IMLebanon

العدالة والمساواة أساس “الشراكة الوطنية” وأي خلل في التطبيق يقوّض ركائز الدولة

منذ عقود و”الشراكة الوطنية” بين اللبنانيّين هي المشكلة. فكلما شعرت فئة بالخوف أو الغبن تطلب إعادة النظر في أسس هذه “الشراكة”، ولم ينفع لحلّ هذه المشكلة لا نظام القائمقاميتين ولا نظام المتصرفية ولا ميثاق 43 ولا اتفاق الطائف، فكانت حروب داخلية وفتن مذهبية وتحوّلت المشاركة معاركة ومشاكسة…

فعندما خضع لبنان للانتداب الفرنسي شعرت فئة من اللبنانيّين بالغبن لأن هذا الانتداب عامل الفئة الأخرى معاملة خاصة. وعندما نال لبنان الاستقلال عام 1943 وُضع ما سمّي “الميثاق الوطني” غير المكتوب الذي وزع الرئاسات الثلاث على الطوائف الثلاث الكبرى على النحو الآتي: رئاسة الجمهورية للموارنة، رئاسة مجلس النواب للشيعة ورئاسة الحكومة للسنّة، واتفاق على ألا يكون لبنان لا مع الشرق ولا مع الغرب، لا المسلم يطل بالوحدة مع سوريا، ولا المسيحي يطلب حماية فرنسا. وقد احترم هذا الميثاق باستثناء “لا شرق ولا غرب”، إذ ان فئة لبنانيّة “شرّقت” وفئة “غرّبت”، ما أكد قول الصحافي جورج نقاش في مقال شهير له تحت عنوان: “سلبيتان لا تصنعان أمة”.

وعندما باشر رؤساء الجمهورية ممارسة صلاحياتهم المنصوص عليها في الدستور، ولا سيما ما يتعلق منها بتسمية رئيس الحكومة والوزراء وإقالتهم، شعر الفريق المسلم، مع الوقت، أن هذه الصلاحيات واسعة إلى درجة تجعل من رئيس الجمهورية ملكاً، خصوصاً عندما كان بعض الرؤساء لا يراعون مشاعر هذا الفريق عند تسمية رئيس الحكومة وتعيين الوزراء، ما جعله يطالب بتقليص هذه الصلاحيات، إلى أن عقد مؤتمر الطائف فتم ذلك على نحو لم يرضِ فريقاً من المسيحيين لأنه جعل رئيس الجمهورية يملك ولا يحكم. إلا أن الرغبة في إنهاء الحرب الداخلية في لبنان كانت أقوى من أي رغبة، كما كانت الوصاية السورية على لبنان أقوى من أي صوت يرتفع ضد اتفاق الطائف.

وما ان انتهت الوصاية السورية على لبنان حتى عاد الكلام على “الشراكة الوطنية” بموقف من “حزب الله” ومن معه أدى الى فرض تشكيل حكومات تسمى “وحدة وطنية” لتأمين مشاركة كل القوى السياسية الأساسية فيها على رغم اختلاف الآراء في ما بينها حول كثير من الأمور فكانت حكومات فاشلة وغير منتجة، لأن شرط النجاح لأي حكومة هو أن تكون منسجمة ومتجانسة ومتفقة على بيان وزاري تلتزم تنفيذه.

وهكذا واجه لبنان بعد انتهاء الوصاية السورية عليه عام 2005 مشكلة تطبيق نظام هجين هو خليط بين ديموقراطية عددية يصعب تطبيقها تطبيقاً صحيحاً في ظل الطائفية، وديموقراطية توافقية تحترم التعددية لكنها تشلّ عمل الحكومات وتعرضها للانفجار من الداخل بفعل جمع الأضداد والتناقضات فيها.

ويلتقي اليوم فريق مسيحي مع فريق شيعي على المطالبة بتعديل اتفاق الطائف على نحو يحقق “الشراكة الوطنية” الفعلية حماية للوحدة الداخلية والسلم الاهلي، فلا تظل هذه “الشراكة” تتحقق بقوة الأقوى وليس بقوة الأكثرية النيابية التي تأتي بها الانتخابات، أو بقوة السلاح الذي يمتلكه فريق من دون آخر، ما جعل نتائج الانتخابات النيابية تفقد أهميتها ولا تجعل الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، بل صار الخاسر فيها.

ويواجه لبنان اليوم مطلب تحقيق “الشراكة الوطنية” وذلك بأن يكون للطائفة الشيعية حقوق أكثر وللطائفة المارونية استعادة حقوق خسرتها بدءا بوضع قانون للانتخابات يترجم المناصفة بين المسيحيين والمسلمين ترجمة صحيحة وفعلية، وبإعادة بعض الصلاحيات الى رئيس الجمهورية، التي أخذت منه في الطائف، كي يستطيع أن يحكم. لكن المسيحيين غير متفقين على طريقة استعادة هذه الحقوق بحيث بات مطلوباً أن تبدأ “الشراكة” في ما بينهم أولاً. فمنهم من يريد استعادتها بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية ثم تشكيل حكومة تشرف على انتخابات نيابية تجرى على أساس قانون عادل ومتوازن يحقق المناصفة الفعلية، ومنهم من يريد استعادتها من طريق إحداث فراغ شامل يسقط الجمهورية ويقيم جمهورية جديدة لها نظامها الجديد الذي يحقق “الشراكة الوطنية”… وهو ما ترفضه أكثرية مسيحية واسلامية لأن الجمهورية إذا سقطت قبل الاتفاق على البديل منها فإن حقوق الجميع تسقط معها، وتسود عندئذ شريعة الغاب او الفوضى التي تسود حالياً دولاً عربية أُسقط النظام فيها ولم يتم الاتفاق بعد على البديل منه.

الواقع ان “الشراكة الوطنية” تتحقق بوجود دولة قادرة وعادلة لا يشعر فيها أحد بالغبن ولا بالخوف، دولة تكون العدالة والمساواة فيها أساس الملك، وإلا فلا ملك ولا دولة بلا عدالة ومساواة، وبوجود دولة مدنية تستوعب كل الاديان ويتمتع فيها المواطنون بالمساواة في الحقوق والواجبات.