IMLebanon

الكتائب يرفض تسوية عون: «كميل الخوري راجع»

لم ينفع النداء الذي أطلقه ثلاثة كتائبيين أمس لحثّ قيادتهم على الالتحاق بالوفاق المسيحي وانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. بوعي وإدراك مطلقين، قرّر سامي الجميل قيادة حزبه إلى صفوف المعارضة، عبر رفض هذه التسوية، بعد أن وصلت المفاوضات مع التيار الوطني الحر إلى حائط مسدود

ما الذي كان سيفعله الرئيس المؤسّس لحزب الكتائب بيار الجميّل لو كان حاضراً أمس في قاعة اجتماعات حزب الكتائب؟ لن يهتم كثيراً رئيس الحزب سامي الجميّل بالإجابة عن هذه الفرضية، ما دام قد اتخذ قراره بأن يُحوّل حزبه بعد ثمانين عاماً على ولادته، إلى حزب المعارضة.

أعلن حامل الأمانة أمس أنّ «الرضوخ ليس من شيمنا والاستسلام ليس في قاموسنا، فارفعوا رؤوسكم عالياً لأنّ شهداءكم فخورون بكم»، رافضاً بذلك الالتحاق بـ«الإجماع المسيحي» وانتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية. تصرّف على العكس من الجميّل الجدّ الذي عارض في سبعينيات القرن الماضي أن يُعزل الكتائب خارج السلطة، فقبل بحقيبة التصميم وبانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية «على قاعدة: نحنا ما منضهر نحنا منقعد جوا»، كما يقول كتائبي قديم كان عضواً في المكتب السياسي، فيما عارض تلك التسوية الوزير الراحل جورج سعادة.

ثلاثة أيام من الاجتماعات المفتوحة للمكتب السياسي الكتائبي كانت نتيجتها «احترام الالتزامات السياسية والأخلاقية التي على أساسها أعطى اللبنانيون واللبنانيات وكالة لنواب الكتائب في الانتخابات الأخيرة (…) وبالتالي سيكون تصويتنا في الانتخابات الرئاسية وفق قناعاتنا الراسخة ولن ندخل في الصفقة الرئاسية القائمة»، كما قال الجميّل أمس. يحلو للكتائبيين وصف ما حصل في الأيام الماضية بـ«النقاش الديمقراطي»، مبررين أنه لهذا السبب «وبسبب تعدد الآراء لم نرد أن نقوم بأي دعسة ناقصة». في الحقيقة، كان مخاضاً عسيراً.

أكثرية أعضاء المكتب السياسي الكتائبي كانوا ضدّ خيار السير بالتسوية الرئاسية على قاعدة «الثبات على مواقفنا وأن نكون منسجمين مع أنفسنا ومع جمهورنا». وإن كان لا بُدّ من تجرّع كأس الخسارة برلمانياً وحكومياً «فليكن ذلك بشرف». ثلاثة أعضاء من المكتب السياسي الكتائبي غرّدوا خارج هذا السرب. آلان حكيم، إيلي داغر وفادي الهبر، نصحوا بأن «لا يبقى الكتائب خارج الإجماع المسيحي، مقترحين انتخاب عون رئيساً». بين هذين الخيارين، آثر الجميل الصمت «مُتمنّعاً عن الإدلاء برأيه، حتى الساعات الأخيرة، كي لا يؤثر على خيار المكتب السياسي». ولكن الكتائب الذي حسم باكراً أنه يرفض انتخاب مرشح من فريق 8 آذار «سواء أكان أصلياً أم تايوانياً»، لماذا كان صعباً عليه إلى هذه الدرجة حسم خياره؟ تعيد مصادر المكتب السياسي السبب إلى «رغبة في دراسة كل الخيارات المتاحة لنا واتخاذ قرار عقلاني». يعي رجال الصيفي جيداً أنّ معارضتهم هذه ستدفع بهم خارج السلطة، حتى إنّ مقعد الجميّل النيابي في المتن ومقعد نديم الجميّل في الأشرفية قد يكونان على المحكّ.

أضيف إلى هذه الأسباب عامل آخر، هو تقديم التيار الوطني الحر لورقة «تجيب عن هواجس الكتائب في ما خصّ سلاح حزب الله وسيادة الدولة والموقف من الحرب الدائرة في سوريا وغيرها من المواضيع الشائكة». على ذمّة مصادر المكتب السياسي، «التيار هو من بادر إلى تقديم التطمينات لنا وتمّ تبادل العديد من الأوراق التي تتضمن البنود». عدّة نقاط أُخذت في الاعتبار لدى مناقشة الورقة، «منها كيفية إقناع الناس بها قبل 48 ساعة من الاستحقاق ومناقضتها لمضمون الأوراق السابقة التي تبادلها التيار مع أطراف سياسية أخرى». ما حصل أنّ «ما رفض التيار منحه للنائب سعد الحريري لن يُقدمه لسامي الجميّل»، استناداً إلى مصادر تكتل التغيير والإصلاح (وهي تقصد بذلك النقاشات المتعلقة بملّف سلاح حزب الله).

داخل التيار الوطني الحر «مدرستان». الأولى تؤمن بضرورة الاستجابة لمطالب الكتائب، والثانية تقول إن «من هو بحاجة إلى أن يلتحق بالمسار هو الكتائب وليس نحن. لسنا بحاجة إليهم». وفيما يؤكد أصحاب الوجهة الثانية أنّ «الكتائب أراد عبر ورقة المطالب إخراجاً شكلياً يتيح له التصويت للجنرال»، تردّ مصادر الصيفي بأنّ الحزب أراد «مخرجاً فعلياً للأزمة، اسألوا من فاوضنا فهو يُدرك جيداً أننا لم ندخل في البازار». وحول ما يُحكى عن نيّة الكتائب التغيّب عن الجلسة الانتخابية، تؤكد المصادر أنّ «آخرين أقدموا على ذلك، ولكن نحن لن نلجأ إلى هذا الخيار».

الساعة السابعة من مساء أمس، جمع الجميّل حوله أعضاء المكتب السياسي واللجنة التنفيذية في حزبه. حضر عددٌ من الشبان الذين هتفوا ما إن أطلّ رئيسهم «بيار حيّ فينا». قبل أن تُصبح القنوات التلفزيونية جاهزة لنقل البثّ المباشر، لا ضرر من ممازحة ابن العمّ، النائب نديم الجميّل، والتأكد من تفاصيل بسيطة، كأن يجلس الأمين العام رفيق غانم مكانه قبل بدء الجميّل بإلقاء الكلمة.

تحدّث الجميّل خلال المؤتمر عن خمسة بنود: مقولة أنّ هذا الاستحقاق صنع في لبنان، موضوع وصول المسيحي الأقوى إلى سدّة الرئاسة، وحدة المسيحيين، الواقعية السياسية، وإعادة تكوين السلطة. توجه بعدها إلى التيار الوطني الحر، واعداً بـ«أننا سنتعاطى مع العهد الجديد كما عوّدناكم في الماضي، سنحاسب على الخطأ وسندعم كل خطوة في اتجاه تحقيق المشروع اللبناني».

في الختام، طلب الجميّل من وسائل الإعلام الخروج للاختلاء بـ«الرفاق». داخل الجدران الأربعة حدّثهم عن ضرورة شحذ الهمم والعمل مع القاعدة والتواصل مع الناس لمحاولة توضيح خيارات الكتائب وإقناعهم بها. قد يكون أدّق توصيف للهواجس التي تدور في رأس «فتى الكتائب» ما كتبه أحدهم على وسائل التواصل الاجتماعي: «كميل الخوري راجع!». وللتذكير، فإن الخوري هو المرشح العوني «المجهول» الذي ألحق بالرئيس أمين الجميّل هزيمة انتخابية في المتن الشمالي عام 2007.