IMLebanon

قرى كسروان.. حرارة الطقس إنعكست على الجوّ الإنتخابي

حماوة لهيب أيار الحارقة في الجولة الثانية من الانتخابات البلدية، لم تضاهِ حماوة المعارك في القرى الكسروانية. وإذا كانت حماوة الطقس تنذر بقدوم فصل الصيف، فإنّ الكسروانيين يتمنّون أن تهيّئ حماوة الصراع الانتخابي لربيع إنمائيٍّ مرتجى.

في قرى كسروان يتداخل الكوكتيل العائلي والحزبي ليشكّل لوحة غريبة المعالم، يعجز العقل اللبناني عن فكّ شيفراتها. وتتصارع العائلات مدعومة من أحزاب أو ضدّ بعضها البعض لاكتساب مقاعد بلدية واختيارية، ويدخل رجال السياسة على خطّ الصراع، فيدعمون هذه اللائحة أو تلك، والمتحالفون منهم في هذه القرية هم أخصام في أخرى. ووسط هذا المشهد يصبو كلّ طرف سياسي إلى حصد أكبر عدد من البلديات الكسروانية.

في غوسطا، المتّكئة على كتف مقرّ سيدة لبنان حريصا، يؤكّد أحد مناصري لائحة غوسطا العليّة التي يرأسها رئيس البلدية الحالي زياد شلفون والمدعومة من النائب السابق فريد هيكل الخازن وحزب الكتائب أنّ غوسطا «البلدة الوحيدة التي تحالف فيها «التيار» و»القوات» في الانتخابات البلدية عام 2010 وهما في أوجّ صراعهما، وذلك في وجه اللائحة المدعومة من الشيخ فريد».

ويكرّر الحزبان المارونيان تحالفهما اليوم على لائحة «كلنا غوسطا» التي تشمل عدداً من عائلات البلدة ويرأسها الدكتور اندريه قزيلي. وتهدف هذه اللائحة إلى تحقيق نصر على «الشيخ فريد» في أحد أهمّ معاقل بيت الخازن تاريخياً.

يرى النائب السابق فريد هيكل الخازن في حديث لـ»الجمهورية» أنّ الهدف من معركة غوسطا «هو إبلاغ رسالة بأن القرار السياسي المسيحي هو في يد الأحزاب وكلّ جهة سياسية لا تخضع ولا تنصاع فهي معرّضة للإلغاء. ويشدّد «المعركة ضدنا في غوسطا هي معركة إلغاء».

من جهته يعتبر رئيس لائحة «كلنا غوسطا» الدكتور أندريه قزيلي في حديث لـ»الجمهورية» أنّ «التحالف بين التيار والقوات لا يهدف إلى إلغاء «البيوتات السياسية»، إنّما عندما تعمل الأحزاب لا يبقى دور لهذه البيوتات، أو يكون دورها ضمن منطق حزبي مؤسساتي»، لافتاً إلى أنّ النائب السابق فريد الخازن متحالف مع الكتائب في الجهة المنافسة.

ويشدّد قزيلي على أنّ «الاتفاق بين التيار والقوات في غوسطا قائم على مبدأ إنمائي، وكلّ ضيعة تطرح تركيبة التحالفات المناسبة لها، وليس هناك من أوامر فوقية من الحزبين مفادها «اصطفّوا هنا لنهجم على أحدهم».

وفي خضمّ معركة «كسر العظم» في غوسطا، تهافت أبناء البلدة إلى صناديق الاقتراع منذ الصباح الباكر لينتخبوا مجلساً بلدياً من 15 عضواً بالإضافة إلى مختارين، زحمة الناس أمام المركز مؤشر واضح على احتدام المعركة.

ويشير أحد الناخبين لـ«الجمهورية» بأنّ «زياد شلفون سيفوز ليس لأنه مدعوم من الشيخ فريد بل لأنّ الناس تحبّه»، بينما يشدّد آخر على أنّ «الأحزاب لم تنفّذ لا تغييراً ولا إصلاحاً في كسروان منذ 11 عاماً، وأولاد كسروان سيعودون إلى التقليد مفضّلين مبدأ الخدمات على الأحزاب، فنحن بحاجة للخبز والمدارس والأحزاب لم تؤمّن لنا شيئاً».

في حين لم يتردّد بعض من أبناء البلدة ومن مناصري الأحزاب بوصف الانتخابات في غوسطا بـ «معركة المشايخ والفلاحين». ويُنقل أنّ مناصري لائحة الثنائية الحزبية يحثّون الناس على انتخابها، بالقول: «نحن وأنتم فلّاحون فلا تصوّتوا للإقطاع».

وشهدت غوسطا فوز اللائحة المدعومة من النائب السابق فريد الخازن كاملةً بالإضافة إلى المخاتير.

سيّد القصر في جعيتا

في اليوم الانتخابي الطويل وقف القصر البلدي المشيّد حديثاً في جعيتا ينتظر سيّده. فالفائز سيتوّج رئيساً للبلدية وسيسكن القصر برفقة أعضاء لائحته. 977 ناخباً من أصل 1296 مسجّلين على لوائح الشطب توافدوا إلى صناديق الاقتراع لحسم المعركة. فبين آل بارود، العائلة الأكبر في القرية، تناثر البارود بلدياً، فقسم العائلة إلى لائحتين إحداهما لائحة رئيس البلدية سمير بارود والذي يشكّل حزب الكتائب مكوّناً أساسياً فيها بالإضافة إلى عدد من عائلات البلدة، مقابل لائحة «التجدّد والإنماء» برئاسة وليد بارود والمدعومة من «التيار» و«القوات» وعائلات.

ويؤكّد ابن جعيتا والمسؤول القوّاتي طوني البارد لـ«الجمهورية» أنّ «في جعيتا اجتمع القوات والتيار في الاتجاه نفسه». ويضيف: «أردنا أن نجدّد ليس كرهاً بأحد ولا تحدّياً إنما لأنّ العمل البلدي يحتاج الى تجدّد دائم، ونحن نريد أن نخدم قريتنا ونسخّر أحزابنا في خدمة قريتنا».

ويعتبر أنّ «العمل الانتخابي البلدي في لبنان عمل عائلي بالدرجة الأولى، ومدعوم من الأحزاب، مشدّداً على «أهمية البرامج».

ويلفت إلى أنّ تحالف «القوات» و»التيار» في جعيتا أتى بناءً على قرار عام اتخذته القيادتان يقضي بأن «تتحالفا حين يكون التحالف ممكناً»، ويشير إلى أنّ ترشّح قسم من أعضاء أحد الحزبين على لائحة معيّنة بينما يترشح مناصرو الحزب الآخر على لائحة أخرى حال دون إتمام التحالف في بعض القرى. ولم يعتبر أنّ «ترشح التيار والقوات ضدّ بعضهما البعض خلافاً إنما تمايزاً».

وقد فازت لائحة «التجدّد والإنماء» برئاسة وليد بارود بكامل المقاعد في جعيتا.

عينطورة

«التمايز» بدا جلياً ورسمياً في قرية عينطورة جارة جعيتا. ففي هذه البلدة الصغيرة لم تلتق الثنائية المسيحية بل انقسمت داعمة كلّ منها لائحة. لائحة رئيس البلدية الحالي لبيب عقيقي مدعومة رسمياً من حزب «القوات» وعائلات. وفي الجهة المقابلة يقف «التيار الوطني الحر» مع عدد من العائلات إلى جانب لائحة عميد الجامعة اللبنانية الكندية الدكتور روني أبي نخلة، والتي تضمّ المسؤول عن «التيار» في القرية جوزف خليفة.

ووسط هذا الانقسام عرفت عينطورة معركة حامية. وينقل رئيس البلدية الحالي لبيب عقيقي لـ»الجمهورية» أنّ البلدة تضمّ حوالى 880 ناخباً وشهدت نسبة إقبال عالية جداً على صناديق الاقتراع وصلت إلى أكثر من 67 في المئة قرابة الإقفال. ويشير إلى أنّ تدخّل الأحزاب في القرية لا يشكّل ثقلاً كبيراً بل العائلات. واحتفلت عينطورة في نهاية يومها الإنتخابي بفوز «لائحة البلدية 2016 – 2022» كاملةً برئاسة لبيب عقيقي.

ذوق مكايل

أمّا ذوق مكايل فشهدت خلال يومها الانتخابي إشكالاً على خلفية توزيع لوائح انتخابية داخل مركز الاقتراع، ما دفع القوى الأمنية إلى التدخل والطلب من المندوبين المغادرة. وتؤكّد مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» أنّ «اللائحتين باشرتا توزيع اللوائح داخل قلم الاقتراع، قبل أن تبدأ المناوشات ويقوم مندوبو الطرفين بتبادل الاتهامات على خلفية توزيع اللوائح ما اضطر القوى الأمنية إلى طرد المندوبين إلى الخارج».

أمّا بالنسبة للمشهد الانتخابي العام في هذه البلدة الساحلية، فالتزم التيار الحياد لأنّ اثنين من محازبيه انضويا في لائحة نبض ذوق مكايل برئاسة الياس البعينو وهي مدعومة من «القوات» ومن رئيس اتحاد بلديات كسروان الفتوح ورئيس بلدية ذوق مكايل الحالي نهاد نوفل.

فيما يترشّح 11 عضواً من مناصري «التيار» على لائحة «الذوق حرّة» برئاسة وفيق طراد. وأظهرت النتائج تقدّم لائحة «نبض ذوق مكايل» برئاسة الياس البعينو.

في المحاسبة الخلاص

وهكذا مرّ اليوم الانتخابي البلدي على قرى كسروان، فعادت العائلات، لتؤدّي الخدمات المطلوبة، بينما تمكّنت الأحزاب على رغم عدم وضوح موقفها، وتبدّل تحالفاتها من قرية إلى أخرى، من حجز مقاعد لها في المجالس البلدية المختلفة. وعلى أمل أن يأتي يوم تؤثّر فيه البرامج الانتخابية أولاً وأخيراً في اتجاه الناخبين، فيصحو اللبناني على مبدأ المحاسبة لغدٍ أفضل.