IMLebanon

جنبلاط يراهن على «صدى الصوت» في حارة حريك

عندما تجد السعودية ودول الخليج نفسها في موقف دفاعي، وتجند الاقلام ووسائل الاعلام لرد العار اللاحق بها جراء مسؤوليتها المباشرة عن مأساة اللاجئين السوريين، يعني ذلك ان المملكة في موقف اخلاقي حرج يضاف الى موقفها الاكثر حراجة في السياسة وفي الميدان السوري واليمني. هو الحرج نفسه يصيب تيار المستقبل المشغول في ابتكار قصص «الف ليلة وليلة» لرد تهم الفساد التي تلاحقه، بعد ان خرج نهائيا من دائرة التأثير السياسي والميداني في سوريا. طبعا لا يغرد النائب وليد جنبلاط خارج «السرب» فهو اليوم الاكثر حراجة بعد مقتل «النسخة» المنقحة عنه في السويداء، يدرك جيدا انه منذ زمن اصبح غير قادر على التأثير في دروز سوريا، ويعرف جيدا ان الوقت قد حان لمغادرة «ضفة النهر» لان «جثة» الرئيس السوري بشار الاسد لن تمر من هناك، لكن الامر الغريب انه يواصل «الصراخ» عاليا، فما هو السبب؟ ولماذا يجد نفسه معنيا بمواصلة «القتال» افتراضيا رغم ادراكه ان «اللعبة انتهت»؟

وفقا لمعلومات دبلوماسية متداولة في بيروت تلقى «البيك» نصائح من اصدقاء اوروبيين بضرورة التراجع «خطوة» الى الوراء في الازمة السورية وعدم الاصغاء الى ما تقوله الاوساط الخليجية، وخصوصا السعودية، ازاء مستقبل الرئيس السوري. طبعا ليس المطلوب الانقلاب على المواقف السابقة او تنفيذ واحدة من الاستدارات المعهودة، يكفي في هذه المرحلة «التزام الصمت» بانتظار ان تتبلور صورة المرحلة المقبلة في سوريا والتي لن يكون الرئيس الاسد الا جزءا منها بعد ان رفعت موسكو ثلاث لاءات كبيرة في وجه واشنطن ودول الاتحاد الاوروبي، واتخذت خطوات تنفيذية على الارض لاثبات صلابة موقفها.

وبحسب تلك الاوساط، فان اللاءات الثلاث استطاعت موسكو انتزاعها بالتدريج، الاولى تتعلق بعدم السماح بانهيار الجيش السوري لاعتباره الاكثر كفاءة وجدية في قتال التنظيمات الارهابية، وهذه النقطة جرى التفاهم والتوافق عليها مع الجانب الاميركي بعد اجتياح «داعش» للموصل، سلم الاميركي من خلال التجربة العراقية ان الجيش السوري «المتماسك» يشكل القوة الاكثر قدرة على الارض في سوريا لمواجهة المتطرفين. اما موسكو فان للامر بعداً استراتيجياً اكثر اهمية، فبالنسبة اليها الجيش السوري يشكل خط الدفاع الاول عن الاراضي الروسية التي ستكون ساحة «جهاد» مفتوحة امام الارهابيين في حال انهياره ونجاح المجموعات الارهابية في بسط سيطرتها على البلاد.

اما «اللا» الثانية فتتمحور حول رفض موسكو اي تسوية تقوم على تقسيم البلاد جغرافيا، وهذا ايضا امر بالغ الخطورة بالنسبة الى الروس الذين يدركون ان الموافقة على المس بخريطة الشرق الاوسط انطلاقا من العراق وسوريا، يعني بداية سقوط «احجار الدومينو» في المنطقة، وهذا يعني دخولها في «لعبة» تقاسم المصالح والنفوذ في مجالها الحيوي، والقيادة الروسية تدرك جيدا ان هذا الخيار يشكل «انتحارا» سياسيا وعسكريا لها خصوصا ان النزعات الانفصالية لا تزال على اوجها في ما تبقى من جغرافيا الاتحاد السوفياتي السابق ضمن روسيا الاتحادية. وانطلاقا من هذا الخطر المحدق لن تسمح موسكو بتحويل مناطق النفوذ السائدة حاليا على امتداد الجغرافيا السورية الى امر واقع يسعى البعض الى اعطائه شرعية واقعية كما تفعل تركيا في الشمال السوري مع البدء بالتداول بالعملة التركية هناك، كذلك لن تسمح بمحاولة بعض الدول الغربية الدفع باقامة مناطق آمنة بحجة وقف نزيف اللاجئين الى اوروبا، وهذا تعتبره موسكو نوعاً من التحايل لخلق ملاذات مستقلة ذات طبيعة مذهبية سنية تكون فيما بعد نواة لدولة مستقلة في مواجهة دولة علوية مزعومة يروج لها «خصوم» النظام لتبرير انفصال اجزاء اخرى عن الخريطة السورية.

اما «اللا» الثالثة فهي بالطبع لا كبيرة حول مستقبل الرئيس السوري بشار الاسد، فموسكو منذ قرابة الخمس سنوات رفضت اي مقايضة على رأس الدولة على الرغم من تحذيرات واشنطن لها من انها ستكون خارج «الكعكة» السورية اذا ما استمرت في رهانها على النظام، يومها كانت الصورة في دمشق وحولها سيئة للغاية، وكان الثبات الروسي على الموقف من الحليف السوري مقامرة غير محسوبة، لكن الرهان نجح والامور تبدلت وتغيرت، الدولة السورية صمدت ولا تزال تسيطر على سوريا «المفيدة»، الغرب ما عاد يملك بدائل تحقق الاستقرار في البلاد، المعارضة «المعتدلة» باتت في «خبر كان»، المجموعات التكفيرية لا يمكن تسويقها كخيار بديل، موسكو تشعر انها انتصرت وثبت صحة رؤيتها لمجريات الاحداث. فلماذا تتنازل اليوم؟

الامر لم يعد على الاجندة الروسية، فالاستدارة حصلت في واشنطن، تقول الاوساط، بعد التفاهم النووي مع ايران سلمت الادارة الاميركية بالامر الواقع لم يعد على اجندتها تغيير رأس النظام، ليس حبا به، وانما لانها ادركت ان استكمال الحوار مع ايران على ملفات المنطقة لن يحصل دون تجاوز هذه العقبة، وهكذا كان، والمطلعون على ما «يطبخ» في «كواليس» الدبلوماسية يدركون ان هذه النقطة اصبحت وراء كل القوى الفاعلة، المواقف الاوروبية تتهاوى الواحدة تلو الاخرى، وودول الاتحاد الاوروبي تحاول اللحاق «بركب التفاهمات» بعدما ايقنت ان الولايات المتحدة وروسيا وضعتا «القاعدة» الرئيسية لاطار التفاهم وبقي الخلاف على تفاصيل ليس من بينها مصير الرئيس السوري الذي تحول الى حاجة ضرورية لمواجهة المد التكفيري. وحدها السعودية لا تزال تغرد خارج السرب وترفض الاقرار بان «لعبة» المصالح الاقليمية والدولية تجاوزت مصالحها ، وهي تغامر وقد تدفع وحدها ثمن تعنتها ازاء التسوية السورية بعد ان غادر «المركب» عدد من الدول الخليجية، وفي مقدمتها الامارات التي تعمل على نسج مقاربة جديدة بالتنسيق مع القاهرة.

هذه التحولات يعرفها جنبلاط جيدا، بعض من تبقى له من اصدقاء في روسيا اطلعه على الكثير من المعطيات، حاول تلمس «خارطة طريق» لاعادة تموضع جديدة فجاء الجواب مبهما دون اجابات واضحة، حاول خلال الفترة الماضية خفض منسوب الكلام وتقنينه بعد تبريد الاجواء في السويداء، لكنه لم يلق اي رد ايجابي من الطرف الاخر، وعندما تم اغتيال الشيخ وحيد البلعوس شعر «البيك» ان ارهاصات المرحلة الانتقالية قد بدأت عبر التخلص من «موبقات» المرحلة السابقة، هو يدرك ان اهمية الحدث ليس بمن يقف وراء الاغتيال، وانما بالمناخ العام الذي سمح «باللعب» بالدم الدرزي دون خوف من التداعيات، وهذا يعني ان ثمة تفاهمات كبيرة على مرحلة جديدة يجري تحضير الارضية المناسبة لها، جنبلاط «القلق»غير معني كثيرا «بابو عدس» الدرزي المتهم بتنفيذ الاغتيال، وانما يخاف ان يكون الحدث مشابها لما حصل عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هو متوجس من «لعبة امم» جديدة لا يجد لنفسه مكانا فيها، «طريق» الشام مقطوعة، اوروبا «صمّت آذانها»، واشنطن «تبيع ولا تشتري»، موسكو تجري وراء مصالحها ولم يعد هو جزء منها، لا يتبقى في «الميدان» الا السعودية، وحدها ما تزال «المظلة» التي يحاول الاحتماء بها، يدرك انها لا تملك اي ضمانات لمستقبله، هي لا تعرف اصلا كيف تحافظ على موقع في المعادلة لسعد الحريري، لا خيار امامه الا «الصراخ» عاليا على طريقة ان «اصرخ اذا انا موجود»، مع الامل ان يصل صدى الصوت الى حارة حريك لتذكير الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بتطمينات كان قد اطلقها واعدا «خصوم» دمشق اللبنانيين بانه مستعد بما يملكه من مونة «لاعادة» «وصل ما انقطع»