قانونُ الستين أن يُفضي اليها.

بل إنّ بعض «كبار القوم» تلقوا «فتاوى» دستورية من معاونين وغير معاونين مفادها أن لا يتم تمديد ولاية مجلس النواب، لاتقنياً ولا إدارياً، حتى إذا ما انتهت هذه الولاية في 20 حزيران المقبل يعمل رئيس الجمهورية والحكومة «وفق الدستور» الى إجراء الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر.

وإذ اقتنع هؤلاء الكبار بهذه الفتاوى سألهم البعض على أساس أيّ قانون ستُجرى الانتخابات في هذه الحال، جاء الجواب صادقاً: «على أساس قانون الستين» الأمر الذي كشف أنّ هذا القانون ما زال حيّاً يُرزق خلافاً لنعيه، بل لدفنه، المتكرّر هنا وهناك وكأنه موضوع «غب الطلب» ليتمّ اللجوء اليه بعد الفشل في الاتفاق على قانون من بين كل الصيَغ المطروحة.

ولكن فات «كبار القوم» هؤلاء أنّ الدستور يعطي الحكومة صلاحية إجراء الانتخابات النيابية في خلال ثلاثة أشهر تعقب قراراً يتّخذه مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي أعضائه بحل مجلس النواب القائم وذلك بناءً على طلب رئيس الجمهورية، وإذا لم تتمكن الحكومة من إجراء هذه الانتخابات يستمر المجلس المحلول في ممارسة مهماته. ولكنّ المجلس النيابي الحالي إذا انتهت ولايته من دون إجراء الانتخابات لا تنطبق عليه هذه «الفتوى»، وإنما يمكنه كونه «سيّد نفسه» أن يجتمع في ربع الساعة الأخيرة من ولايته ويصدر قانوناً بتمديد هذه الولاية للفترة التي يرتأيها.

إلّا أنّ الأخطر والأدهى في كلّ ما يجرى، هو أنّ المعركة على قانون الانتخاب أظهرت وقائعُها أنها في جانب أساسي منها «معركة مبكرة»، بل مبكرة جداً، على الاستحقاق الرئاسي بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فبعض الصيَغ المطروحة يضمر أصحابها من خلالها التحكّم بمعركة انتخابات الرئاسة عبر القبض على «الثلث المعطل» في المجلس النيابي، أي الثلث الذي يمنع اكتمال نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس العتيد، فأصحاب هذه الصيَغ يريدون من خلالها الفوز بهذا «الثلث المعطل» نحو 50 نائباً أو على الاقل 46 نائباً، من اصل 128 نائباً ليصبح أمر تأمين النصاب البالغ 86 نائباً في قبضتهم ليساوموا الآخرين في حينه على أن يكون الرئيس من صفوفهم أو من مناخهم، إذا لم يكن منهم ولهم مئة في المئة.

ويقول بعض المعنيين إنّ الصيغة التي طرحها الوزير جبران باسيل القائمة على انتخاب 69 نائباً على أساس النظام النسبي و59 نائباً على النظام الأكثري تمكّن «التيار الوطني الحر» من الفوز بـ 34 نائباً وتمكّن حزب «القوات اللبنانية» من الفوز بـ 16 نائباً أو أكثر، ما يجعل هذين الفريقين المتحالفين أو المتفاهمين، فائزَين بنحو 50 نائباً وتصبح لهما قدرة التحكّم بنصاب الانتخاب الرئاسي، علماً أنّ الأفرقاء الآخرين ربما امتلكوا في المقابل القدرة التعطيلية نفسها، فتكون النتيجة بعد انتهاء ولاية عون احتمال دخول البلاد في طور جديد من الفراغ الرئاسي في حال لم يتفق على الرئيس العتيد.

ولذلك، يقول معنيون، إنّ ما حصل من تأجيل لتمديد ولاية المجلس النيابي حتى 15 أيار المقبل بقرار رئيس مجلس النواب نبيه بري المبني على قرار رئيس الجمهورية بتجميد جلسات المجلس شهراً ابتداءً من أمس، قد لا يؤدّي بالضرورة الى اتفاق خلال هذه الفترة على صيغة القانون التأهيلي التي قيل إنّ الأفرقاء السياسيين اتفقوا عليها على أن يتم تظهيرها عملياً بعد عطلة عيد الفصح، لأنّ باسيل لم يطوِ صيغته المختلطة نهائياً بعد، وكذلك لم تُطوَ في المقابل ستّ صيَغ لقانون انتخابي على أساس النسبية الكاملة أودعها وفد حزب الله لدى عون في لقاء بعبدا قبل أيام، الذي لم ينتهِ الى نتيجة ملموسة.

على أنّ صيغة التأهيلي المطروحة هي التي مهّدت لاحتواء الشارع الذي كان مهدَّداً أمس بإضرابات «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وغيرهما من الأطراف المعترضة على التمديد النيابي، وذلك من خلال قرار عون تجميد جلسات مجلس النواب ورد بري «الإيجابي» عليها، ولكنّ هذه الصيغة التأهيلية اتُفق عليها في المبدأ، أما التفاصيل فلا إتفاق عليها بعد، بل إنّ الخلاف مستمر في شأنها، فحزب الله وحركة «أمل» وتيار المستقبل يريدون أن يكون التأهيل لأول ثلاثة مرشحين يفوزون من كل طائفة في القضاء حتى يتمّ انتخابهم على أساس النظام النسبي في المحافظة، ولكنّ «التيار الوطني الحر» و«القوات» يريدان التأهيل لأول مرشحين اثنين فقط.

بيد أنّ بعض العاملين في ورشة القانون الانتخابي يعتبرون أنّ الثغرة بل العلة في القانون التأهيلي المطروح هي موضوع التأهيل الذي يكرّس الصيغة الطائفية لأنّ الانتخابات ستتمّ على مرحلتين: الأولى للتأهيل في القضاء على أساس القانون الأرثوذكسي بحيث تنتخب كل طائفة مرشحيها الذين سيتأهّلون، والثانية الانتخاب على أساس النظام النسبي في المحافظة، الى درجة أنّ البعض اعتبر أنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ربما يكون، في تغريدته التويترية أمس، قد دق الإسفين في نعش هذا «القانون التأهيلي» عندما قال إنّ «مجرد الحديث عن تأهيل انتخابي على صعيد طائفي هو إلغاء للشراكة».

ولذلك يخشى كثيرون من المعنيين بالاستحقاق النيابي وغير المعنيين من أن تنقضي فترة الشهر ولا يحصل اتفاق على قانون الانتخاب العتيد لأنّ استيعاب الحراك السلبي العوني و«القواتي» وغيره في الشارع بخطوتي رئيسَي الجمهورية والمجلس النيابي ليس كافياً، خصوصاً أنّ الخطوتين في حدّ ذاتهما وُلدتا من مناخات متوترة في الفعل ورد الفعل.