IMLebanon

جنبلاط وفرنجيه «النائبان الكبيران» عن النصر

لم يكن مشهد ملحم رياشي بصفته وزير اعلام في اطار مهمة معروفة الاهداف والمعالم  بدون خلفيات سياسية في بنشعي مشهداً عابراً، صحيح ان وزير الاعلام  شارك في مناسبة اعلامية ايضاً بدعوة من حزب الله وبات عابراً للحدود والحواجز، لكن المؤكد ان كل شيء تغير في السياسة والاصطفافات السياسية، فالتسوية السياسية التي اتت بالرئيس ميشال عون الى قصر بعبدا اطاحت بكل المفاهيم السابقة او جمدتها بعد ان سار سعد الحريري في خيار ميشال عون رئيساً فتهاوت منظومة 8 و14 آذار وسقطت بعد زيارة الرئيس عون الى السعودية وقطر، فالعهد الجديد هو عهد الاصلاح والتغيير والانفتاح  ورئيس الجمهورية ماض في ضرب الستين ويريد «حياً او ميتاً « قانوناً انتخابياً جديدا مهما كانت الموانع، التزاماً بخطاب القسم.

فالمشهد السياسي يبدو مثالياً في غياب التوترات والتشجنات وانطلاق وتيرة العمل السياسي الجاد والقوي، و«العجقة» في قصر بعبدا تنم عن ورشة متكاملة وحده غياب شخصيات سياسية من نواقص هذا المشهد، فالمصالحة مع رئيس تيار المردة لم تتم، رئيس «اللقاء الديموقراطي» الذي يوفد نوابه الى القصر في زيارات استطلاعية لم تطأ قدماه بعبدا بعد.

 لعدم زيارة القصر في الحسابات الجنبلاطية اعتبارات سياسية وشخصية، فوليد جنبلاط لا يحبذ حكم العسكر وهو في عليائه الشوفية لا يجيد فن الزحف الا عندما تقتضي الضرورة. يعود العارفون في التاريخ الجنبلاطي الى الحقبات السابقة الى ما قبل اعتلاء جنبلاط الزعامة، فحينها لم يصدق أبناء جيله ان هذا الشاب سيوفق او سينجح في ادارة إرث والده الثقيل، لكن وليد جنبلاط خيب ظنونهم وفاجأ أقرب الاصدقاء بزعامة الابن الذي كان على مسافة بعيدة جداً عن والده الشهيد كمال جنبلاط. لكن رغم الابتـعاد والانقطاع فان الزعيم الشاب ورث من والده الشهيد الحساسية المفرطة للـعسكر، وكأن دارة المختارة والعسكر خطان لا يلتقيان ابداً. التاريخ الجنبلاطي في التعاطي مع رؤساء الجمهورية الآتين من رحم المؤسسة العسكرية يظهر بوضوح هذا الواقع، علاقة الراحل كمال جنبلاط بالرئيس فؤاد شهاب لم تكن على احسن ما يرام، فجنبلاط الأب كان يقف بالمرصاد مع العميد ريمون اده «للسلوك الشنيع» لرجالات شهاب في المكتب الثاني، فيما وليد جنبلاط لم «يطق» يوماً فكرة اميل لحود في قصر بعبدا ولم يتمكن من التعايش معه، بل بقيت علاقتهما مشوبة بالحذر واللاثقة المتبادلة. لكن في عهد الرئيس ميشال سليمان شهدت العلاقة هدوءاً وتطبيعاً بعدما اظهر سليمان ميوله المدنية وأنسى الناس «عسكريته» ولم يكن بعيداً عن فريق 14 آذار مما شجع جنبلاط على تطبيع علاقته معه واقامة علاقة «حسن الجوار» مع بعبدا.

لكن مع الرئيس ميشال عون انقلبت المقاييس يقول العارفون، او تغير فجأة وليد جنبلاط بعد ان فاجأ الجميع بانقلاب سريع ومرونة لتأييد ترشيح «الجنرال» ولو على مضض لانهاء الفراغ الرئاسي بعبارته الشهيرة «انا بمشي خلصونا بقى…»، طبعاً الاشارة لم تصدر من القلب وهي اشارة يائسة بعدما بلغ الفراغ مرحلة تهدد الكيان وتهدد مصالح قيادييه وزعامته. إذاً مع عون بلع وليد جنبلاط «الموس» وانتخبه مكرهاً وكل المؤشرات اوحت بذلك، تويتراته وما كتبه على مواقع التواصل الاجتماعي لكن بقيت زيارته الى قصر بعبدا للقاء الرئيس ملكاً لارادته وحريته وقراره الشخصي هي طبعاً لها تفسيراتها واسبابها التي يعرفها البيك جيداً ويعرفها الرئيس ايضاً في جزء منها امتداد لحساسيته المفرطة التي تستيقظ كل فترة ضد العسكر، وايضاً لان جنبلاط ينتظر القانون الانتخابي بعد تطيير الستين بقرار رئاسي مبرم، والزيارة هي اليوم مؤجلة حتى لا يحرج الرئيس ولا يحرج الرئيس به انتخابياً، فزيارة بعبدا اذا ما طرأ حادث انتخابي على شاكلة قانون يزيل الهواجس الجنبلاطية ولا يهدد زعامة الجبل او على شكل تحالف ربما تعطي الزيارة ارتياحاً شكلياً ولا تعود ترفاً لجنبلاط بل تصبح ضرورة وجودية . والزعيم الدرزي لا يمزح في قضايا كهذه فهو زار الجنوب عشية الانتخابات عام 2000 ليكون في احضان البيئة الشيعية التي لها ابلغ الأثر في انتخابات بعبدا، فهل يزور سيد القصر قريباً عشية المخاض العسير لولادة قانون الانتخاب، علماً انه ارسل ويرسل نوابه للقاء الرئيس  في زيارات استطلاعية لما سيكون عليه الوضع الانتخابي.

في المقابل وفي ظروف مشابهة تقريباً ألبس سليمان فرنجية منذ صغره عباءة الزعامة الشمالية  والعائلة بعد مجزرة زغرتا التي ذهبت ضحيتها عائلته . انطلق «سليمي» في المسيرة مزوداً بحكمة جده الرئيس الذي رافقه منذ بداية دخوله العالم السياسي، وكانت الحماسة والعنفوان والتمرد علامات رافقت  الوريث الشاب، تقول مصادر رافقت مسيرة آل فرنجية، لكن فرنجية الابن اشتهر بانه لا يوارب، علاقاته لا تعرف الرمادية اما ابيض او اسود، اما حليف او خصم، مع الأول يعطي دون حساب ومع الثاني الصراع بشرف، واضعاً الأحقاد جانباً. ففي القريب سامح وتنازل عن حقوقه الشخصية في المجزرة التي أودت بعائلته، من هنا فمن يريد فرنجية في صفه عليه ان يعرف حسن التدبير والتصرف معه، ففي معركة الرئاسة وظروفها شعر فرنجية بان له الحق عندما طرحت التسوية وصارح الجنرال بهواجسه من ان تطير الرئاسة من يدي 8 آذار واكتشف ان الحلفاء غيروا مسارهم، ففرنجية، كما كان يشاع، «حليف وطني وشجاع» لكن لاحقته عبارات التخوين التي كانت أكثر ما يقلق زعيم المردة ويزعجه في تلك المرحلة، فرنجية ايضاً تجاوز امتحان الرئاسة وهو لا يزال على موقفه من رئيس الجمهورية، فلم يزر قصر بعبدا بل قفز الى الضاحية للقاء السيد رغم ان نوابه شاركوا في الاستشارات الحكومية وتمكن من انتزاع حقيبة «الاشغال» بدعم رئيس المجلس نبيه بري في ظل «الفيتوات» القائمة عليه في بعبدا، وحيث لم تنجح الوساطات بعد في انهاء القطيعة لترتيب الوضع بين حلفاء الامس واعادة وصل ما انقطع ذات يوم.

في كل الاحوال فان انهاء الخلاف السياسي يمكن ان يحصل بكبسة زر فيما لو وافق الطرفان، الا ان كل المؤشرات تدل على الـ«لا رجوع» في السياسة فماكينات الطرفين آخذة بالتحضير للانتخابات على قاعدة اخصام  وليس حلفاء وفي مواقع متناقضة.